تنزيل
0 / 0

أقوال العلماء في خصائص مذهب المالكية

السؤال: 200879

هل المذهب المالكي هو الأدق والأقرب للسنة والسلف بسبب أعمال أهل المدينة . وهل هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

المذهب المالكي هو المدرسة التي اتخذت أقوال الإمام مالك بن أنس (ت179هـ) مردا
للعمل والفتيا والتقليد ، وجعلت أصوله وفروعه مناط الدرس والاتباع ، مع قدر من
الاجتهاد والتصحيح والتوجيه لأئمة المذهب المجتهدين ، شأن غيره من المذاهب المتبوعة
في ذلك .

وقد انتشر هذا المذهب في الآفاق بفضل الله أولا ، ثم بفضل جهود تلامذة الإمام مالك
رحمه الله ، الذي أطبق الناس في زمانه على إمامته والرجوع إليه في مدينة رسول الله
صلى الله عليه وسلم.

ثانيا :

من أشكل الدراسات وأدقها الخوض في مقارنة المذاهب الفقهية الأربعة ، وتقرير أحقية
أحدها بالصواب أكثر من غيره من المذاهب ، وذلك لأسباب عدة ، من أهمها :

السبب الأول :

الاختلاف في فهم المذهب نفسه ، وتقرير أصوله ، وتخريج فروعه على تلك الأصول ، فإذا
كان فقهاء المذهب الواحد يختلفون في بعض المسائل ، في تحديد قول إمامهم في مسألة
معينة ، فكيف سيكون الحال في غير أتباع المذهب من أهل العلم ؟! وهذا السبب – وإن
كان محصورا في إطار ضيق في بعض المسائل – غير أنه لا ينكر تأثيره في الوجهة العامة
.

السبب الثاني :

الاختلاف بين الفقهاء في تحديد الصواب في كثير من مسائل الفقه ، وقضايا الشريعة ،
خاصة وأنها مسائل اجتهادية في معظمها ، فمن يدعي أن مذهبا معينا أقرب إلى سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فسوف يكون مدار الأمر على ما يراه هو راجحا ، ولا يلزم
أن يكون ذلك هو الراجح في نفس الأمر .

السبب الثالث :

تعدد جوانب الأفضلية وتوزعها في المذاهب الأربعة ، الأمر الذي يتعذر معه الجزم بأن
مذهبا معينا أفضل من غيره ؛ فإن المذاهب الأخرى قد تشتمل على جانب التفضيل نفسه محل
الدراسة ، كما قد تشتمل على غيره من جهات التفضيل . خاصة وأن المذاهب محل الدراسة
تغطي مئات الآلاف من المسائل والأحكام ، فمن المتعذر الحكم بأفضلية مطلقة لمذهب في
جميع تلك المسائل ، وغاية ما هنالك محاولة المقارنة في بعض الأبواب ، كالأحوال
الشخصية ونحو ذلك .

ثالثا :

وأما ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه القضية فخلاصته التركيز على
مذهب أهل المدينة ، وليس على مذهب المالكية ، فمذهب المالكية دخلته الكثير من
الاختيارات الفقهية التي أخذ بها أتباع مالك من فقهاء مصر والمغرب ، وكانت تخالف
حقيقة ما يذهب إليه فقهاء المدينة المنورة .

وهذا لا يعني نفي ما تميز به مذهب المالكية من خصائص عظيمة وجليلة ، مثل : التوسع
في مصادر التشريع لتشمل العرف والاستصلاح وشرع من قبلنا وغيرها ، والمرونة الناتجة
عن اعتماد هذه المصادر ، الأمر الذي جعل للمذهب صلاحية ظاهرة للحكم والتقنين ، بل
وأثبتت الدراسات المتخصصة استقاء القوانين الفرنسية من المذهب المالكي في معظم
فروعه ومواده . ينظر كتاب ” المقارنات التشريعية “، لمخلوف منياوي، ولسيد عبد الله
حسين .

ولكن المقصود فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأنه متجه أكثر إلى مذهب أهل
المدينة ، ومالك أعلم الناس به ولا شك ، ولكن الاختيارات المتأخرة لفقهاء المالكية
فيها بعض المخالفة ، كما قرر ذلك ابن تيمية نفسه رحمه الله في ” مجموع الفتاوى ”
(20/327).

