0 / 0
32,08501/02/2013

خاف على والده المريض أن يموت بسبب امتناعه عن الغذاء ، فسمح للأطباء بإعطائه الغذاء رغماً عنه فهل يعتبر عاقاً ؟

السؤال: 192633

الوالد رحمه الله كان شديدا ، وحتى في مرضه لا نستطيع أن نقنعه بشيء ، في أحد الأيام قام بمحاولة الخروج من المستشفى ، وفصل موصلات المغذيات ، فأتعبني جدا ، ولاحظ الممرضات أنه يحاول فصل هذه الأنابيب ، فقالوا لي : سوف نربطه وأنا وافقتهم في آخر يوم من حياته ذهبت لأصلي الظهر ، وعند عودتي وجدته متعبا جدا ، وكان قليل الأكل من قبل ذلك اليوم ، وفي هذا اليوم لم يأكل ، ولم يتمكنوا من إعطائه علاج السكر ، استمريت أعطيه الأكسجين على فترات متقطعة ، لأنه إن لم يأخذ الأكسجين يتعب ، واستدعيت الأطباء ، وعملوا له أشعة ، ووجدوا أن الرئة بها فيروس ، وعند صلاة المغرب كانت درجة حرارته منخفضة جدا ، ويداه بيضاء ، وكذلك القدمان باردة جدا ، فقالوا هذا نتيجة لعدم الأكل ولقد أبلغناكم من قبل بأنه يجب أن يتغذي عن طريق أنبوب من الأنف ، ورفضتم ، فما رأيكم الآن ؟ هل نقوم بربطه ، ونقوم بإعطائه الغذاء ، ونثبت له الأكسجين ؟ فقلت لهم: نعم ، وأعطوا له الغذاء ، وبعد قليل جاءتني الممرضة ، فقالت : أعطيناه علاج السكر ، وتوفي بعد ما يقارب 12 ساعة . وسؤالي :
ماذا علي ؟ هل فعلي عقوق أم إنني آثم ؟ فوالله لم أرد إلا مساعدته .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ينبغي أن يعلم أن الأصل ألا يجبر المريض على طعام أو شراب لا يشتهيه؛ لما روى الترمذي برقم ( 2040 ), وابن ماجة برقم ( 3444) كلاهما عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تكرهوا مرضاكم على الطعام ، فإن الله يطعمهم ويسقيهم ) .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه , وقال الألباني : صحيح
جاء في شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره (1 / 246) : " ( لا تكرهوا مرضاكم ) الخ أي إن لم يأكلوا برغبتهم , ولا تقولوا : إنه يضعف لعدم الأكل, ( فإن الله تبارك وتعالى يطعمهم ويسقيهم ) , أي يرزقهم صبرا وقوة فإن الصبر والقوة من الله حقيقة لا من الطعام والشراب ولا من جهة الصحة , قال القاضي أي يمدهم ويحفظ قواهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب في حفظ الروح وتقويم البدن .
قال الموفق : ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية وما أجدرها للأطباء وذلك لأن المريض إذا عاف الطعام والشراب فذلك لاشتغال طبيعته بمقادمة المرض فإعطاء الغذاء في هذه الحال يضر جدا قوله : فإن الله يطعمهم ويسقيهم أي يشبعهم ويرويهم من غير تناول طعام وشراب " انتهى.
وقال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد في هدي خير العباد (4 / 83): " قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الْأَطِبَّاءِ : مَا أَغْزَرَ فَوَائِدَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ النَّبَوِيَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى حِكَمٍ إِلَهِيَّةٍ ، لَا سِيَّمَا لِلْأَطِبَّاءِ، وَلِمَنْ يُعَالِجُ الْمَرْضَى ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا عَافَ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ فَذَلِكَ لِاشْتِغَالِ الطَّبِيعَةِ بِمُجَاهَدَةِ الْمَرَضِ ، أَوْ لِسُقُوطِ شَهْوَتِهِ أَوْ نُقْصَانِهَا لِضَعْفِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ أَوْ خُمُودِهَا، وَكَيْفَمَا كَانَ فَلَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ إِعْطَاءُ الْغِذَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُوعَ إِنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْأَعْضَاءِ لِلْغِذَاءِ لِتَخْلُفَ الطَّبِيعَةُ بِهِ عَلَيْهَا عِوَضَ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا، فَتَجْذِبُ الْأَعْضَاءَ الْقُصْوَى مِنَ الْأَعْضَاءِ الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْجَذْبُ إِلَى الْمَعِدَةِ ، فَيُحِسَّ الْإِنْسَانُ بِالْجَوْعِ ، فَيَطْلُبُ الْغِذَاءَ ، وَإِذَا وُجِدَ الْمَرَضُ اشْتَغَلَتِ الطَّبِيعَةُ بِمَادَّتِهِ وَإِنْضَاجِهَا وَإِخْرَاجِهَا عَنْ طَلَبِ الْغِذَاءِ أَوِ الشَّرَابِ ، فَإِذَا أُكْرِهَ الْمَرِيضُ عَلَى اسْتِعْمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، تَعَطَّلَتْ بِهِ الطَّبِيعَةُ عَنْ فِعْلِهَا ، وَاشْتَغَلَتْ بِهَضْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ عَنْ إِنْضَاجِ مَادَّةِ الْمَرَضِ وَدَفْعِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَرَرِ الْمَرِيضِ " انتهى.
ولقد أثبت الطب الحديث أن في الجسم مدخرات كبيرة يستفيد منها وقت الحرمان ، وأن معظم الأمراض يصحبها عدم رغبة المريض في الطعام , وإطعام المريض كرها في هذه الحالة يعود عليه بالضرر؛ لعدم قيام جهازه الهضمي بعمله كما يجب , مما يتبعه عسر الهضم مع سوء حالة المريض .
ويمكن مراجعة هذه المعلومات على هذا الرابط:
http://www.jameataleman.org/agas/tasher/tasher26.htm#_ftn7
وعلى ذلك فلا يجوز إكراه المريض على الطعام والشراب إلا إذا وصل لحالة يخشى عليه فيها الهلاك إن لم يتناول طعامه , فيجوز حينئذ إعطاؤه من الأغذية ما يتناسب مع مرضه وهذا أمر يقرره الأطباء المتخصصون .
وأما إكراه المريض على أخذ الدواء فالأصل أنه غير مستحب وبهذا صرح فقهاء الشافعية , فقال النووي في المجموع شرح المهذب (5 / 118) : " ويستحب أن لا يكره المريض على الدواء وغيره من الطعام " انتهى.
لكن إن خيف على المريض الهلاك إن لم يتناول الدواء فالذي يظهر – والعلم عند الله – أنه يجوز حينئذ إكراهه على ذلك , جاء في الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (2 / 78) : " قال في الروضة: ويكره إكراهه على تناول الدواء اهـ . الظاهر أن هذا إن لم يعلم أو يظن أن تركه يفضي إلى الهلاك كما قيل في أصل التداوي " انتهى.
وبناء على ما سبق من كلام الفقهاء – رحمهم الله – يظهر أن ما حدث منك من السماح للأطباء أو الممرضين بإعطاء الغذاء والدواء لوالدك – رحمه الله – قهرا , إنما كان بعد الخوف عليه من الهلاك أو تزايد المرض ، إذا لم يتناول العلاج ، أو التغذية ، وهذا لا حرج عليك فيه إن شاء الله ، وليس أيضا من العقوق ؛ بل هو من الإحسان إلى الوالد ؛ فلا تفتح على نفسك باب الوساوس والهموم لأجل ذلك .
مع التنبيه على أن من بِرِّك لوالدك بعد موته أن تكثر من الدعاء له بالرحمة وأن تكثر من الاستغفار له والصدقة عنه , فهذا مما ينتفع به الميت بإذن الله , كما بيناه في الفتوى رقم: (42384) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android