0 / 0

تحرير مذهب الحنابلة في الرخصة في الأخذ من شجر المدينة فيما تدعو الحاجة إليه .

السؤال: 200114

أشكلت علي مسألة في الفقه ، وهي رأي الحنابلة فيمن أخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو إليه الحاجة ؛ حيث نص الحنابلة على أنه لا يجوز قطع السواك ولا ورق الأشجار ولا ورق السنى للعلاج في حرم مكة ، وأجازوا أن يؤخذ من شجر حرم المدينة ما تدعو الحاجة إليه للمساند والوسائد والرحل ، والدليل حديث جابر ” لما حرم المدينة قالوا : يا رسول الله إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح ، وإنا لا نستطيع أرضًا غير أرضنا، فرخص لنا، فقال: القائمتان والوسادة والعارضة والمسد) . والحديث ضعيف .
السؤال :
هل يفهم من (الحنابلة) أنهم يجيزون قطع كل ما قطع لحاجة في المدينة ، كالقطع للبناء أو لإصلاح الحوائط وغير ذلك ، أو هو مخصوص بهذه الأشياء فقط ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَدِينَةَ حَرَمٌ مِثْل مَكَّةَ ، فَيَحْرُمُ صَيْدُهَا ، وَلاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا ؛ إِلاَّ مَا اسْتُنْبِتَ لِلْقَطْعِ .
انظر : “الموسوعة الفقهية” (36/ 310) .

واستثنى الحنابلة ما تدعو الحاجة إليه : للمساند ، والوسائد ، والعوارض ؛ ونحو ذلك مما يحتاجه أهل الحرث .
قال الحجاوي رحمه الله في “زاد المستقنع” (ص90) :
” ويحرم صيد المدينة ولا جزاء فيه ، ويباح الحشيش للعلف ، واتخاذ آلة الحرث ونحوه ” انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” قوله: ” ويباح الحشيش للعلف ، وآلة الحرث ونحوه ” ، لأن أهل المدينة أهل زروع فرخص لهم في ذلك ، كما رخص لأهل مكة في الإذخر.
والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رخص في ذلك ، فيباح أن تحش الحشيش لتعلف بهائمك .
وكذلك قطع الأغصان لآلة الحرث ، أي السواني، بأن يقطع الإنسان شجرة ، لينتفع بخشبها في المساند والعوارض، وما أشبه ذلك مما يحتاجه أهل الحرث ، وبهذا نعلم أن تحريم حرم المدينة أخف من تحريم حرم مكة “.
انتهى من “الشرح الممتع” (7/ 223) .
وقال الشيخ أيضا :
” الفروق بين حرم مكة وحرم المدينة:
– أن حرم مكة ثابت بالنص والإجماع ، وحرم المدينة مختلف فيه.
– أن صيد حرم مكة فيه الإثم والجزاء ، وصيد حرم المدينة فيه الإثم ، ولا جزاء فيه.
– أن الإثم المترتب على صيد حرم مكة ، أعظم من الإثم المترتب على صيد المدينة.
– أن حرم مكة أفضل من حرم المدينة ؛ لأن مضاعفة الحسنات في مكة أكثر من المدينة ، وعظم السيئات في مكة أعظم من المدينة .
– أن حرم مكة يحرم فيه قطع الأشجار بأي حال من الأحوال ، إلا عند الضرورة، وأما حرم المدينة فيجوز ما دعت الحاجة إليه ، كالعلف، وآلة الحرث ، وما أشبه ذلك … ” انتهى ملخصا من “الشرح الممتع” (7/ 224-225) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (109171) ، والسؤال رقم : (191459) .

وإنما رخص في نحو ذلك ، لأن الحاجة تدعو إليه ؛ كما رُخص لأهل مكة في الإذخر ، لأن حاجتهم تدعو إليه .
روى أبو داود (2035) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ في المدينة : ( لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا، وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ ، إِلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ ) وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (3/ 325-326):
“وَيُفَارِقُ حَرَمُ الْمَدِينَةِ حَرَمَ مَكَّةَ فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ شَجَرِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، لِلْمَسَانِدِ وَالْوَسَائِدِ وَالرَّحْلِ، وَمِنْ حَشِيشِهَا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِلْعَلْفِ ؛ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَرَّمَ الْمَدِينَة َ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ، وَأَصْحَابُ نَضْح ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَرْضًا غَيْرَ أَرْضِنَا، فَرَخِّصْ لَنَا، فَقَالَ: ( الْقَائِمَتَانِ، وَالْوِسَادَةُ، وَالْعَارِضَةُ، وَالْمِسْنَدُ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يُعْضَدُ، وَلَا يُخْبَطُ مِنْهَا شَيْءٌ ) “.
فَاسْتَثْنَى ذَلِكَ، وَجَعَلَهُ مُبَاحًا، كَاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرَ بِمَكَّةَ … وَلِأَنَّ الْمَدِينَةَ يَقْرُبُ مِنْهَا شَجَرٌ وَزَرْعٌ، فَلَوْ مَنَعْنَا مِنْ احْتِشَاشِهَا، مَعَ الْحَاجَةِ، أَفْضَى إلَى الضَّرَرِ، بِخِلَافِ مَكَّةَ … ” انتهى .
والحديث الذي ذكره لم نجده في مسند الإمام أحمد ولا غيره من كتب الحديث ، فلعل الإمام أحمد رحمه الله رواه في بعض مصنفاته التي لم تصل إلينا .

أما ما لا حاجة إليه في العادة ، وإنما تكون الحاجة إليه نادرة ، فلا يرخص فيه ، كخشب السقف والعوارض في البناء والخشب المطلوب لصناعة الأسرة والخزانات الخشبية ونحو ذلك ، فمثل هذا لا يرخص فيه ، والواجب جلبه من خارج الحرم ، وهذا هو تحرير مذهب الحنابلة في هذه المسألة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android