هناك طرق للانتحار تكون خفيفة وغير مؤلمة بالمرة كاستعمال غاز الهيليوم مثلاً إلخ ، فهل يجوز لي أن أقدم عليها ؟
مع العلم أني أعاني من مرض نفسي (autism) يجعلني تقريبا عاجزاً تماماً عن التعايش مع الناس في المجتمع ولا حتى عائلتي ، مرضي يسبب لي شللاً تقريبا كليّاً في حياتي الاجتماعية ، فمثلاً ليس لي أي إمكانية زواج بسبب مرضي ، وأجد صعوبةً كبيرة في أداء أبسط الأشياء في تعاملي مع الناس ، والتي حتى الأطفال يستطيعون القيام بها وأنا لا أستطيع ، أجد صعوبات في التواصل مع الناس أجد صعوبة في كل شيء تقريباً ، عمري 33 سنة ، كنت أتمنى أنه مع العمر والخبرة سيزول هذا المرض ولكن لم يزل ، تضرعت إلى الله بالدعاء ولكن لا تحسن ، مع العلم أن مرضي هذا تسبب لي أيضاً في فشل ذريع في حياتي المهنية فأنا في غضون أشهر سوف أجد نفسي بدون عمل ولن يكون سهلاً إيجاد عمل آخر في وقت يزداد فيه مرضي سوءاً ، مع العلم أني أعيش منذ مدة في الغربة بألمانيا ، وبسبب مرضي لا أجد حولي أحداً أستشيره ، أو يعينني على معضلتي ، فأنا في غربة مزدوجة ، في بلد ليس بلدي بعيد عن أهلي ، وغربة نفسية ؛ فمرضي حرمني من الأصحاب والرفقة ، لم ينفعني لا دعاء ، ولا استعاذة بالله من الشيطان ، ولا أي شيء ، حالتي قريبة جدّاً من النهاية ، الرجاء المساعدة ، كما قلت هناك طرق رحيمة جدّاً للانتحار أظن أن الحديث المعروف حول الانتحار لا ينطبق عليها
فهل هناك أمل أن يجيز ذلك الانتحار ؟
لأنه دون الانتحار أنا أصلاً ميت اجتماعيّاً ومهنيّا وكل شيء ، لا فرق بيني وبين ميت حقيقي حتى وإن لم أنتحر فإني سوف أموت جوعا أو مرضا على كل حال ؛ لأني لن أستطيع إلا أن أجلس في مكان ما وأنتظر الموت ، لأني لن أستطيع فعل أي شيء آخر بسبب مرضي .
ابتلاه الله تعالى بمرض نفسي فهل له أن ينتحر بطريقة غير مؤلمة ؟!
السؤال: 191725
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك وأن يكتب لك أجرا جزيلا على ما ابتلاك به من مرض ، وعلى قدر تألمنا لما أصابك فإننا سعداء أنك تسأل عن الحكم الشرعي لما تريد فعله ، وهذا يدل على استسلامك للحكم الشرعي وعلى تحقيقك للعبودية لله رب العالَمين .
واعلم – أخانا السائل – أن الدنيا محط الابتلاءات والامتحانات ، وأن الآخرة هي دار الثواب لمن ثبت على دينه في الدنيا وتمسَّك بشرع ربِّه تعالى ففعل ما أمره الله تعالى به وانتهى عما نهاه عنه .
وهذه الدنيا فيها السعادة والفرح والغنى والولد والصحة والعافية وفيها عكس ذلك كله ، وكل ذلك ابتلاء من الله تعالى كما قال عز وجل : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء/ 35 ، وليس من علامة رضى الله تعالى عن العبد أن يهبه الصحة والعافية والولد ولا أنه إذا سخط على عبده سلبه ذلك كله أو بعضه ، قال تعالى : ( فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلَّا … ) الفجر/ 15 – 17 .
ولا يمنعنا هذا من وصيتك بالبحث الدائم عن علاج لمرضك ؛ فإن الله تعالى لم يقدِّر داء وإلا وجعل له دواءً .
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ : ” قَالَتْ الْأَعْرَابُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلَا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً – أَوْ قَالَ دَوَاءً – إِلَّا دَاءً وَاحِدًا ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : ( الْهَرَمُ ) . رواه الترمذي ( 2038 ) وصححه ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
ويجب عليك أن تسلِّم أن الله تعالى لم يبتلك بالمرض إلا لحكمة بالغة ، وأن الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، ويكفيك أن تعلم ما لك عند الله تعالى من ثواب الاستكانة والتضرع وعظيم الأجور على الأدعية التي دعوتها إياه ، مع ما لك من عظيم الأجور على الصبر والاحتساب .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ ) رواه الترمذي ( 2402 ) وحسَّنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
فلا يضيع ذلك عليه وقد وقع الابتلاء ولا راد له إلا هو عز وجل ، واحذر أشد الحذر من أن تضيع آخرتك بفعل الانتحار أيّاً كان نوعه وصفته ؛ فإنه محرَّم كلُّه ، وليس ثمة استثناء لبعض أنواعه أو صفاته ، فلا يجوز لمن أصيب باكتئاب أن ينتحر ولا يحل لمن أصيب بجراحات مؤلمة أن ينتحر ، فليس ثمة سبب تجيز الشريعة الانتحار ، وليس ثمة وصف أو كيفية أجازته الشريعة المطهرة ، لأن العبد ليس له أن يتصرف في نفسه إلا بأذن من الله جل جلاله ، وليس له أن يستعجل نهايته ، فيبادر ربه بالأجل ، فيحرم من النعيم الأبدي في جنات النعيم .
إياك إياك يا عبد الله من القنوط ، أو اليأس من رحمة الله : ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) .
فاحذر يا عبد الله من خاتمة السوء بالانتحار ، ولا تتحجر واسعا من رحمة الله ؛ فمن يدري متى يأتي الفرج ، ومن يدري متى يأتي اليسر ، ومن يدري ماذا خبأ الله لك عنده ؟!
وإياك أن تكف عن دعاء ربك ، فلعل اللحظة التي تكف فيها عن الدعاء ، تكون ساعة الإجابة ، ولعل الله قد أخر عنك الجواب ، ليسمع منك الدعاء ، أو ليختبر صبرك ، أو ليرفع درجتك ، أو ليكفر عنك خطيئتك ؛ فحذار ياعبد الله من القنوط من رحمة ربك : ( قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) الحجر/55 – 56.
اشغل نفسك بطاعة ربك ، وذكره ، واستغفاره ، واعلم أنه من يتق الله يجعل له مخرجا ، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) الشرح /5-8.
وانظر جواب السؤال رقم (111938 ) ، ورقم (71236) .
ونحن ننصحك مع ذلك أن تحاول الانتقال إلى بلدك ، والعيش في وسط أهلك ، فإن في ذلك تخفيفا عنك ، فإن لم تستطع لسبب ما ، فحاول أن تكثر من جلوسك في وسط الملتزمين ، وبيئة الطائعين في أقرب مركز إسلامي إليك ، فلعل الله أن ينفعك بصحبة صالحة ، تخفف عنك ما أنت فيه ، مع محاولة عرض حالك على بعض الأطباء النفسيين ، والسعي في علاجها بما استطعت .
نسأل الله أن يتم عليك الشفاء والعافية ، وأن يفرج عنك ما أنت فيه .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة