0 / 0
47,92222/05/2013

من سب عموم الرجال فلكل منهم مظلمة عليه بقدر سبه .

السؤال: 195760

لي صديقة تسب الرجال عموما؛ فمثلا تقول : كل الرجال زبالة ، كل الرجال … وغيرها من الألفاظ الغير جيدة . فقلت لها : لا يجوز ذلك ؛ ستأخذين ذنب كل رجل سبيتيه بغير وجه حق . قالت : اذكري لي الفتوى أني أتحمل ذنب هؤلاء الرجال ؟ فقلت لها : ذلك من باب أن المسلم لا يسب ولا يلعن ؛ وأيضا الشيخ محمد الشنقيطي قال : إنه لا يجوز أن نسب أو نسخر من قبيلة ، أو دولة ، أو ما شابهها ، لأنه سيأتي يوم القيامة ويحاجك كل شخص من أفراد هذه القبيلة أمام الله .

فهل أنا على صواب فيما أفتيتها به ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ينبغي للمسلم ألا يصاحب إلا التقيّ صاحب الدين والخلق ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) رواه الترمذي (2395) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
ولما رواه أبو داود (4833) عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) .
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" وغيره .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وهذا معناه – والله أعلم – أن المرء يعتاد ما يراه من أفعال من صحبه ، والدين العادة ، فلهذا أمر ألا يصحب إلا من يرى منه ما يحل ويجمل فإن الخير عادة .
والمعنى في ذلك : ألا يخالط الإنسان من يحمله على غير ما يحمد من الأفعال والمذاهب ، وأما من يؤمن منه ذلك فلا حرج في صحبته " انتهى من " بهجة المجالس " ( 2 / 751 ) .

ثانيا :
يحرم سب المسلم بغير وجه حق ، ونص غير واحد من أهل العلم على أنه من كبائر الذنوب ؛ وذلك لما رواه البخاري (48) ومسلم (64) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) .
قال الحافظ رحمه الله :
فِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْفِسْقِ " .
انتهى من" فتح الباري" (1/ 112) .
وروى البخاري (6045) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ ) .
وروى الترمذي (1977) وحسنه عن ابن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ ، وَلَا اللَّعَّانِ ، وَلَا الفَاحِشِ ، وَلَا البَذِيءِ ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وروى أحمد (9675) وابن حبان (5764) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ( هِيَ فِي النَّارِ ) ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ : ( هِيَ فِي الْجَنَّةِ ) وصححه الألباني في " الصحيحة " (190) .

قال النووي رحمه الله :
" سَبُّ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ ، وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من "شرح مسلم" (2/ 54) .

وقال أبو الحسن الماوردي رحمه الله :
" مَا قَدَحَ فِي الْأَعْرَاضِ مِنْ الْكَلَامِ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا: مَا قَدَحَ فِي عِرْضِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ إلَى غَيْرِهِ ، وَذَلِكَ شَيْئَانِ : الْكَذِبُ وَفُحْشُ الْقَوْلِ ، وَالثَّانِي : مَا تَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالسِّعَايَةُ وَالسَّبُّ بِقَذْفٍ أَوْ شَتْمٍ. وَرُبَّمَا كَانَ السَّبُّ أَنْكَاهَا لِلْقُلُوبِ وَأَبْلَغَهَا أَثَرًا فِي النُّفُوسِ ، وَلِذَلِكَ زَجَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْحَدِّ تَغْلِيظًا ، وَبِالتَّفْسِيقِ تَشْدِيدًا وَتَصْعِيبًا. وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدِ شَيْئَيْنِ : إمَّا انْتِقَامٌ يَصْدُرُ عَنْ سَفَهٍ ، أَوْ بَذَاءٌ يَحْدُثُ عَنْ لُؤْمٍ " انتهى من "أدب الدنيا والدين" (ص: 323-324) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (24/ 141):
" سَبُّ الْمُسْلِمِ مَعْصِيَةٌ ، وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ، وَإِذَا سَبَّ الْمُسْلِمَ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ، وَحَكَى بَعْضُهُمُ الاِتِّفَاقَ عَلَيْهِ " انتهى .
ثالثا :
من سب عموم الناس ، أو سب عموم الرجال ، أو سب عموم النساء ، فقد تعرض لاحتمال إثم كل رجل ، أو كل من هجاه أو سبه بغير حق ، وقد تعلقت حقوق هؤلاء جميعا بذمته ، وإذا كان الشرع قد حذر ورهب من تعلق حق مسلم واحد ؛ فكيف بمن يتعرض لحق قبيلة ؛ فكيف بمن تتعلق بذمتها حق الرجال جميعا ؟!

روى ابن ماجة (3761) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِرْيَةً لَرَجُلٌ هَاجَى رَجُلًا ، فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا ، وَرَجُلٌ انْتَفَى مِنْ أَبِيهِ وَزَنَّى أُمَّهُ ) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجة " .
فهذه المرأة التي تسب كل الرجال تعرض لإثم كل رجل لم يكن أهلا لما سبت به الرجال ؛ فهل نسيت أن فيهم الصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، والأئمة ، والهداة ، وأهل الدين ، فضلا عن الأنبياء ، وأصحابهم ؟!
فهل تسب كل هؤلاء عن عمد ؟ وهل تقوى على خصومة هؤلاء جميعا ؟!
وقد قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/ 58 .

فالواجب نصح هذه المرأة ، وتحذيرها وترهيبها مما هي عليه من بذاءة اللسان واستطالتها في أعراض المسلمين ، وقد روى أبو داود (4876) عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : ( إنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال في عون المعبود :
" ( إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا ) : أَيْ أَكْثَره وَبَالًا وَأَشَدّه تَحْرِيمًا ( الِاسْتِطَالَة ) : أَيْ إِطَالَة اللِّسَان ( فِي عِرْض الْمُسْلِم ) : أَيْ اِحْتِقَاره وَالتَّرَفُّع عَلَيْهِ , وَالْوَقِيعَة فِيهِ بِنَحْوِ قَذْف أَوْ سَبٍّ , وَإِنَّمَا يَكُون هَذَا أَشَدَّهَا تَحْرِيمًا لِأَنَّ الْعِرْض أَعَزُّ عَلَى النَّفْس مِنْ الْمَال " انتهى

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (175618) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android