ونحن ننقل هنا بعض ما قاله العلماء المحققون من خصائص مذهب الإمام مالك رحمه الله ،
مقارنا بغيره من المذاهب ، ليس على سبيل الجزم بالأفضلية ، وإنما على سبيل تحصيل
صورة مجملة ، وتشكيل علامة أولية للأمر المقصود .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عن صحة أصول مذهب أهل المدينة ، ومنزلة مالك المنسوب إليه مذهبهم في الإمامة
والديانة ؛ وضبطه علوم الشريعة عند أئمة علماء الأمصار وأهل الثقة والخبرة من سائر
الأعصار ؟

فأجاب رضي الله عنه :

مذهب أهل المدينة النبوية في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم : أصح مذاهب أهل
المدائن الإسلامية شرقا وغربا ؛ في الأصول والفروع . وهذه الأعصار الثلاثة هي أعصار
القرون الثلاثة المفضلة ؛ التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم – كما في
الصحيحين – عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : (
خير أمتي القرن الذين يلونني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق
شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته )
.

وفي القرون التي أثنى عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان مذهب أهل
المدينة أصح مذاهب أهل المدائن ؛ فإنهم كانوا يتأسون بأثر رسول الله صلى الله عليه
وسلم أكثر من سائر الأمصار ، وكان غيرهم من أهل الأمصار دونهم في العلم بالسنة
النبوية واتباعها ، حتى إنهم لا يفتقرون إلى نوع من سياسة الملوك ، وأن افتقار
العلماء ومقاصد العباد أكثر من افتقار أهل المدينة ؛ حيث كانوا أغنى من غيرهم عن
ذلك كله ، بما كان عندهم من الآثار النبوية التي يفتقر إلى العلم بها واتباعها كل
أحد .

ولهذا لم يذهب أحد من علماء المسلمين إلى أن إجماع أهل مدينة من المدائن حجة يجب
اتباعها غير المدينة ، لا في تلك الأعصار ، ولا فيما بعدها ، لا إجماع أهل مكة ،
ولا الشام ،  ولا العراق ، ولا غير ذلك من أمصار المسلمين .

والتحقيق في ” مسألة إجماع أهل المدينة ” أن منه ما هو متفق عليه بين المسلمين ؛
ومنه ما هو قول جمهور أئمة المسلمين ؛ ومنه ما لا يقول به إلا بعضهم .

وذلك أن إجماع أهل المدينة على أربع مراتب
.

” الأولى ” ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم . مثل نقلهم
لمقدار الصاع والمد ؛ وكترك صدقة الخضراوات والأحباس ، فهذا مما هو حجة باتفاق
العلماء .

” المرتبة الثانية ” العمل القديم بالمدينة ، قبل مقتل عثمان بن عفان ، فهذا حجة في
مذهب مالك ، وهو المنصوص عن الشافعي . قال في رواية يونس بن عبد الأعلى : إذا رأيت
قدماء أهل المدينة على شيء ، فلا تتوقف في قلبك ريبا أنه الحق . وكذا ظاهر مذهب
أحمد أن ما سنه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب اتباعها .

والمحكي عن أبي حنيفة يقتضي أن قول الخلفاء الراشدين حجة ، وما يعلم لأهل المدينة
عمل قديم على عهد الخلفاء الراشدين ، مخالف لسنة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم .

و” المرتبة الثالثة ” إذا تعارض في المسألة دليلان ، كحديثين وقياسين ، جهل أيهما
أرجح ، وأحدهما يعمل به أهل المدينة ؛ ففيه نزاع . فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح
بعمل أهل المدينة . ومذهب أبي حنيفة أنه لا يرجح بعمل أهل المدينة . ولأصحاب أحمد
وجهان . فهذه مذاهب جمهور الأئمة توافق مذهب مالك في الترجيح لأقوال أهل المدينة .

