جدي توفي عن ابنتيه الصغيرتين في المرحلة الابتدائية من الدراسة , طبعا لا يزال عمر الطفلتين أقل من الثانية عشرة ، وخالي هو الوصي الوحيد عليهن , ترك جدي لهم راتبا شهريا بقدر 1700 شيكل , ومستلزمات منزلية مع قطعة الأرض , وحينما كان في سكرات الموت أوصى بكل ما يملك شفاهة للطفلتين فقط لا غير , مع العلم أن عليه ديونا خارجية .
السؤال يتعلق بمعاملة خالي لهم , فهو حينما احتواهم تضرر من ناحية أنه قطع عنه راتبه ، مما اضطره أن يستخدم مالهم حلالا له ولأولاده , من ثم عاد له الراتب الخاص به ، ولا يزال يدخل راتبهم في حياته الخاصة ، بالمعنى أنه يقوم بصرف راتب الطفلتين أيضا كأنما هو ملك له ، ولم يسدد حتى اللحظة دين جدي , فما حكمه شرعا ؟
هل يجوز للوصي على الأيتام أن يستعمل أموالهم ويستولي على راتبهم ؟
السؤال: 186793
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
يجوز للقائم على أمر اليتيم أن يأخذ من ماله إن كان محتاجا ، لقوله تعالى : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا . وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) النساء /5،6 .
والفقهاء يقولون : له أن يأكل من أقل الأمرين : أجرة مثله ، أو قدر حاجته ، أي إن كان عمله واجتهاده مما يستحق أجرة قدرها 100 مثلا ، وكان محتاجا ، وحاجته تقدر ب 90 ، فإنه يأخذ 90
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” ويأكل الولي الفقير وهو الذي ليس عنده ما يكفيه من كسب يده أو غلة أو راتب أو مكافأة ، ليس عنده إلا مال هذا اليتيم .
قوله: من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرته مجانا فإذا قدرنا أن كفايته ألف ريال وأجرته خمسمائة ريال، فنعطيه خمسمائة ؛ لأنها الأقل ، فإذا قال : هذه ما تكفيني ، أنا إلى الآن فقير، نقول: ليس لك إلا الأجرة فقط .
وبالعكس ، أجرته ألف ريال وكفايته خمسمائة ، فنعطيه خمسمائة ، وهذه لا إشكال فيها ، الإشكال في المسألة الأولى ، إذا كانت الأجرة أقل من الكفاية فإنه سوف يبقى فقيرا، وظاهر الآية الكريمة: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [النساء: 6] أنه يأكل بالمعروف ، وأنه إذا كانت الأجرة أقل تكمل له الكفاية وعلى هذا فنقول : يأكل كفايته سواء كانت بقدر الأجرة أو أقل أو أكثر؛ لأن هذا هو ظاهر القرآن: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ” انتهى من “الشرح الممتع” (9/ 312).
وما زاد من هذا المال عن حاجة اليتيم وعن أكل كافله منه بالمعروف ، فإنه يُدخر لليتيم ، فهو ملك له ، ولا يجوز الاعتداء عليه ، وإن أمكن استثماره في مشاريع مباحة بلا مخاطرة ، فهذا أولى ؛ لقوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/220.
وليحذر المؤمن من أكل مال اليتيم بغير حق ، فإن ذلك من كبائر الذنوب ، كما دل عليه ثوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) النساء/10.
وينظر : سؤال رقم (59933) .
ثانيا :
الواجب سداد دين المتوفى من تركته ، قبل تقسيمها ؛ لقوله تعالى في آيات المواريث : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء/12.
فيسدد الدين من قطعة الأرض أو من المستلزمات التي تركها جدك .
وينظر : سؤال رقم (43085) .
ثالثا :
لا تجوز الوصية لأحد من الورثة ؛ لما روى أبو داود (2870) والترمذي (2120) والنسائي (4641) وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) والحديث صححه الألباني في ” صحيح أبي داود” .
ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس بلفظ: (لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة) وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام .
فالوصية لوارثٍ محرمة ، لكنها تصح وتنفذ بموافقة الورثة.
فإن كان لجدك ورثة آخرون فلابد من الرجوع إليهم ، وإعطائهم حقوقهم إلا أن يتنازلوا عنها للبنتين .
وإن لم يكن له ورثة غير البنتين ، فالتركة كلها لهم ، فرضا وردّا ، لكن يقضى دين الميت من التركة كما سبق .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة