0 / 0

يريد والده أن يرجع في هبته بعد أن نجحت تجارته

السؤال: 198227

الوالد أعطى الولد مبلغا من المال ، قرابة 50 ألفا ، لكي يفتح مشروعا ، ويكون نفسه . هذا بعد أن أنهى دراسته بالثانوي ، وبدأ المشروع واستمر ، وللمشروع الآن 15 سنة ، وهو في تطور ، وقبل فترة طلب الوالد من الولد أن يعطيه كل المشروع بكل ما فيه ، ويستدل بقوله : ( العبد وما ملك لسيده ) ، أو ( أنت ومالك لأبيك ) ، فغضب الابن لذلك ، ولم يرض ، واستمرت فترة سكوت ، والآن عاد الوالد يطالب بحقه في المشروع ، والآن أصبح يطالب بالنصف في كل ما يملك الابن ، وليس فقط المشروع ، علما أنه عندما أعطى الوالدُ الابنَ المبلغ لم يشترط عليه شيئا ، ولا حتى طلب أن يكون شراكة بينهما ، ولا حتى وقف على المشروع بنفسه ، إلا في أول أيام المشروع . فكيف تحل هذه القضية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اختلف الفقهاء فيما إذا وهب الوالد لولده شيئا ثم بدا له أن يرجع فيه ، فهل يجوز له أن يسترد ما وهبه إياه ، وذلك على قولين :
القول الأول :
يجوز للوالد الرجوع فيما وهبه لولده ، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة .
واستدلوا على مذهبهم بحديث ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ ) رواه الترمذي في " الجامع الصحيح " (2132) وقال : حسن صحيح . وصححه ابن عبد البر في " الاستذكار " (6/244)، وابن حجر في " فتح الباري " (5/251)، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " برقم : (1624) .
كما استدلوا بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه لما خصه والده بالعطية دون إخوانه فقال له صلى الله عليه وسلم : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ ). قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ " . رواه البخاري في " صحيحه " (2587) .
يقول النفراوي المالكي رحمه الله :
" لأب أن يعتصر – أي يأخذ قهرا – ما وهب لولده الصغير أو الكبير ، لا لصلة الرحم ، ولا لفقره ، ولا لقصد ثواب الآخرة ، بل وهبه لوجهه " انتهى من " الفواكه الدواني " (2/155) .
ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
" للأب الرجوع على التراخي في هبة ولده ، الشاملة للهدية والصدقة ، من دون حكم حاكم ، على المشهور ، سواء أقبضها الولد أم لا ، غنيا كان أو فقيرا ، صغيرا أو كبيرا " انتهى من " مغني المحتاج " (3/568) .
ويقول ابن قدامة رحمه الله :
" للأب الرجوع فيما وهب لولده ، وهو ظاهر مذهب أحمد ، سواء قصد برجوعه التسوية بين الأولاد أو لم يرد ، وهذا مذهب مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي ثور " انتهى من " المغني " (6/55) .
القول الثاني : ليس للوالد الرجوع فيما وهبه لولده ، وهو مذهب الحنفية .
واستدلوا على ذلك بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ ، فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يُرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ ، يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا " رواه مالك في " الموطأ " (4/1091) .
يقول الإمام السرخسي رحمه الله :
" وهو دليل لنا أن الوالد إذا وهب لولده هبة ليس له أن يرجع فيها ، كالولد إذا وهب لوالده ، وهذا لأن المنع من الرجوع لحصول المقصود – وهو صلة الرحم – ، أو لما في الرجوع والخصومة فيه من قطيعة الرحم ، والولاد في ذلك أقوى من القرابة المتأبدة بالمحرمية " انتهى من " المبسوط " للسرخسي (12/ 49) .