وأما ” المرتبة الرابعة ” فهي العمل المتأخر بالمدينة ، فهذا هل هو حجة شرعية يجب
اتباعه ، أم لا ؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية . هذا مذهب الشافعي
وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم . وهو قول المحققين من أصحاب مالك ، كما ذكر ذلك الفاضل
عبد الوهاب في كتابه ” أصول الفقه “. ولم أر في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة ،
وهو في الموطأ إنما يذكر الأصل المجمع عليه عندهم ، فهو يحكي مذهبهم ، وتارة يقول :
الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا ، يصير إلى الإجماع القديم ، وتارة لا يذكر .
ولو كان مالك يعتقد أن العمل المتأخر حجة – يجب على جميع الأمة اتباعها وإن خالفت
النصوص – لوجب عليه أن يلزم الناس بذلك حد الإمكان ، كما يجب عليه أن يلزمهم اتباع
الحديث والسنة الثابتة التي لا تعارض فيها وبالإجماع . وقد عرض عليه الرشيد أو غيره
أن يحمل الناس على موطئه فامتنع من ذلك .

وإذا تبين أن إجماع أهل المدينة تفاوت فيه مذاهب جمهور الأئمة ، علم بذلك أن قولهم
: أصح أقوال أهل الأمصار رواية ورأيا ، وأنه تارة يكون حجة قاطعة ، وتارة حجة قوية
، وتارة مرجحا للدليل ، إذ ليست هذه الخاصية لشيء من أمصار المسلمين .

ومما يوضح الأمر في ذلك : أن سائر أمصار المسلمين – غير الكوفة – كانوا منقادين
لعلم أهل المدينة ، لا يعدون أنفسهم أكفاءهم في العلم ، كأهل الشام ومصر مثل
الأوزاعي من الشاميين ، ومثل الليث بن سعد من المصريين ، وأن تعظيمهم لعمل أهل
المدينة واتباعهم لمذاهبهم القديمة ظاهر بين . وكذلك علماء أهل البصرة كأيوب وحماد
بن زيد ؛ وعبد الرحمن بن مهدي ؛ وأمثالهم . ولهذا ظهر مذهب أهل المدينة في هذه
الأمصار .

إذا تبين ذلك ؛ فلا ريب عند أحد أن مالكا رضي الله عنه أقوم الناس بمذهب أهل
المدينة رواية ورأيا ؛ فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه ، كان له من
المكانة عند أهل الإسلام – الخاص منهم والعام – ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى
إلمام .

والناس كلهم مع مالك وأهل المدينة : إما موافق ؛ وإما منازع .

فالموافق لهم عضد ونصير ، والمنازع لهم معظم لهم ، مبجل لهم
، عارف بمقدارهم .

وما تجد من يستخف بأقوالهم ومذاهبهم إلا من ليس معدودا من أئمة العلم ، وذلك لعلمهم
أن مالكا هو القائم بمذهب أهل المدينة ، وهو أظهر عند الخاصة والعامة من رجحان مذهب
أهل المدينة على سائر الأمصار ؛ فإن موطأه مشحون : إما بحديث أهل المدينة ؛ وإما
بما اجتمع عليه أهل المدينة : إما قديما؛ وإما حديثا . وإما مسألة تنازع فيها أهل
المدينة وغيرهم ، فيختار فيها قولا ويقول : هذا أحسن ما سمعت .

ولسنا ننكر أن من الناس من أنكر على مالك مخالفته أولا لأحاديثهم في بعض المسائل .

فيقال : مثل هذا في قول مالك قليل جدا ، وما من عالم إلا وله ما يرد عليه .

ثم من تدبر أصول الإسلام وقواعد الشريعة : وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول
والقواعد ، وقد ذكر ذلك الشافعي وأحمد وغيرهما ، حتى إن الشافعي لما ناظر محمد بن
الحسن حين رجح محمد لصاحبه على صاحب الشافعي فقال له
الشافعي : بالإنصاف أو بالمكابرة ؟ قال له : بالإنصاف . فقال : ناشدتك الله صاحبنا
أعلم بكتاب الله أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم . فقال : صاحبنا أعلم بسنة رسول الله
صلى الله تعالى عليه وسلم أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم . فقال : صاحبنا أعلم
بأقوال أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم .
فقال: ما بقي بيننا وبينكم إلا القياس ؛ ونحن نقول بالقياس ، ولكن من كان بالأصول
أعلم كان قياسه أصح .

