أنا مسلمة معتنقة للإسلام منذ ست سنوات ، وقررت ترك مسقط رأسي والرحيل لبلد مسلم ، حيث إن الأمر مستحيل طبقا لمعتقداتي أن أعيش وأعمل في البلد الذي ولدت فيه ، أنا متزوجة والحمد لله ، ونسافر أنا وزوجي لأسرتي ، ونجلس عندهم وقتا محددا ، أمي امرأة كاثوليكية ، وتعلق الصلبان في غرف النوم ، وعادة نضع أنا وزوجي الصلبان في الأدراج عندما ننام هناك ، ونعيدها مكانها عندما نترك المكان ، نحن لا نعرف حقا الحكم الشرعى ، ولكن زوجي يشعر بعدم الارتياح في الصلاة في حجرة معلق بها صليب على جدارها ، وسمعت أن المسلم يمكن أن يصلي في أي مكان حتى ولو في الكنيسة إذا لم يكن هناك خيار آخر ، فأريد أن أعرف الحكم في الأمر المذكور أعلاه ، وتكمن المشكلة في أمي ، حيث تتضايق عندما أرفع الصليب من على الحائط ، ولم أنجح في توصيل الأمر لها بشكل صحيح ، حيث قالت لي : لو أنها جاءت منزلي وجلست في إحدى غرف النوم المعلق على جدرانها آيات من القرآن ، سوف لا تمسها ولا تزيلها ؛ لأن هذا منزلي وليس منزلها ، لذلك هي تشعر بالإساءة من إشاراتنا .
أشكرك على توضيح الحكم .
أسلمت وتسأل عن الصلاة في بيت والدتها وفيه صلبان
السؤال: 195914
ملخص الجواب
والخلاصة : أنه لا يظهر لنا حرج ، إن شاء الله ، في صلاتك أنت وزوجك في منزل الوالدة ، رغم ما فيه من الصلبان والصور، ولا يلزم أن تنزلي الصور والصلبان من أماكنها ، بل يكفي أن تستري ذلك أثناء صلاتك في الغرفة التي يوجد فيها . فإن شق ذلك ، أو لم تقبل به الوالدة أيضا : فصلوا في المكان ، ولو من غير ستره ، لكن تحروا ألا يكون الصليب أو الصورة في قبلتكم . واستمري في الإحسان إليها ورعايتها لعل الله يدخل النور إلى قلبها على يدك . كما نوصيك بالاستزادة من تعلم أحكام الإسلام ، واستمرار الاطلاع على محاسن هذا الدين العظيم ، كي تتمكني من الثبات في وجه حملات التحريف والتشويه التي نراها ونسمعها هذه الأيام . والله أعلم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
بداية فإن كلماتك اليسيرة في سؤالك كافية لتأمل القارئ فيها طويلا ، يأخذ العظة والعبرة من أناس قويت عزائمهم ، وارتقت همتهم ، حتى اتخذوا قرارهم المصيري في الانتقال إلى دين الأنبياء جميعا ، دين التوحيد والأخلاق والسلام ، وذلك رغم جميع الصعوبات والمعوقات ، وبعد كثير من الآلام والتضحيات ، كما ضحى المؤمنون الأوائل مع النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل نشر نور الهداية إلى العالمين . وكما ضحى الحواريون مع نبي الله عيسى في سبيل نشر ديانة التوحيد أيضا . فنسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر والمثوبة ، وأن يثبتك على محبته وطاعته .
وأما بيان الحكم الشرعي فيما سبق فنقول لك :
نعم ، الصلاة في مكان فيه صلبان أو تصاوير لذوات أرواح ( مرسومة باليد أو منحوتة ) في أقل أحوالها : أنها مكروهة ؛ لما في الصلاة عندها من مشابهة لعباد الصليب في كنائسهم ، ولما قد تشغل المصلي بالنظر إليها فيتلهى بها عن صلاته ، وقياسا على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : ( لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلاَّ نَقَضَهُ ) رواه البخاري (5952) ، وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في مكان فيه تصاوير ، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ” كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : ( أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا ، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي ) رواه البخاري (374). فمن باب أولى أن تكره الصلاة في مكان فيه صليب .
وقد جمع الإمام البخاري رحمه الله ، حكم الأمرين : التصاليب ، والتصاوير ، في ترجمة واحدة ، وأشار إلى النهي عن الصلاة في مكان فيه شيء من ذلك ، قال :
” بَابُ إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ، هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ؟” انتهى .
ثم ذكر فيه حديث عائشة السابق .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” جَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي تَرْكِ الْجَزْمِ فِيمَا فِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَهَذَا مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ؛ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَمْ لَا ؟ وَالْجُمْهُورُ : إِنْ كَانَ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ اقْتَضَاهُ ، وَإِلَّا فَلَا …
وَظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ لَا يُوَفِّي بِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ التَّرْجَمَةُ إِلَّا بَعْدَ التَّأَمُّلِ ، لِأَنَّ السِّتْرَ وَإِنْ كَانَ ذَا تَصَاوِيرٍ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ مُصَلَّبًا ، وَلَا نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ صَرِيحًا ؟
وَالْجَوَابُ : أَمَّا أَوَّلًا : فَإِنَّ مَنْعَ لُبْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَأَمَّا ثَانِيًا : فَبِإِلْحَاقِ الْمُصَلَّبِ بِالْمُصَوَّرِ ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا ثَالِثًا : فَالْأَمْرُ بِالْإِزَالَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ .
ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ( مُصَلَّبٌ ) : الْإِشَارَةَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ ، كَعَادَتِهِ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ فِي اللِّبَاسِ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : ( لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصْلِيبٌ إِلَّا نَقَضَهُ ) ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ : ( سِتْرًا أَوْ ثَوْبًا ) ” انتهى من “فتح الباري” (1/484) .
