الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لا شك أن ترك الحجاب معصية كبيرة ، ولكن لا يجوز لأحد الجزم بأن من تركت الحجاب فهي من أهل النار ، كما لا يجوز الدعاء عليها بذلك ، فضلا عن الخوض في عرضها والكلام عليها بما يسوؤها ، وإنما المشروع الدعاء لها بالهداية والصلاح.
روى البخاري (6443) ومسلم (94) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن جبريل عليه السلام قال له : ( بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ) .
قال علماء اللجنة الدائمة :
" عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات من المسلمين مصرا على كبيرة من كبائر الذنوب كالزنى والقذف والسرقة يكون تحت مشيئة الله سبحانه إن شاء الله غفر له وإن شاء الله عذبه على الكبيرة التي مات مصرا عليها، ومآله إلى الجنة ؛ لقوله سبحانه وتعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وللأحاديث الصحيحة المتواترة الدالة على إخراج عصاة الموحدين من النار "
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 /728) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (7436) .
وقد روى أبو داود (4906) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ ، وَلَا بِغَضَبِ اللَّهِ ، وَلَا بِالنَّارِ ) وحسنه الألباني .
قال في عون المعبود :
" ( لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّه ) : أَيْ لَا يَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا فَلَا يَقُلْ أَحَد لِمُسْلِمٍ مُعَيَّن عَلَيْك لَعْنَة اللَّه مَثَلًا ( وَلَا بِغَضَبِ اللَّه ) : بِأَنْ يَقُول غَضِبَ اللَّه عَلَيْك ( وَلَا بِالنَّارِ ) : بِأَنْ يَقُول أَدْخَلَك اللَّه النَّار مَثَلًا , وَهَذَا مُخْتَصّ بِمُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ يَجُوز اللَّعْن بِالْوَصْفِ الْأَعَمّ , كَقَوْلِهِ لَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ , أَوْ بِالْأَخَصِّ كَقَوْلِهِ لَعْنَة اللَّه عَلَى الْيَهُود , أَوْ عَلَى كَافِر مُعَيَّن مَاتَ عَلَى الْكُفْر كَفِرْعَوْن وَأَبِي جَهْل " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (83390) ، ورقم : (36674) .
ثالثا :
لا يحل لمسلم أن يرمي مسلما أو مسلمة بالزنا ، من غير بينة شرعية : أربعة شهداء عدول ، أو الاعتراف ، أو الحبل من غير زواج ؛ فمن فعل ذلك فقد أتى كبيرة من الكبائر ، ووجب حده حد القاذف : ثمانين جلدة في ظهره ، ولا تقبل له شهادة أبدا ، ويحرم من اسم المدح والتزكية ، ويسمى : فاسقا !!
وينظر جواب السؤال رقم : (104486) ، ورقم : (121059) .
وأما قولهم : " المحصنات الغافلات من كن في بيوت أزواجهن ويرتدين الحجاب الشرعي " ، فيقال فيه : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور/ 23 يدخل فيها كل امرأة مسلمة عفيفة عن الزنا ، لا يعرف عنها فعله ، قال الطبري رحمه الله :
" ( المحصنات ) يعني العفيفات ( الغافلات ) عن الفواحش ( المؤمنات ) بالله ورسوله " انتهى من "تفسير الطبري" (19 /138) .
فكل امرأة مسلمة لم يثبت عليها فعل الفاحشة لا يجوز قذفها ، ولو كانت المرأة المقذوفة غير ملتزمة بالحجاب .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (2/ 227):
" الْمُحْصَنُ الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ هُوَ مَنْ تَتَوَفَّرُ فِيهِ الشُّرُوطُ الآْتِيَةُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ ، إِذَا كَانَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا :
1 – الْحُرِّيَّةُ : فَلاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْعَبْدِ وَالأْمَةِ .
2 – الإْسْلاَمُ : فَلاَ حَدَّ عَلَى قَاذِفِ مُرْتَدٍّ أَوْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ .
3،4 – الْعَقْل وَالْبُلُوغُ .
5 – الْعِفَّةُ عَنِ الزِّنَى: مَعْنَى الْعِفَّةِ عَنِ الزِّنَى أَلاَّ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ وَطِئَ فِي عُمْرِهِ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَلاَ نِكَاحٍ أَصْلاً، وَلاَ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَسَادًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سَقَطَتْ عِفَّتُهُ .
فَالْعِفَّةُ الْفِعْلِيَّةُ يَشْتَرِطُهَا الأْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ .
وَأَحْمَدُ يَكْتَفِي بِالْعِفَّةِ الظَّاهِرَةِ عَنِ الزِّنَى ، فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ الزِّنَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، وَمَنْ لَمْ يُحَدَّ لِلزِّنَا : فَهُوَ عَفِيفٌ " انتهى ملخصا .
فحيث إن هذه المرأة لم تثبت عليها جريمة الزنا فهي عفيفة حكما ، من قذفها بغير بينة فقد وجب عليه الحد ، ومجرد التبرج لا يخل بهذه العفة .
فكيف إذا كانت مع ذلك كما وصفت : من الحرص على الصلاة وفعل الطيبات ، وحفظ القرآن ، فمثل هذه أبعد إن شاء الله عن مثل ذلك ، وأرجى لها في الخير ، وأن تمنعها صلاتها ، وما تفعل من الطيبات عن مثل تلك الفواحش ، والمرجو من الله وكرمه أن تفتح لها تلك الحسنات أبواب الهداية ، والالتزام بالحجاب الشرعي .
ثم إن كلامهم عنها بما يسوؤها في غيبتها محرم ، بل هو من كبائر الذنوب ، فإذا كان بغير وجه حق فهو من البهتان ، والواجب على العبد أن يتقي الله في أعراض المسلمين ، لا سيما النساء والفتيات ، فإن قالة السوء في هؤلاء أثرها عظيم ، وربما تظلم في حياتها كلها بسبب كلمة قيلت عنها بغيا وعدوانا ، فيبوء بإثمها من قال هذه الكلمة ، أو نقلها ، أو رضيها .
وقد قال الله تعالى في التحذير منه : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) الأحزاب/ 58 .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ ، التَّقْوَى هَاهُنَا ، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ) رواه مسلم (2564) .
راجع إجابة السؤال رقم : (66699) ، والسؤال رقم (112134) .
والله أعلم .