تنزيل
0 / 0

ماذا يصنع مع عمه الذي غصبه بيته الذي ورثه عن أبيه ، وهو لا يقدر عليه ؟

السؤال: 197651

كان أبي يمتلك بيتا غالي الثمن في باكستان ، مات أبي من حوالي عشر سنوات وكنت وقتها في العاشرة من عمري ، واعتنت بي أمي وحدها ، تدهورت حالتنا المادية بسبب احتياجاتي التعليمية المتزايدة ، ومع هذا فقد أخذ عمي البيت بطريقة غير قانونية ، ويعيش فيه منذ أن مات والدي ، وكلما طالبت والدتي من عمي البيت أن يعيده لنا ، هددها عمي بالإهانة والتدمير ، ومنذ أن انتقلت إلى كندا بعد وفاة أبي لم يعد لي إحاطة بالقوانين والسلطات في باكستان ، ومنذ أن بدأت باكستان في حكم نفسها وليس لها من القوة الشرطية ، بل هي فقيرة في هذا المجال وبل في أجهزة الدعم الأخرى ، وأيضاً لأن عمي شخص خطير ، أخشى مما قد يفعله لو ذهبت إلى هناك لاستعادة أملاكي .

سؤالي هو :
في مثل هذه الظروف الخطيرة ، هل ما زال يجب علي الحصول على ممتلكاتي التي ورثتها عن أبي ؟ ولو كانت الإجابة بنعم ، هل لديكم اقتراحات في كيفية حدوث هذا الأمر أيضاً ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ما فعله عمك من هذا العدوان – إن كان ما تقول حقا – من كبائر الذنوب الموبقة ، فالواجب أن يؤول الإرث بعد موت المورث إلى الورثة الشرعيين بغير ظلم ولا عدوان ، وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر قسمة المواريث في كتابه وأعطى كل ذي حق حقه : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/13، 14 .
” أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها ” انتهى من ” تفسير السعدي” (ص 170) .
وليس لعمك حق في الميراث أصلا ؛ لأنه محجوب بك ، فالإخوة والأخوات لا يرثون شيئاً مع وجود ابن للميت .

ولا شك أن الحق في المنزل لكم ، ومن حقكم أن تسعوا في الحصول عليه ، بكل ما تقدرون عليه من قوة .

لكن إن كان الحال كما ذكرت ، من ضعف سلطان الحكومة في مثل هذه الأحوال ، وقلة الناصر والمعين لكم ، وغلبة الظن بشر عمكم ، وأنه لن يسمح لكم ببيتكم ، إلا بأذى بالغ ، أو ضرر في أنفسكم ، أو أعراضكم ، أو نحو ذلك : فلا يلزمك السعي في استرداده ، والحال كما ذكر ؛ بل اصبروا ؛ فلعل الله أن يجعل لكم فرجا ومخرجا ، أو يهيأ لكم سلطانا لخروجه ، بحوله وطوله ، ولا تعرضوا أنفسكم لبلاء لا تطيقونه ، لكن وكلوا من المحامين الثقات ، من يسعى إلى استنقاذ لك بطرق قانونية ؛ فإن لم يمكنكم ، وتركتم حقكم ، خوفا من الضرر الزائد بكم ، فلا حرج عليكم ، ولا يلزمكم السعي في استرداده أصلا .

وقد روى الإمام مسلم في صحيحه (201) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ ، قَالَ : ( فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ !! ) ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : ( قَاتِلْهُ !! ) ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : ( فَأَنْتَ شَهِيدٌ !! ) ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ : (هُوَ فِي النَّارِ ) ” .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وَهَذَا الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ ” الصَّائِلَ ” وَهُوَ الظَّالِمُ بِلَا تَأْوِيلٍ وَلَا وِلَايَةٍ ، فَإِذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ المال جاز دفعه بِمَا يُمْكِنُ ، فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقِتَالِ قُوتِلَ، وَإِنْ تَرَكَ الْقِتَالَ وَأَعْطَاهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ جَازَ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَطْلُوبُهُ الْحُرْمَةَ- مِثْلُ أَنْ يَطْلُبَ الزِّنَا بِمَحَارِمِ الْإِنْسَانِ ، أَوْ يَطْلُبَ مِنْ الْمَرْأَةِ ، أَوْ الصَّبِيِّ الْمَمْلُوكِ أَوْ غَيْرِهِ الْفُجُورَ بِهِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يُمْكِنُ ، وَلَوْ بِالْقِتَالِ ، وَلَا يَجُوزُ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِحَالٍ ؛ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّمْكِينُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِ جَائِزٌ ، وَبَذْلَ الْفُجُورِ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْحُرْمَةِ غَيْرُ جَائِزٍ.” انتهى من “السياسة الشرعية” (71) .
وقال الإمام النووي رحمه الله :
” والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة … وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فلا تعطه ) ؛ فمعناه : لا يلزمك أن تعطيه ، وليس المراد تحريم الإعطاء ) انتهى من “شرح مسلم للنووي” (11/202) .

ومتى فاتكم شيء من حقكم ، ولم تقدروا على الحصول عليه في الدنيا ؛ فإنما هي مظلمة لكم عند من ظلمكم ؛ تنفعكم إن شاء الله ، يوم لا يكون درهم ولا دينار ؛ وإنما هي الحسنات والسيئات :

روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) .

وينظر جواب السؤال رقم : (92650) ، ففيه بيان أن التحاكم إلى القوانين الوضعية لاستخلاص الحقوق جائز عند الضرورة .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (127188) ، (149659) .

والله تعالى أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android