والراجح قول جمهور الفقهاء الذين استدلوا بالحديث الصحيح الصريح ، وأما دليل الحنفية فهو محتمل وليس بصريح ، فقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( من وهب هبة لصلة رحم ) يحتمل أن يريد به الأقارب والأرحام عدا ما بين الأب وابنه ، وعلى فرض إرادته ذلك فالحديث المرفوع مقدم على رأي الصحابي باتفاق الفقهاء .
ثانيا :
رغم ترجيح قول جمهور الفقهاء بجواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده ، إلا أن هؤلاء الفقهاء اشترطوا لجواز الرجوع شروطا مهمة ، منها أن يبقى المال في يد الولد ، أما إذا باعه ، أو اشترى به ، أو تصرف فيه : فقد سقط حق الوالد في الرجوع عن الهبة .
جاء في " الشرح الكبير " (4/111) من كتب المالكية – في معرض ذكر موانع الرجوع – :
" إن لم تفُتْ عند الموهوب له ببيع ، أو هبة أو عتق ، أو تدبير ، أو بجعل الدنانير حليا ، أو نحو ذلك " انتهى .
ويقول النفراوي رحمه الله :
" محل رجوع الأب في هبته لولده : ما لم يُحدِث في الهبة حدث ، أي حادث ينقصها في ذاتها ، أو يزيدها ، فإنها تفوت عليه ، ولا يحل له اعتصارها " انتهى من " الفواكه الدواني " (2/155).
ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
" شرط رجوع الأب بقاء الموهوب في سلطنة المتَّهِب ، وهو الولد … فيمتنع الرجوع في الموهوب بزوال السلطنة ، سواء أزالت بزوال ملكه عنه ببيعه كله ، ووقفه ، وعتقه ، ونحو ذلك ، أم لا… ولو زرع الولدُ الحبَّ ، أو فرخ البيض ، لم يرجع الأصل فيه ؛ لأن الموهوب صار مستهلكا " انتهى من " مغني المحتاج " (3/570)
ويقول البهوتي رحمه الله :
" إن خرجت العين الموهوبة عن ملك الابن ، ببيع أو هبة أو وقف أو بغير ذلك … لم يملك الأب الرجوع فيها " انتهى باختصار من " كشاف القناع " (4/313) .
والحاصل من جميع ما سبق أنه لا يجوز لوالدك الرجوع فيما وهبه لك بعد أن أنفقت المال ، واشتريت به ما تحتاجه في تجارتك أو عملك ، وذلك باتفاق الفقهاء ، الجمهور بسبب تخلف شروط جواز الرجوع ، والحنفية لعدم جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده أصلا كما سبق بيانه .
ثالثا :
سبق في موقعنا بيان توجيه قوله عليه الصلاة والسلام : ( أنت ومالك لأبيك )، وأن ذلك مقيد بحال حاجة الوالد إلى شيء من نفقته ، وليس له من ماله ما يغنيه عما في يد ولده ؛ فله حينئذ أن يأخذ من مال ولده ليسد حاجته ، فحسب ، لا ليكون ثروة ، أو يدخر مالا .
وللتوسع يمكن مراجعة الفتاوى ذوات الأرقام الآتية : (4282) ، (9594) ، (104298) ، (118846) ، (131420) ، (139637) ، (152504) .
والخلاصة :
أن نصيحتنا للوالد أن يتقي الله في ولده ، ولا يدفعه ما رآه من نجاح ولده في تجارته وعمله أن يقع في الظلم والعدوان ، فيأكل مال ولده بالباطل ، ويحتج بما لا يعرف حكمه من الأحاديث النبوية أو الأحكام الشرعية ، فالولد له ذمة مالية مستقلة ، لا يجوز للوالد أن يطغى عليها أو يتخوض فيها ، من غير وجه حق ، فالحساب بين يدي الله عسير ، ويومئذ يفر المرء من أبيه ، وصاحبته وبنيه ، والجزاء بين الناس بالحسنات والسيئات .
وفي المقابل : نصيحتنا للولد أن يحسن إلى والده قدر المستطاع ، ويطيب نفسا بما يتمكن من المال الذي يرضى به الوالد ، ويترفق به ، كي يجتنب الشقاق والنزاع معه ، ويعبر له عن شكره وامتنانه لمساعدته بالمال في السنوات الماضية .
والله أعلم .

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android