تنزيل
0 / 0

هل يجوز الإخبار عن الله تعالى بأنه ” كائن ” ؟

السؤال: 191441

ما حكم إطلاق صفة " كائن " على الله جل شأنه؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (84270) ، (177221) أن باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء والصفات .
ثانيا :
يجوز الإخبار عن الله تعالى بما لا يتضمن نقصاً ، أما ما يتضمن النقص أو يوهمه فلا يجوز الإخبار عن الله تعالى به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يُفَرّقُ بَيْنَ دُعَائِهِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ ، فَلَا يُدْعَى إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ؛ وَأَمَّا الْإِخْبَارُ عَنْهُ : فَلَا يَكُونُ بِاسْمِ سَيِّئٍ ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بِاسْمِ حَسَنٍ ، أَوْ بِاسْمِ لَيْسَ بِسَيِّئِ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِحُسْنِهِ ، مِثْلَ اسْمِ شَيْءٍ وَذَاتٍ وَمَوْجُودٍ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 142) .
ثالثا :
يحسن الإخبار عن الله تعالى بما يجوز الإخبار به عنه عند الحاجة إلى ذلك ، كالرد على المبتدعة ، أو التنزل عند المجادلة أو تفسير معنى الصفة ونحو ذلك ، ولا ينبغي أن يتوسع فيه الإنسان بما لا حاجة إليه ، حتى ربما جره ذلك إلى الإخبار بما لا يليق .

وقد روى البخاري (7418) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما : " أن نَاسا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دخلوا على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا : جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ ؟ قَالَ : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ) .
وفي رواية : ( كان الله ولم يكن شيء غيره ) ، وفي أخرى : ( ولم يكن شيء معه ) راجع الفتح (6/289)

فإذا كان مراد القائل بذلك : الإخبار عن وجود الله تعالى في الأزل ، وأنه لم يزل ، ولا يزال موجودا ، يستحيل عليه أن يغيب عن ملكه وسلطانه ، ويستحيل أن يكون قد أتى عليه وقت في الأزل لم يكن فيه موجودا ، كما يستحيل أن يأتي عليه وقت في الأبد لا يكون فيه موجودا ؛ بل كل شيء هالك إلا وجهه ، كما قال تعالى : ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) القصص/88 ، وقال تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن/16- 17 ، وكما ثبت في دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كَانَ يَقُولُ: ( اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي ، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ ) رواه مسلم (2717) .
إذا كان مراد القائل هذا المعنى ، فلا حرج في إطلاق ذلك على الله ، والإخبار عنه بأنه كائن ، أي موجود ، باق ، سبحانه وتعالى .

وقد جاء مثل ذلك في كلام السلف .
روى الإمام أحمد (10957) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/ 40) من طريق جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَسْأَلُكُمُ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ , حَتَّى يَسْأَلُوكُمْ : هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ ) قَالَ جَعْفَرٌ: فَحَدَّثَنِي رَجُلٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ جَعْفَرٌ كَانَ يَرْفَعُهُ : ( فَإِنْ سُئِلْتُمْ فَقُولُوا : اللَّهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ كَائِنٌ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ) .

وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن رجالا سترفع بهم المسألة حتى يقولوا : الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ ) .
فكان معمر يصل في هذا الحديث ، فيقول : ( الله خلق كل شيء ، وهو قبل كل شيء ، وهو كائن بعد كل شيء ) .
رواه عبد الرزاق في "المصنف" (11 /244) ، ورفع هذه الزيادة ( كائن ) [ أي : نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] : ضعيف .

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره (15664) بسند صحيح عن مُحَمَّد بْن حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ أَنَّ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلامُ- لَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ قَالَ : ( يَا مَنْ كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَالْكَائِنُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ : اجْعَلْ لَنَا مَخْرَجًا ) .
وروى الإمام أحمد في الزهد (345) عَنْ وَهْبٍ قَالَ: " قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا رَبِّ ، إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَنِي كَيْفَ كَانَ بَدْؤُكَ؟ قَالَ: ( فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي الْكَائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَالْكَائِنُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ) .
وينظر أيضا : "مدارج السالكين" (3/ 183) .

أما إذا أطلقت هذه اللفظة على الله تعالى ، فأوهمت في سياقها نقصا ، أو جراءة على مقام الله جل جلاله : حرم ذلك ، وحرم إطلاق كل ما يوهم نقصا في حق جل وعلا ، لكن ذلك ، كما قلنا لم يكن بأصل وضع الكلمة ، وإنما هو بحسب دلالتها السياقية ، أو العرفية .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (48964) .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android