وقال الإمام النووي رحمه الله :
” أما الثوب الذي فيه صور أو صليب أو ما يلهي : فتكره الصلاة فيه ، وإليه ، وعليه ” .
انتهى من ” المجموع ” (3/ 185).
وينظر : ” نهاية المحتاج ” ، وحاشيته (2/ 14) ، و”فتح القدير” لابن الهمام ، من كتب الحنفية (1/415) .
وقد سبق تقرير ذلك في الموقع في الفتوى رقم : (194491) ، (161211) ، (161222) ، (130263) .
ورغم ذلك كله ، فإننا نقول في مثل حالتك : إذا وجدت حرجا مع والدتك ، وخشيت أن يتفاقم الأمر بينكما لأجل إزالة الصليب ، فاكتفي بتغطيته حال الصلاة بثوب ، فقد قال كثير من الفقهاء بأن الصور والصلبان المستورة تحت الثياب لا تأثير لها على كراهة الصلاة . كما يقول ابن نجيم الحنفي رحمه الله : ” لو كان فوق الثوب الذي فيه صورة ، ثوبٌ ساترٌ له : فإنه لا يكره أن يصلي فيه ؛ لاستتارها بالثوب الآخر ” انتهى من ” البحر الرائق ” (2/29) .
فإن وجدتِ حرجا أيضا مع والدتك في هذا الأمر ، فلا حرج عليك في الصلاة في مكان فيه صليب ، خاصة إذا كنت تطمعين بالإحسان إليها واستمرار المحبة بينكما : أن يلين قلبها لك ، ولدينك ، ومن يدري لعل الله أن يشرح صدرها للإيمان .
وإنما قلنا ذلك لأسباب عدة :
أولا :
أن حال الحاجة تبيح فعل المكروه ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ في شأن ما ينهى عنه المحرم من اللباس ـ : ” إنْ كَانَ مَكْرُوهًا؛ فَعِنْدَ الْحَاجَةِ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (21/203) .
ثم إن هذا الفعل ، ونحوه ، لا يبقى مكروها في حق من فعله لأجل هذا العارض.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” المكروه تبيحه الحاجة ؛ لأن درجة المكروه دون درجة المحرم ، المحرم منهي عنه على سبيل الإلزام بالترك ، ويستحق فاعله العقوبة ، والمكروه منهي عنه على سبيل الأولوية ، ولا يستحق فاعله العقوبة ؛ ولهذا يباح عند الحاجة … ؛ إذا احتاج إليه : ارتفعت الكراهة إطلاقا ، وصار يتناول هذا الشيء على وجه المباح ” .
انتهى باختصار من “شرح منظومة أصول الفقه وقواعده” (62-63) .
ثانيا :
ذهب بعض أهل العلم إلى جواز الصلاة في الكنيسة ، ولو وجدت فيها الصور والصلبان ، ولا شك أن شأن الغرفة في منزل والدتك أقل شأنا من الكنيسة ، فالبيوت لا يكون فيها عادة ، ما يكون في الكنائس من الصلبان وشعائر الكفر ، وليست مختصة بشعائر الكفار وعباداتهم ، فالرخصة فيها أوسع .
قال ابن قدامة رحمه الله :
” لا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة ، رخص فيها الحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، والشعبي ، والأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، وروي أيضا عن عمر ، وأبي موسى .
وكره ابن عباس ومالك الكنائس ؛ من أجل الصور .
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وفيها صور . ثم هي داخلة في قوله عليه السلام : ( فأينما أدركتك الصلاة فصل ، فإنه مسجد ) ” انتهى من ” المغني ” (2/57).
ويقول أيضا رحمه الله :
” وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة : أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ، ليدخلها المسلمون للمبيت بها ، والمارة بدوابهم . وروى “ابن عائد” في “فتوح الشام” أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاما ، فدعوه ، فقال : أين هو ؟ قالوا : في الكنيسة . فأبى أن يذهب وقال لعلي : امض بالناس فليتغدوا . فذهب علي رضي الله عنه بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو المسلمون ، وجعل علي ينظر إلى الصور وقال : ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل ” انتهى .
ثم علق ابن قدامة قائلا : ” وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصورة ” انتهى من ” المغني ” (8/113)، وانظر : “الإنصاف” للمرداوي (1/496) ، “المحلى” لابن حزم (1/400)
وللتوسع تنظر الفتوى رقم : (147007).
ثالثا :
إن إزاحتكم الصليب أو إزالته تصرف في مال الآخرين بغير إذن ، وإزالة للمنكر باليد رغما عن مالك الصليب ، وهي الوالدة ، ومثل هذا التصرف ينبغي أن يناط بالمصلحة ، ونحن لا نرى مصلحة من ذلك ، بل المفسدة غالبة ، أو متحققة بغضب الوالدة ، وكرهها لهذا التصرف ، وعدها له اعتداء على مقدساتها الدينية ، وتصرفا غير لائق منكم في منزلها بما ينافي آداب الزياة التي علمنا إياها الشرع الحنيف .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم – وهو في مكة قبل أن يهاجر إلى المدينة – يصلي عند الكعبة وحولها مئات الأصنام التي يعبدها كفار قريش ، ولم يقم بكسر أي منها أو إزاحتها عن أماكنها ؛ إذ إن الأمر لم يكن في يده ، والبيت الحرام ليس تحت سلطانه ، فلم يشرع لنا التغيير باليد في مثل هذه الحالات ؛ لما فيه من مفسدة تربو على المصلحة .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة