تنزيل
0 / 0
5448116/02/2013

هل ينفع الاستغفار مع الإصرار على الصغائر فلا تتحول إلى كبائر ؟

السؤال: 184515

هل الاستغفار يمكن له أن يشفع للصغائر التي بالإصرار عليها تصبح كبائر ؟ وهل الإصرار هو فعلها مع جحدها ، أم إن إنكارها مع الاستغفار يجعلها صغائر ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
” ذَهَبَ الْجَمَاهِير مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف مِنْ جَمِيع الطَّوَائِف إِلَى اِنْقِسَام الْمَعَاصِي إِلَى صَغَائِر وَكَبَائِر , وَقَدْ تَظَاهَرَ عَلَى ذَلِكَ دَلَائِل مِنْ الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَاسْتِعْمَال سَلَف الْأَمَة وَخَلَفهَا “
“شرح النووي على مسلم” (2/85)
وقد تقدم أن الصغائر لا يجوز التهاون بها والاستهانة بشأنها وما قد تؤدي إليه ، فإن الإصرار على الصغيرة كبيرة ، والاستهانة والاستخفاف بها مهلكة .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثمه إثم الكبيرة أو يربى عليها ” .
انتهى من “إغاثة اللهفان” (2/151) .
راجع جواب السؤال رقم : (127480) ، (130711) .

ثانيا :
قَال الْقُرْطُبِيُّ : الإْصْرَارُ هُوَ الْعَزْمُ بِالْقَلْبِ عَلَى الأْمْرِ وَتَرْكُ الإْقْلاَعِ عَنْهُ ، وَقَال قَتَادَةُ : الإْصْرَارُ : الثُّبُوتُ عَلَى الْمَعَاصِي .
“الموسوعة الفقهية” (36 /305) .
فالثابت على معصية الله ومعصية الرسول ، الذي عقد قلبه على معاودتها ، كلما سنحت له : هو من المصرين على الذنب .

ثالثا :
الفرق بين التوبة والاستغفار :
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
ما الفرق بين التوبة والاستغفار ؟
فأجاب :
” التوبة الندم على الماضي والإقلاع منه والعزيمة أن لا يعود فيه ، هذه يقال له التوبة ، أما الاستغفار فقد يكون توبة وقد يكون مجرد كلام ، يقول: اللهم اغفر لي ، أستغفر الله ، لا يكون توبة إلا إذا كان معه ندم وإقلاع يعني من المعصية وعزم أن لا يعود فيها ، فهذا يسمى توبة ويسمى استغفارا ، فالاستغفار النافع المثمر هو الذي يكون معه الندم والإقلاع من المعصية والعزم الصادق أن لا يعود فيه ” انتهى من موقع الشيخ .
http://www.binbaz.org.sa/mat/10479
فالواجب على العبد أن يعلم أن حقيقة الاستغفار هي : طلب المغفرة من الله جل جلاله ، فإذا لم يكن صادقا في طلبه ، ولا راغبا في المغفرة منه ، بل هي كلمة مرت على لسانه ، من غير أن يخضع لربه بها ، ولا يلتفت قلبه إلى معنى الحاجة من الله ؛ فأي استغفار يكون هذا ؟!
جاء في “الموسوعة الفقهية” (4/35) :
“الاِسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يُحِل عُقْدَةَ الإْصْرَارِ ، وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ ، لاَ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ ، فَإِنْ كَانَ بِاللِّسَانِ – وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ – فَإِنَّهُ ذَنْبٌ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ ” انتهى.

وقال النووي رحمه الله :
” قَالَ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه : وَالْإِصْرَار عَلَى الصَّغِيرَة يَجْعَلهَا كَبِيرَة ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَر , وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ : لَا كَبِيرَة مَعَ اِسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَبِيرَة تُمْحَى بِالِاسْتِغْفَارِ , وَالصَّغِيرَة تَصِير كَبِيرَة بِالْإِصْرَارِ ، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه : الْمُصِرُّ مَنْ تَلَبَّسَ مِنْ أَضْدَاد التَّوْبَة بِاسْمِ الْعَزْم عَلَى الْمُعَاوَدَة ، أَوْ بِاسْتِدَامَةِ الْفِعْل بِحَيْثُ يَدْخُل بِهِ ذَنْبُهُ فِي حَيِّز مَا يُطْلَق عَلَيْهِ الْوَصْف بِصَيْرُورَتِهِ كَبِيرًا عَظِيمًا . وَلَيْسَ لِزَمَانِ ذَلِكَ وَعَدَده حَصْرٌ ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (2/82)

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ولا ينفع الاستغفار مع الإصرار ، لأنه إلى الاستهزاء أقرب منه إلى الحسنات ” .
انتهى من “ثمرات التدوين” (ص 141) .

وقد روى البخاري (6308) عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ ، قَالَ : ” إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا .
ثُمَّ قَالَ – وهذا هو المرفوع – : ( لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ : أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي ، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ)
وهو في مسلم أيضا (2744) إلا أنه لم يذكر لفظ الموقوف .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ” فتح الباري ” (11/105) :
” .. الْمُؤْمِن يَغْلِب عَلَيْهِ الْخَوْف لِقُوَّةِ مَا عِنْده مِنْ الْإِيمَان فَلَا يَأْمَن الْعُقُوبَة بِسَبَبِهَا , وَهَذَا شَأْن الْمُسْلِم أَنَّهُ دَائِم الْخَوْف وَالْمُرَاقَبَة , يَسْتَصْغِر عَمَله الصَّالِح وَيَخْشَى مِنْ صَغِير عَمَله السَّيِّئ .
وقَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ : إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَة الْمُؤْمِن لِشِدَّةِ خَوْفه مِنْ اللَّه وَمِنْ عُقُوبَته ; لِأَنَّهُ عَلَى يَقِين مِنْ الذَّنْب وَلَيْسَ عَلَى يَقِين مِنْ الْمَغْفِرَة , وَالْفَاجِر قَلِيل الْمَعْرِفَة بِاَللَّهِ فَلِذَلِكَ قَلَّ خَوْفه وَاسْتَهَانَ بِالْمَعْصِيَةِ .
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة : وَيُسْتَفَاد مِنْ الْحَدِيث أَنَّ قِلَّة خَوْف الْمُؤْمِن ذُنُوبه وَخِفَّته عَلَيْهِ يَدُلّ عَلَى فُجُوره .
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : يُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْمُؤْمِن عَظِيم الْخَوْف مِنْ اللَّه تَعَالَى مِنْ كُلّ ذَنْب صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ يُعَذِّب عَلَى الْقَلِيل فَإِنَّهُ لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل سُبْحَانه وَتَعَالَى ” انتهى .

ومن فقه ابن مسعود رضي الله عنه أنه أورد هذا الحديث تلو الآخر ؛ فالأول يدل على أن المؤمن لا يتهاون بالذنب ، صغيرا كان أو كبيرا ، وأنه لا يزال خائفا وجلا من عواقبه في الدنيا والآخرة ، وهذا هو حال المؤمن التائب الذي يفرح الله بتوبته أشد الفرح .

وأما قول السائل : ” وهل الإصرار هو فعلها مع جحدها ، أم إن إنكارها مع الاستغفار يجعلها صغائر” ؛ فلم يتضح لنا المراد به جيدا ، ونرجو أن يكون فيما قدمناه من الجواب كفاية .
والله تعالى أعلم .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android