لكن جملة مذاهب أهل المدينة النبوية راجحة في الجملة على مذاهب أهل المغرب والمشرق
وذلك يظهر بقواعد جامعة –

وهنا أطال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديث عن أبواب الفقه وقواعده التي كان الصواب
فيها حليف مذاهب أهل المدينة النبوية ، ثم قال -:

وهذا باب يطول استقصاؤه ؛ وقد ذكرنا من ذلك ما شاء الله
من القواعد الكبار في القواعد الفقهية وغير ذلك ؛ وإنما
هذا جواب فتيا ، نبهنا فيه تنبيها على جمل يعرف بها بعض فضائل أهل المدينة النبوية
؛ فإن معرفة هذا من الدين ، لا سيما إذا جهل الناس مقدار علمهم ودينهم ، فبيان هذا
يشبه بيان علم الصحابة ودينهم ، إذا جهل ذلك من جهله ، فكما أن بيان السنة وفضائل
الصحابة وتقديمهم الصديق والفاروق من أعظم أمور الدين عند ظهور بدع الرافضة ونحوهم
، فكذلك بيان السنة ، ومذاهب أهل المدينة ، وترجيح ذلك على غيرها من مذاهب أهل
الأمصار ؛ أعظم أمور الدين عند ظهور بدع الجهال المتبعين للظن وما تهوى الأنفس ”
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (20/294-396) .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا ، في تقرير ذلك ، والإشارة إلى أنه ربما اختلف
قول أصحاب الإمام ، عن قول مالك نفسه :

“وَأَمَّا الْحَدِيثُ : فَأَكْثَرُهُ نَجِدُ مَالِكًا قَدْ قَالَ بِهِ فِي
إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
، كَمَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ. وَأَهْلُ
الْمَدِينَةِ رَوَوْا عَنْ مَالِكٍ الرَّفْعَ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
الَّذِي رَوَاهُ؛ لَكِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ هَمّ
الَّذِينَ قَالُوا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُدَوَّنَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْلُهَا مَسَائِلُ أَسَدِ بْنِ
الْفُرَاتِ الَّتِي فَرَّعَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهَا أَسَدٌ
ابْنَ الْقَاسِمِ ، فَأَجَابَهُ بِالنَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ ، وَتَارَةً بِالْقِيَاسِ
عَلَى قَوْلِهِ . ثُمَّ أَصْلُهَا فِي رِوَايَةِ سحنون ، فَلِهَذَا يَقَعُ فِي
كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَيْلِ إلَى أَقْوَالِ أَهْلِ
الْعِرَاقِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .

ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمَّا انْتَشَرَ مَذْهَبُ مَالِكٍ بِالْأَنْدَلُسِ ،
وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَامِلَ الْأَنْدَلُسِ ، وَالْوُلَاةُ
يَسْتَشِيرُونَهُ : فَكَانُوا يَأْمُرُونَ الْقُضَاةَ أَنْ لَا يَقْضُوا إلَّا
بِرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ ، ثُمَّ رِوَايَةِ غَيْرِهِ ، فَانْتَشَرَتْ رِوَايَةُ
ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِأَجْلِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَقَدْ تَكُونُ
مَرْجُوحَةً فِي الْمَذْهَبِ وَعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالسُّنَّةِ ، حَتَّى
صَارُوا يَتْرُكُونَ رِوَايَةَ الْمُوَطَّأِ الَّذِي هُوَ مُتَوَاتِرٌ عَنْ مَالِكٍ
، وَمَا زَالَ يُحَدِّثُ بِهِ إلَى أَنْ مَاتَ ، لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ ،
وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ ؛
فَمِثْلُ هَذَا إنْ كَانَ فِيهِ عَيْبٌ : فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ نَقَلَ ذَلِكَ
، لَا عَلَى مَالِكٍ .

