تنزيل
0 / 0

الجمع بين الأذكار الواردة ، والتنويع بينها بحسب المقام .

السؤال: 194733

منذ فترة قرأت مجموعة من الكتب عن فضل الاستغفار ، ثم قرأت مجموعة من الأحاديث عن "سبحان الله وبحمده" ، وأنها صلاة الخلق ، وبها يرزق الخلق ، وأنها أحب الكلام إلى الله ، وقرأت أن العبد يحرم الرزق بالذنب ، والاستغفار يمحو الذنوب ، ولذلك : فهو من أسباب الرّزق، فأيهما أفضل الإكثار من الاستغفار أم سبحان الله وبحمده ؟ إذا كانت سبحان الله وبحمده أيضا من أسباب غفران الذنوب .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
فضل الذكر وشرفه معلوم بالاضطرار من دين الإسلام ، وكفى لفضيلة الذكر شرفا أن الله تعالى يذكر من عباده من يذكره ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه "الوابل الصيب من الكلم الطيب" أن للذكر أكثر من مائة فائدة ، ثم عدّد كثيرا من تلك الفوائد وتكلم عليها .
ثانيا :
المشروع في الأذكار أن يجمع الذاكر بينها ، وألا ينشغل بذكر عن غيره ، إنما ينشغل بجميع الأذكار ، حتى يصيب من فضل كل ذكر ما يمنّ الله به عليه من أجره وثوابه ، قال النووي رحمه الله :
" ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرّة واحدة ، ليكون من أهله ، ولا ينبغي أن يتركه مطلقاً ، بل يأتي بما تيسر منه " .
انتهى من "الأذكار" (ص: 8) .
ثالثا :
ثبت أن " سبحان الله وبحمده " صلاة كل شيء ، وبها يرزق الخلق ؛ فروى الإمام أحمد (6583) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ : إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ : آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكَ عَنْ اثْنَتَيْنِ : آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ … ) وصححه الألباني في "الصحيحة" (134) .
كما ثبت أن هذا الذكر أحب الكلام إلى الله ؛ فروى مسلم (2731) عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ ) قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ ، فَقَالَ : ( إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ) .

وقول الأخ السائل : " العبد يحرم الرزق بالذنب والاستغفار يمحو الذنوب ولذلك فهو من أسباب الرّزق " : قول صحيح ، من حيث المعنى ، على جهة الإجمال ؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قال الله تعالى : ( وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) ، وقال تعالى عن هود : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب وإذا محيت الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب ومن كل هم " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (3/299) – ترقيم الشاملة .

وأما حديث : ( وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) فقد رواه ابن ماجة (4022) ، وضعفه الألباني في " ضعيف ابن ماجة " .

رابعا :
روى البخاري (6405) ومسلم (2691) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ) .

فثبت أن هذا الذكر يكفر الذنوب ، ولكنه لا يقوم مقام الاستغفار ، والاستغفار في مقام التوبة وطلب المغفرة والعفو من الله : أفضل من هذا التسبيح ؛ لأن العبد في الاستغفار يستحضر الذنب ، ويستحضر الخوف من الله ، وحسن الظن به والرجاء في عفوه ، فلا يغني هذا التسبيح عن الاستغفار ؛ ولذلك روى مسلم (484) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ " قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ ( خَبَّرَنِي رَبِّى أَنِّى سَأَرَى عَلاَمَةً فِي أُمَّتِى فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ) فَتْحُ مَكَّةَ ( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) .
فجمع بين " سبحان الله وبحمده " وبين الاستغفار ، فدل على أن التسبيح لا يغني عن الاستغفار ، ولا الاستغفار يغني عن التسبيح ؛ بل كلاهما مطلوب من العبد ، ثم قد يتفاضل بعضهما على الآخر ، في حال دون حال .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس ، وفرقان بين فضيلة الشيء في نفسه ، وبين فضيلته العارضة ، فيعطي كل ذي حق حقه ، ويوضع كل شيء موضعَه ؛ فللعين موضع ، وللرجل موضع ، وللماء موضع ، وللحم موضع !!
وحفظ المراتب هو من تمام الحكمة التي هي نظام الأمر والنهي ، والله تعالى الموفق.
وهكذا الصابون والأُشْنان أنفع للثوب في وقت ، والتجمير [ التطييب ] وماء الورد أنفع له في وقت .
وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يوماً : سُئل بعض أهل العلم : أيهما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار؟
فقال: إذا كان الثوب نقياً : فالبخور وماء الورد أنفع له ، وإذا كان دنساً فالصابون والماء الحار أنفع له !!
فقال لي رحمه الله تعالى : فكيف والثياب لا تزال دنسة ؟ " .
انتهى من "الوابل الصيب" (232-233) .
يعني ، والله أعلم : أن العبد لا يستغني عن الاستغفار في حال من أحواله .
ثم هو أيضا : لا يستغني عن التسبيح والتحميد ، على ما مر ذكره ، والجمع بينها ، ثم اختيار ما يقتضيه الحال في بعض الأوقات : هذا باب فقه العبودية ، والقيام بمراتب الأعمال .
راجع لمعرفة فضل الاستغفار إجابة السؤال رقم : (104919) .
ولمعرفة صيغ الاستغفار راجع إجابة السؤال رقم : (39775) .
ولمعرفة معنى " سبحان الله وبحمده " راجع إجابة السؤال رقم : (104047) .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android