صليت لمدة سنوات في مسجد خلف إمام كان يسب الله تعالى باللسان , وكنت أنصح الإمام بعدم الكفر والسب ، لكنه كان لا يستمع إلى النصيحة ، صليت خلف ذلك الإمام قرابة خمسة سنوات ، وبعدها تركت الصلاة خلف ذلك الإمام نهائيا. فماذا عليّ أن افعل حتى يتوب الله عليّ ? هل يجب قضاء تلك الصلوات أم لا ؟ وما كفارة ذلك؟ تنبيه : كنت أعلم بأحوال إمام المسجد ، وأنه متلبس ببدعة مكفرة , من خلال أن مفتاح المسجد كان عندي ، وكنت أفتح باب المسجد في سبيل الله تعالى لكي يصلي المصلون ، لم أقم باختبار عقيدة إمام المسجد ، وإنما كان كعادته يسب الله تعالى كثيرا .
صلى خلف إمام مرتد خمس سنوات ، وهو يعلم بالردة التي وقع فيها ؟
السؤال: 192032
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من كان يسب الله تعالى أو كتابه أو أحدا من ملائكته أو رسله فهو كافر خارج عن ملة الإسلام ، لا تجوز الصلاة خلفه ؛ لإجماع الأمة على عدم جواز الصلاة خلف الكافر ، سواء كان كافرا أصليا أو مرتدا ، ومن صلى خلفه وهو عالم بحاله أعاد الصلاة .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" الْكَافِرَ لَا يَكُونُ إمَامًا فِي حَالٍ ، وَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ إمَامًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا طَاهِرًا .
وَهَكَذَا لَوْ كَانَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ، فَارْتَدَّ ، ثُمَّ أَمَّ وَهُوَ مُرْتَدٌّ : لَمْ تَجْزِ مَنْ خَلْفَهُ صَلَاتُهُ حَتَّى يُظْهِرَ التَّوْبَةَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ إمَامَتِهِمْ ، فَإِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ إمَامَتِهِمْ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ مَعَهُ " .
انتهى من "الأم" (1/ 195) .
وقال الشيرازي في "المهذب" (1/183) :
" وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهل الصلاة ، فَإِنْ تَقَدَّمَ وَصَلَّى بِقَوْمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إسْلَامًا مِنْهُ ، لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِيرُ بِفِعْلِهِ مُسْلِمًا ، كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ أَوْ زَكَّى الْمَالَ ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ : فَإِنْ عَلِمَ بِحَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةٍ بَاطِلَةٍ … " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" الْكَافِرَ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ بِحَالٍ سَوَاءٌ عَلِمَ بِكُفْرِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ , أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ , وَعَلَى مَنْ صَلَّى وَرَاءَهُ الْإِعَادَةُ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ , وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ , وَالْمُزَنِيُّ : لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ; لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ " انتهى من "المغني" (2/16) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الكافرُ لا تصحُّ الصلاةُ خلفَه مطلقاً، سواءٌ كان كفرُه بالاعتقادِ، أو بالقولِ، أو بالفعلِ، أو بالتَّركِ.
فالاعتقادُ ، مثل: أن يعتقدَ أنَّ مع الله إلهاً آخر .
والقولُ ، مثل: أن يستهزئ باللهِ أو رسولِه، أو دينِه. فمَن كان يستهزئُ باللهِ أو رسولِه، أو دينِه فهو كافرٌ ولو كان يصلِّي … ونحن نعلمُ أنَّه لا يمكن أنْ يُصلِّي مسلمٌ خلفَ كافرٍ، لكن لو فُرضَ أنَّ شخصاً صلَّى خلفَ رَجُلٍ ، ولم يعلَمْ أنه كافرٌ إلا بعدَ الصَّلاةِ فهل تلزمُه إعادةُ الصَّلاةِ أو لا ؟
الجواب : مِن العلماءِ مَن قال: إنه لا يعيدُ الصَّلاةَ ؛ لأنَّه معذورٌ.
ومِنهم مَن قال : بل يعيدُ الصَّلاةَ ، لأنَّ مِن شرطِ صحَّةِ الإِمامة أن يكونَ الإِمامُ مسلماً .
ولو قال قائلٌ : هل يمكن أن نُفَصِّلَ ونقول : إن كانت علامةُ الكفرِ عليه ظاهرةٌ لم تصحَّ ، ولم يُعذرْ بالجهلِ لوجود القرينةِ ، وإلا فلا ؟
فالجواب: يمكن ذلك ، فالقولُ الراجحُ في هذه المسألة : أنه إن كان جاهلاً فإن صلاتَه صحيحةٌ " انتهى من "الشرح الممتع" (4/ 220) .
وعليه : فصلاتك التي صليتها خلف هذا الإمام الفاجر غير صحيحة منه أولا لردته ، ولا منك ، لتعليق صلاتك بصلاة مرتد ، وعليك إعادة هذه الصلوات جميعا ، وتجتهد في تقديرها حتى يغلب على ظنك براءة ذمتك منها ؛ وهذا قول جماهير أهل العلم .
وقال ابن قدامة في "المغني" (1/439) :
" إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ عَلَيْهِ يَتَشَاغَلُ بِالْقَضَاءِ ، مَا لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ ، أَمَّا فِي بَدَنِهِ فَأَنْ يَضْعُفَ أَوْ يَخَافَ الْمَرَضَ ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ، بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ عَنْ مَعَاشِهِ ، أَوْ يُسْتَضَرُّ بِذَلِكَ ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، فِي الرَّجُلِ يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ : يُعِيدُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَا قَدْ ضَيَّعَ " انتهى .
ومثل هذا لا يشبه حاله حال المتلبس ببدعة مكفرة ، فإن هذا قد يعذر بنوع اجتهاد أو تأويل أو نحو ذلك ، وإذا كفر فليس كفره كفر هذا المتجرئ على الله جل جلاله بسبه ؛ فكيف إذا جمع السوأتين ، ووقع في الضلالتين ؛ فأنى لمثل هذا أن يصلي لرب العالمين ؛ فضلا عن أن يصير إماما ؟!!
راجع جواب السؤال رقم : (20885) ، (129407) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة