0 / 0

بماذا يجيب القائلون بالتثنية في قيام الليل عن حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ؟

السؤال: 195355

هل تجوز أداء صلاة الليل أربع ركعات بسلام واحد ؟ فقد سمعت أن أحد الصحابة كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم العشاء الآخرة نفلاً له . وإذا كان ذلك لا يجوز .فما تأويل هذا الحديث الذي وردت فيه قصة هذا الصحابي ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
اختلف الفقهاء في صفة قيام الليل – من حيث صفتها العددية – وذلك على قولين :
القول الأول :
يستحب في قيام الليل أن يسلم من أربع ركعات ، وليس من ركعتين ، ولو صلاها ركعتين كانت صحيحة ولا شيء عليه ، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
يقول الإمام السرخسي رحمه الله :
" التطوع بالليل ركعتان ركعتان ، أو أربع أربع ، أو ست ست ، أو ثمان ثمان ، أي ذلك شئت ؛ لما روي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل خمس ركعات ، سبع ركعات ، تسع ركعات ، إحدى عشرة ركعة ، ثلاث عشرة ركعة ).
والأربع أحب ، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى .
ولنا : ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سئلت عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليالي رمضان ، فقالت : ( كان قيامه في رمضان وغيره سواء ، كان يصلي بعد العشاء أربع ركعات ، لا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم أربعا لا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم كان يوتر بثلاث ) .
ولأن في الأربع بتسليمة معنى الوصل والتتابع في العبادة ، فهو أفضل .
والتطوع نظير الفرائض ، والفرض في صلاة الليل العشاء ، وهي أربع بتسليمة ، فكذلك النفل ". انتهى من " المبسوط " (1/158) .
القول الثاني :
يجب أن تكون صلاة الليل مثنى مثنى ، بحيث يسلم من كل ركعتين . وهو قول الحنابلة ، فإن زاد عن الركعتين بطلت صلاته .
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" صلاة التطوع مثنى مثنى ، يعني يسلم من كل ركعتين ، والتطوع قسمان ؛ تطوع ليل ، وتطوع نهار ، فأما تطوع الليل فلا يجوز إلا مثنى مثنى ، هذا قول أكثر أهل العلم ، وبه قال أبو يوسف ، ومحمد . وقال أبو حنيفة : إن شئت ركعتين ، وإن شئت أربعا ، وإن شئت ستا ، وإن شئت ثمانيا .
ولنا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صلاة الليل مثنى مثنى ) متفق عليه ، وعن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مفتاح الصلاة الطهور ، وبين كل ركعتين تسليمة ) رواه الأثرم " انتهى من " المغني " (2/91) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا كانت صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ، فما الحكم لو قام الإنسان إلى ثالثة .
الجواب : صلاته تبطل إذا تعمَّد ؛ لأنه إذا تعمَّد الزِّيادة على اثنتين ، فقد خالف أمْر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدَّال على أن صلاة الليل مثنى مثنى ، وإذا خالف أَمْرَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم : ( مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أَمْرُنَا فهو رَدٌّ )، ولهذا قال الإمام أحمد : إذا قام إلى ثالثة في صلاة الليل ، فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر ، ومن المعلوم أنه إذا قام إلى ثالثة في صلاة الفجر متعمِّداً بطلت صلاته بالإجماع ، فكذلك إذا قام إلى ثالثة في التطوُّع في صلاة الليل ، فإنَّ صلاته تبطل إنْ كان متعمِّداً " .
انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (4/ 77) .
القول الثالث :
يستحب أن تكون صلاة الليل مثنى مثنى ولا يجب ، فلو سلم من أربع فصلاته صحيحة ولا حرج عليه ، ولكنه خالف المستحب . وهو مذهب المالكية والشافعية على اختلاف يسير بينهما .
يقول النفراوي المالكي رحمه الله :
" يكون تنفله مثنى مثنى ، أي ركعتين ركعتين ، ويكره أن يصلي أربعا من غير فصل بسلام " انتهى من " الفواكه الدواني " (1/201) .
ويقول الإمام النووي رحمه الله :
" الأفضل أن يسلم من كل ركعتين ، وسواء نوافل الليل والنهار ، يستحب أن يسلم من كل ركعتين ، فلو جمع ركعات بتسليمة ، أو تطوع بركعة واحدة ، جاز عندنا " .
انتهى من " شرح مسلم " (6/30) .
وقال الإمام الرملي الشافعي رحمه الله :
" الأفضل للمتنفل ليلا ونهارا أن يسلم من كل ركعتين ، بأن ينويهما ابتداء ، أو يقتصر عليهما في حالة الإطلاق ؛ لخبر : ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ) والمراد بذلك أن يسلم من كل ركعتين ؛ لأنه لا يقال في الظهر مثلا مثنى . أما التنفل بالأوتار فغير مستحب " انتهى من " نهاية المحتاج " (2/130) وعلق الشبراملسي في الحاشية على قوله " فغير مستحب " فقال : " أي : ولا مكروه ؛ ولو بواحدة " انتهى باختصار.
وينظر جواب السؤال رقم : (45268).
ثانيا :
أما الصحابي الذي كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم يذهب بعد ذلك إلى قومه ، فيصلي بهم العشاء ، فهو معاذ بن جبل رضي الله عنه ، فقد روى البخاري (6106) ، ومسلم (465) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ ، فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ " .
ولا يظهر أن حديث معاذ من هذا الباب : باب التطوع بالنفل المطلق ، سواء كان ذلك في الليل ، أو في النهار ؛ وإنما هو في باب آخر : باب التطوع بـ"إعادة صلاة الفريضة" ، مرة أخرى ، لأجل تحصيل فضيلة شرعية ؛ إما لحضور الجماعة ، وهو صلى منفردا ، أو لأجل الصدقة على المنفرد ، لتكون له جماعة ، كما في حديث أبي داود (574) من حديث أبي سعيد الخدري : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده ، فقال : ( أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا ، فَيُصَلِّيَ مَعَهُ )، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح سنن أبي داود".
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى فَرْضُهُ وَالثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ (لَهُ) وَتَدُلُّ أَيْضًا (على) إعادة الصلاة مَعَ الْإِمَامِ أَنَّهُ أَمْرٌ عَامٌّ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا تَعْيِينٍ.." انتهى من "التمهيد" (4/257) .
وبوب مجد الدين ابن تيمية في "المنتقى" على هذا الحديث ، وما يشبهه : " بَابُ الرُّخْصَةِ فِي إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي كُلِّ وَقْتٍ" .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى ، لِأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إنَّمَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ فَلَا يُعِيدُ فِي أُخْرَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ ، وَلَوْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى لَأَعَادَ فِي ثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ " انتهى من "نيل الأوطار" (3/112) .
وينظر : "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27/173-175) .
ولعله لأجل خروج حديث معاذ عن هذا الباب ، والله أعلم ، لم نقف على من احتج به من أهل العلم على مذهبه في جواز الزيادة في التنفل على ركعتين ، ولم نجد كذلك جوابا عنه لمن منع ذلك ، ولم يرخص في الزيادة على ركعتين في النفل ، على ما ذكرناه من الخلاف .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android