0 / 0

كيف تتخلص من الرغبة السحاقية ؟

السؤال: 200216

لي صديقة سحاقية منذ أن عرفت نفسها ، وقد حاولت أن تتغير ولكنها لم تستطع ، حتى إنها حاولت أن ترتبط برجل ففشلت تلك العلاقة ، وانتهت بفسخ الخطوبة ، وبديهي أنها لا تستطيع أن تعيش بمفردها في هذه الحياة ، كما أنها لا تريد أن تقع في الإثم ، فماذا تفعل ؟
هل يجوز لها أن تتزوج برجل شاذ لا حاجة له في النساء ، بحيث يشكّل كل منهما غطاء للآخر ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ما نستطيع أن نوجه هذه الفتاة إليه هو أن الرغبة المحرمة والإدمان على الفاحشة لا بد أن تواجه بكل الحلول الحاسمة ، التي قد تكون مُرة وصعبة ، ولكنها تقي مما هو أسوأ وأقبح ، وتحفظ من الهلكة في الدنيا قبل الآخرة . ولا يكفي لتحقيق ذلك أن تقوم ببعض الأسباب المحكوم عليها بالفشل المتحتم نتيجة خطئها وعدم نجاعتها ، إذ كل محاولة لا تبدأ بقطع أسباب الفتنة من أساسها : لا تستحق أن تسمى محاولة ، ولا يُعذر المرء معها أن يستمر على حاله السيء .
ولهذا فإننا نقرر هنا – إذا صدقت تلك الفتاة في رغبتها في العلاج – أن أول علاجها يبدأ من هجر الفتيات الأخريات التي تتعاطى معهن فاحشة السحاق ، والابتعاد عن مكان إقامتهن ، وحذف جميع وسائل التواصل معهن من الهاتف والإيميل ونحوها ، بحيث لا يمكن استرجاعها بعد ذلك ، وحينئذ ستجد ألما وضيقا نفسيا لما ستتركه من إلف عادتها السيئة الماضية ، فتبدأ بالصبر والتحمل والإصرار على التقدم في مسيرة العلاج ، ولتحاول أن تشتغل بالعمل النافع المباح الذي يستغرق وقتها ، أو الدراسة وطلب العلم ، أو التدرب على الأعمال المهنية المناسبة لسنها وجنسها ، والخبراء النفسيون يقررون أن ستة أشهر بعد قطيعة المعصية كفيلة بنسيانها والقدرة على تجاوزها ، والتحصن من عدم العودة إليها بسهولة .
وعلماء الشريعة يستأنسون إلى مبدأ هذا النوع من العلاج ” علاج القطيعة ” بحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : لَا ، فَقَتَلَهُ ، فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ ) رواه البخاري (3470) ، ومسلم (2766) .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
” قال العلماء : في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب والأخدان المساعدين له على ذلك ، ومقاطعتهم ما داموا على حالهم ، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين ، ومن يقتدي بهم ، وينتفع بصحبتهم ، وتتأكد بذلك توبته ” انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (17/83) .
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” فيه فضل التحول من الأرض التي يصيب الإنسان فيها المعصية ؛ لما يغلب بحكم العادة على مثل ذلك ، إما لتذكره لأفعاله الصادرة قبل ذلك ، والفتنة بها ، وإما لوجود من كان يعينه على ذلك ويحضه عليه ، ولهذا قال له الأخير ( ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ) ففيه إشارة إلى أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمن المعصية ، والتحول منها كلها ، والاشتغال بغيرها ” انتهى من ” فتح الباري ” (6/517) .
وهذا هو العلاج الذي أرشد إليه القرآن الكريم قبل أن يفرض الحد الشرعي ، لعلاج المجتمع من آفات الفواحش الجنسية ، كما في قوله تعالى : ( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ) النساء/15.
وقد سبق في موقعنا ذكر بعض الأسباب المعينة على ترك هذه المعصية ، يمكن مراجعتها في الفتوى رقم : (101169) ، (104078) .
يقول ابن القيم رحمه الله :
” الكلام في دواء داء تعلق القلب بالمحبة الهوائية من طريقين :
أحدهما : حسم مادته قبل حصولها .
والثاني : قلعها بعد نزوله .
وكلاهما يسير على من يسره الله عليه ، ومتعذر على من لم يعنه الله ، فإن أزمَّة الأمور بيديه .
فأما الطريق المانع من حصول هذا الداء ، فأمران : غض البصر ، واشتغال القلب بما يصده عن ذلك ، ويحول بينه وبين الوقوع فيه ” انتهى باختصار من ” الجواب الكافي ” (178-181) .

أما أن تسأل هذه الفتاة عن حكم زواجها من الرجل الشاذ ، لتتمكن ـ بعد ذلك ـ من ممارسة فاحشتها من غير رقيب ولا نكير ، فسوف يكون ذلك من أسباب خذلانها وحرمانها من أسباب التوبة ؛ لأنها تخطط بذلك لتثبيت معصيتها وتسهيلها ، بل والبحث عن شركاء جدد فيها ، وذلك يعني أنها يمكن أن تتعرف إلى الرجال الشواذ ، وتتزوج بأحدهم بعد الاتفاق على حرية كلا الزوجين بالولوغ في الشذوذ ، والله عز وجل مطلع عليهم ، يمهلهم للتوبة وهم يستغرقون في المعصية ، وكأنهم لم يقرؤوا قول الله عز وجل : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الأنفال/13، وقوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/68-71.
دعوتنا لهذه الفتاة أن تتقي الله تعالى في نفسها ودينها ومجتمعها ، بل وفي الإنسانية جمعاء ، أن تكون سببا في انتكاسة الخلق وانحراف الفطرة العامة ، وأن تجعل الموت والقبر نصب أعينها ، حين تطوى وحيدة تحت التراب إلى الأبد ، وهناك لن يؤنسها سوى عملها الصالح ، وأما سعار الشهوة الشاذة فستكون سبب الوحشة والظلمة والعذاب .
فعن أبي حمزة , قال : ” قلت لمحمد بن علي بن الحنفية : ” عذب الله نساء قوم لوط بعمل رجالهم؟
قال : الله أعدل من ذلك , استغنى الرجال بالرجال , والنساء بالنساء “.
وقال حذيفة رضي الله عنه : ” إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى النساء بالنساء , والرجال بالرجال ” رواهما ابن أبي الدنيا في ” ذم الملاهي ” (رقم/145، 149) .

إن هذه المرأة ـ حقا ـ ضعيفة مسكينة ، فقيرة إلى الله عز وجل ، فانصحيها : ألا تتردد في رفع يديها لتسأله سبحانه أن يعينها على الطاعة وترك المعصية ، وأن يغفر لها ما مضى ويعصمها فيما بقي . قال تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) آل عمران/135-136.

ولتحاول مرة أخرى ، متى تابت توبة نصوحا ، وشرعت في العلاج السليم : أن تخوض تجربة من النكاح الحلال ، ولتسأل ربها أن يرزقها الهدى والتقى ، والعفاف والغنى ، وأن يغنيها بحلاله عن حرامه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android