والدتي لم تصل ١٤ يوم ، وذلك بسبب مرضها النفسي ، وهي تحاول ، ولكن تلخبط السجود والركوع ، وحينما تكبر يأتيها نعاس وخمول ، ثم تغفو ، فإذا استيقظت لم تعلم هل صلت أم لا ، والحمد لله هي الآن بأتم صحة وعافية ؛ فهل تقضي صلاتها أم ماذا تفعل ؟
من أصيب بمرض نفسي منعه من الضبط والتمييز هل يجب عليه قضاء الصلاة بعد العافية
السؤال: 195078
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من أصيب بمرض نفسي فله حالتان:
الحالة الأولى : أن يؤدي مرضه إلى خلل في عقله يمنعه من التمييز , فهذا لا تجب عليه الصلاة ؛ قياسا على من أصيب بجنون أو خرف أو عته ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) رواه أبو داود (4403) والترمذي (1423) والنسائي (3432) وابن ماجه (2041) .
قَالَ أَبُو دَاوُد : رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِيهِ : ( وَالْخَرِفِ )، والحديث صححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
والخرف هو فساد العقل بسبب كبر السن ، وقد ذكر في “عون المعبود” ضعف هذه الرواية التي فيها ذكر ” الخرف ” من حيث الإسناد ، إلا أنه ذكر عن السبكي ما يفيد أن معناها صحيح ، قَالَ السُّبْكِيّ : الخرف زَائِد عَلَى الثَّلَاثَة ، وَهَذَا صَحِيح ، وَالْمُرَاد بِهِ الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي زَالَ عَقْله مِنْ كِبَر ؛ فَإِنَّ الشَّيْخ الْكَبِير قَدْ يَعْرِض لَهُ اِخْتِلاط عَقْل يَمْنَعهُ مِنْ التَّمْيِيز ، وَيُخْرِجهُ عَنْ أَهْلِيَّة التَّكْلِيف ، وَلا يُسَمَّى جُنُونًا ; لأَنَّ الْجُنُون يَقْبَل الْعِلاج ، وَالْخَرَف بِخِلافِ ذَلِكَ , وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيث : ( حَتَّى يَعْقِل ) لأَنَّ الْغَالِب أَنَّهُ لا يَبْرَأ مِنْهُ إِلَى الْمَوْت , وَلَوْ بَرِئَ فِي بَعْض الأَوْقَات بِرُجُوعِ عَقْله تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيف ” انتهى باختصار من ” عون المعبود وحاشية ابن القيم “(12 / 52).
وقد ذكر الأصوليون أن من أصيب بالعته ، فلا تجب عليه العبادات , جاء في ” تيسير التحرير ” (2 / 263):
” العته هو اختلال العقل بحيث يختلط كلامه فيشبه مرة كلام المجانين ومرة كلام العقلاء , والمعتوه لا تجب عليه العبادات ولا العقوبات كما لا تجب على الصبي العاقل ؛ لتمكن الخلل في العقل فيهما ” انتهى باختصار.
الحالة الثانية : ألا يصل الأمر إلى حد اختلال العقل ، وإنما يقتصر على مجرد الاكتئاب والضيق ونحوهما فهذا مكلف تجب عليه كل العبادات كما تجب على الصحيح .
ومثل هذا أيضا : إذا كان يجن أحيانا ، ويفيق أحيانا أخرى : فإنه يجب عليه أن يصلي في وقت إفاقته : صلاة الوقت ، ويقضي فيه ما فاته في وقت إغمائه ، أو غياب عقله .
فإن كانت الوالدة – أتم الله لها العافية والشفاء – قد أدى مرضها النفسي ـ وقت معاناتها منه ـ إلى خلل في العقل , أدى بها إلى عدم ضبط الأمور , وعليه فلا يجب عليها قضاء ما فاتها من صلوات أيام مرضها, فقد نص أهل العلم على أن من أصيب بمثل هذه الحالة وطالت فترة مرضه فلا يجب عليه قضاء الصلوات .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله ” من أصيب بحادث حتى غاب عنه شعوره : فهو من جنس المجنون والمعتوه ، فلا قضاء عليه ، فإذا طالت المدة حتى صارت كثيرة فإنه أشبه بالمجنون والمعتوه فلا قضاء عليه ، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء ، أما إن كانت الغيبة يومين أو ثلاثة ، فهو أشبه بالنائم والمغمى عليه فيقضي كما يروى عن بعض الصحابة أنهم أغمي عليهم لمدة يسيرة كاليوم واليومين فقضوا ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” (2/719) .
ولو احتاطت : فقضت ما فاتها من هذه الأيام ، على ما يتيسر لها ، يوما بعد يوم : كان خيرا ، إن شاء الله .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب