هل يجوز له الذهاب للعمرة وبينه وبين صاحبه هجر وخصام ؟
كان هناك اتفاق بيني وبين صديق لي على أن يقوم كل منّا بعمل محدد ، ففعلت الجزء المنوط بي ، ولم يفعل هو ما كان يُفترض أن يقوم به ، لذا فقد تشاجرنا وتخاصمنا ، وقد نصحه بعض الإخوة ممن عرفوا بالمشكلة بأن يقوم بما وعد به ، وما زلنا إلى هذه اللحظة متخاصمين ولا يكلم أحدنا الأخر ، وقد نويت الذهاب لأداء العمرة .
ف هل يجوز لي الذهاب لأداء العمرة قبل أن أحل الخلاف الذي بيني وبينه ؟ أي هل يجوز لي الذهاب وما زلنا في حالة الخصام هذه ؟
هل يجوز له الذهاب للعمرة وبينه وبين صاحبه هجر وخصام ؟
السؤال: 193666
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، وأفضلهما أسرعهما للصلح والمسامحة ؛ فروى الإمام أحمد (15824) عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ؛ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا ، وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا يَكُونُ سَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَةً لَهُ ، وَإِنْ سَلَّمَ فَلَمْ يَقْبَلْ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ ، وَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا أَبَدًا ) .
صححه الألباني في “صحيح الترغيب” (2759) .
ثانيا :
ما يحصل من الخلاف والشجار عادة بين الشركاء أو الأصحاب فحلّه لا يكون بالخصام والقطيعة ، وإنما يكون بتوسط أهل الخير والسعي في الإصلاح بينهما ، ورد الحقوق إلى أصحابها ، وقد قال الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء/ 114 .
فإذا تبين من أحدهما التعدي والظلم والإصرار عليه ، ولم يستطع صاحبه أن يسترد حقه منه : فصاحب الحق بالخيار بين أن يعفو عنه – والعفو أفضل – وبين أن يجعل ذلك مظلمة يخاصمه فيها يوم الدين .
ولكن لا تجوز القطيعة بينهما بحال فوق ثلاث .
وأقل الأحوال أن يسلم أحدهما على الآخر إذا التقيا ؛ لأن السلام يقطع الهجر ويرفع الإثم ، راجع إجابة السؤال رقم : (98636) .
ثالثا :
ينبغي عليك – وإن كنت مظلوما – أن تسعى في حل الخلاف الذي وقع بينك وبين صاحبك قبل ذهابك إلى العمرة ، وأن تطلبه في مجلس صلح لفض هذا النزاع والحكم فيه بشرع الله ، فإن وافق على ذلك ، وإلا فليس أقل من السلام بينكما .
قال علماء اللجنة :
” الواجب على المسلم إذا وقع بينه وبين أخيه شحناء : أن يذهب إليه ، ويسلم عليه ، ويتلطف له في إصلاح ذات بينهما ، فإن في ذلك- أجرا عظيما ، وسلامة من الإثم ”
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (26 /128) .
وروى مسلم (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) .
قال ابن عثيمين :
” أي : الرب عز وجل لا ينظر في عملك يوم الاثنين والخميس إذا كان بينك وبين أخيك شحناء ” انتهى من “الشرح الممتع” (5 /206) .
ولا شك أنك تريد أن تذهب إلى العمرة وتؤديها على وجهها المشروع ، وتسأل الله أن يتقبلها منك وأن يغفر لك ذنبك ، وهجرك أخاك وتركك مصالحته يمنع قبول العمل ، ويعطل سبيل المغفرة ، فالواجب عليك البدار إلى المصالحة قبل الذهاب إلى العمرة .
قال ابن عثيمين :
” يجب على الإنسان أن يبادر بإزالة الشحناء والعداوة والبغضاء بينه وبين إخوانه ، حتى وإن رأى في نفسه غضاضة وثقلا في طلب إزالة الشحناء فليصبر وليحتسب ؛ لأن العاقبة في ذلك حميدة ، والإنسان إذا رأى ما في العمل من الخير والأجر والثواب سهل عليه ، وكذلك إذا رأى الوعيد على تركه سهل عليه فعله ، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يذهب إلى الشخص ويقول: يجب أن نتصالح ونزيل ما بيننا من العداوة والبغضاء ، فبإمكانه أن يوسط رجلا ثقة يرضاه الطرفان ، ويذهب إليه ويقول : إني أجد بينك وبين فلان كذا وكذا ، فلو اصطلحتم وأزلتم ما بينكم من العداوة والبغضاء ؛ فيكون هذا حسناً جيداً ” .
انتهى من “شرح رياض الصالحين” (ص 1828) .
ونبشرك بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ) – أي : أفضلهما – رواه البخاري (6077) ومسلم (2560) ، وبقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ ) رواه أبو داود (5197) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
فاذهب إليه وسلم عليه تكن إن شاء الله أفضل منه وأولى بالله منه ، ثم اذهب إلى عمرتك واسأل الله أن يصلح ما بينكما ، وأن يرد إليك حقك .
فإن لم تفعل وبقيت على هجره ثم ذهبت للعمرة وأديتها ، فإن أديتها على الوجه المشروع فهي مجزئة صحيحة ، لكن يخشى عليك من فوات كثير من الخير ، أو المغفرة لأجل هجر المسلم ، والأمر كله لله ، فاجتهد أن تنال ما عنده بطاعته سبحانه .
راجع للفائدة والأهمية إجابة السؤال رقم : (65500) ، والسؤال رقم : (93888) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة