0 / 0
16,72811/12/2012

حكم مشي الإمام تجاه القبلة ليصل إلى الميكروفون حتى يسمع الناس .

السؤال: 190016

أثناء صلاة التراويح انقطعت الكهرباء مما جعلنا نصلى في مكان خلفي في المسجد ، وذلك بسبب الحر الشديد ، وأثناء الصلاة عادت الكهرباء للعمل ، فما كان من الإمام إلا أن سار وهو يقرأ مسافة كبيرة تبلغ حوالي 25 م باتجاه القبلة ؛ ليصل إلى مكبر الصوت ، ولكننا كأمومين لم نتبعه في ذلك ، وبعد الصلاة قلنا له ما حملك على ذلك ، قال : إنه تحرك من أجل أن يبلغ مكبر الصوت ؛ لأن النساء في الدور العلوي بعد عودة الكهرباء وعمل المراوح قد لا يسمعوا صوته جيدا، أفيدونا في مسألة تحركه هذه المسافة ، ومدى جواز ذلك ، وما هي حدود الحركة في الصلاة ؟ ، وهل تختلف إن كانت الصلاة فرض عن كونها نافلة ؟ ، وما هو نطاق الضرورة للحركة ؟.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
تجوز الحركة في الصلاة إذا كانت لمصلحة الصلاة ، وإن كانت كثيرة .
روى البخاري (403) ومسلم (526) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : ” بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ ” .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
” فيه جواز الحركة لمصلحة الصلاة ” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (12 /354) .

والحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام ، وذلك بحسب الدافع إليها ، فإن كان الدافع إليها من الواجبات فالحركة واجبة ، وإن كان الدافع إليها من المحرمات فالحركة محرمة ، وهكذا .
راجع لبيان ذلك إجابة السؤال رقم (12683) .

وعلى ذلك : فتحرك الإمام إلى الأمام باتجاه القبلة ليصل إلى مكبر الصوت ليسمع النساء قراءته وتكبيره : فإن كان صوته لا يبلغ النساء ، أو كانت هناك مشقة زائدة في إسماع النساء قراءة الإمام ، ففعله صحيح مشروع ؛ لأنه في مصلحة الصلاة .

وقد روى أبو داود (922) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ ، فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُ ، فَمَشَى فَفَتَحَ لِي ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُصَلَّاهُ ، وَذَكَرَ أَنَّ الْبَابَ كَانَ فِي الْقِبْلَةِ ” . حسنه الألباني في “صحيح أبي داود” .
وروى ابن خزيمة (827) عن ابن عباس : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فمرت شاة بين يديه فساعاها (سابقها) إلى القبلة حتى ألزق بطنه بالقبلة ” .
صححه الألباني في “صفة الصلاة” (ص83) .
وقد صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام عن يساره ، فحوّله النبي صلى الله عليه وسلم فجعله عن يمينه.
رواه البخاري (138) ومسلم (763)

وإن كنّ يسمعن صوته بدون المكبر ، إلا أنهن يسمعنه بالمكبر بصورة أوضح وأحسن ، فالذي فعله غير مشروع ، وهو مكروه كراهة شديدة ؛ لأنه فعل كثير يمكن الاستغناء عنه ، وقد يحصل به انشغال المصلين في الصلاة ، واضطرابهم واختلافهم وتنازعهم في الصلاة وبعد الصلاة .

ثانيا :
حدود الحركة في الصلاة : ضابطها أنه تجوز لمصلحة الصلاة وإن كانت كثيرة ، أما إن كانت لغير مصلحة الصلاة ، ولغير حاجة داعية إليها ، فإنها تكره إن كانت قليلة ، وتبطل الصلاة بها إن كانت كثيرة .
قال المرداوي في “الإنصاف” (2/129) :
” ( وَالْعَمَلُ الْمُسْتَكْثَرُ فِي الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ عَمْدًا , بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ , وَتَبْطُلُ بِهِ أَيْضًا سَهْوًا , عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَحَكَاهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا .
ومُرَادُهُ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَكْثَرِ : إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ ” انتهى .

ثالثا :
السنة للمؤمن أن يقبل على صلاته ويخشع فيها بقلبه وبدنه ، سواء كانت فريضة أو نافلة ، لقول الله سبحانه : ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) المؤمنون/1-2 .
وأحكام الصلاة لا تختلف في الفرض عنها في النافلة إلا فيما خصه الدليل ، قال ابن قدامة رحمه الله :
” مَا أَبْطَلَ الْفَرْضَ أَبْطَلَ التَّطَوُّعَ ، كَسَائِرِ مُبْطِلَاتِهِ ” انتهى من “المغني” (2/ 47) .

إلا أن الحركة في صلاة النافلة قد تكون لحاجة أكثر منها في الفريضة ؛ وذلك لأن النافلة عادة تكون بالبيت ، وهذا مما يجعلها عرضة لحصول بعض الطوارئ التي يحتاج معها المصلي فيها إلى الحركة بخلاف الفرض الذي يكون عادة بالمسجد ، كما تقدم في حديث فتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب لعائشة ، وكما روى ابن حزم في “المحلى” (2/ 126) عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ: ” أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَأْمُرُ خَادِمَهَا أَنْ تُقَسِّمَ الْمَرَقَةَ ، فَتَمُرُّ بِهَا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ فَتُشِيرُ إلَيْهَا: أَنْ زِيدِي ؛ وَتَأْمُرُ بِالشَّيْءِ لِلْمِسْكِينِ تُومِئُ بِهِ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ ” .
وعنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ:” أَنَّهَا قَامَتْ إلَى الصَّلَاةِ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ، فَأَشَارَتْ إلَى الْمِلْحَفَةِ فَنَاوَلْتهَا، وَكَانَ عِنْدَهَا نِسْوَةٌ فَأَوْمَأَتْ إلَيْهِنَّ بِشَيْءٍ مِنْ طَعَامٍ بِيَدِهَا – تَعْنِي وَهِيَ تُصَلِّي” .
رابعا :
نطاق الضرورة للحركة في الصلاة يعرف بمقدار الحاجة إليها ، فإن كانت الحاجة إليها ضرورية كالحركة لمصلحة الصلاة ، وكالحركة لقتل الحية والعقرب في الصلاة ، وكالحركة لإنقاذ معصوم من الغرق أو التلف : فلا حرج على المصلي في ذلك ، وقد يؤمر به .
وإذا كانت الحاجة إلى الحركة في الصلاة غير ضرورية كانت الحركة تبعا لها ، وتختلف باختلاف الداعي إليها ، كما يتبين ذلك بمراجعة السؤال رقم (12683) .

وعلى كل : فالذي يظهر لنا أنه لا حرج على الإمام فيما فعله في صلاته ، إن كانت هناك مشكلة في وصول صوته للنساء ، وكان الواجب على المأمومين متابعته في صلاته ، لا سيما وهم لم يتبين لهم خطؤه في ذلك على وجه اليقين .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android