وَيُمْكِنُ الْمُتَّبِعُ لِمَذْهَبِهِ أَنْ يَتْبَعَ السُّنَّةَ فِي عَامَّةِ
الْأُمُورِ؛ إذْ قَلَّ مِنْ سُنَّةٍ إلَّا وَلَهُ قَوْلٌ يُوَافِقُهَا ، بِخِلَافِ
كَثِيرٍ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُخَالِفُونَ
السُّنَّةَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ ” انتهى من “مجموع الفتاوى”
(20/327-328) . 

ويقول الذهبي رحمه الله :

” بكل حال : فإلى فقه مالك المنتهى ، فعامة آرائه مسددة ، ولو لم يكن له إلا حسم
مادة الحيل ، ومراعاة المقاصد ، لكفاه . ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس ، وكثيرا من
بلاد مصر ، وبعض الشام ، واليمن ، والسودان ، وبالبصرة ، وبغداد ، والكوفة ، وبعض
خراسان…وها
نحن نبين أن مالكا رحمه الله هو ذلك [ أولاهم بالتقليد ] ؛ لجمعه أدوات الإمامة ،
وكونه أعلم القوم .

قال الشافعي : العلم يدور على ثلاثة : مالك ، والليث ، وابن عيينة . وقال ابن معين
: مالك من حجج الله على خلقه . وقال أسد بن الفرات : إذا أردت الله والدار الآخرة ،
فعليك بمالك
” انتهى من ” سير أعلام النبلاء ” (8/91)

ويقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله :

” تنمو فروع المذهب ، وتتسق آثار التفكير فيه بخصب أصوله ، وتعدد المصادر فيه ،
وسعة مدى التفكير الذي يفتحه لأنفسهم القائمون على المذهب من بعد الإمام ، وتعدد
الأجواء الفكرية التي يجتهدون فيها . وقد كان هذا كله في المذهب المالكي ، فمناهجه
خصبة ومتعددة ، وتلاميذ الإمام ومن بعدهم قد وسعوا مدى تفكيرهم في تطبيق أصول
إمامهم . وكثرت الأقطار التي أخذ فيها بالمذهب المالكي وتباينت أحوالها . وكان من
فقهاء هذا المذهب من جمع بين الفقه العميق والفلسفة والحكمة… وإن تخالف الأقاليم
وتباينها وتباعدها ، مع كثرة أسباب الاجتهاد ، وخصب المناهج سبب في كثرة الأقوال في
المذاهب . وكانت تلك الكثرة في الأقوال جنابا خصيبا يجد فيه الباحث في الفقه
المالكي ثمرات متنوعة ، وألوانا من المنازع الفقهية صالحة ، وتوافق البيئات
المختلفة ، وتوائم الأقطار المتباينة في أعرافها وعاداتها ، وخصوصا أن العرف
والعادة كان لهما مقام في الاستنباط
في الفقه المالكي . وكان المفتى بهذا بين يديه آراء مختلفة يتخير من بينها ، إذا لم
يفتح لنفسه باب الاجتهاد مع التمسك بالأصول المقررة في المذهب ” انتهى باختصار من ”
تاريخ المذاهب الإسلامية ” (ص/404).

ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله :

” جماع أصول مذهب مالك – بناء على ما صرح به أو أشار إليه أو استنبطه فقهاء المذهب
من الفروع المنقولة عنه ، والآراء المدونة في موطئه – هي – أي هذه الأصول – كما صرح
بها الإمام القرافي المالكي : الكتاب ، السنة ، الإجماع ، إجماع أهل المدينة ،
القياس ، قول الصحابي ، المصلحة المرسلة ، العرف والعادات ، سد الذرائع ، الاستحسان
، الاستصحاب .

ومن هذه الأصول يتبين لنا خصوبة المذهب وسعته ، وإمكان تخريج الأحكام على أصوله
الملائمة لكل عصر ومكان ، لا سيما على أصل المصلحة المرسلة الذي سيطر على جميع فقه
مالك في كل المسائل التي لا نص فيها ، حتى قرن اسم المصالح المرسلة بمذهب مالك .
كما أنه يتبين لنا من كثرة هذه الأصول مقام الإمام مالك في فقه الرأي ، فقد اشتهر
به على خلاف المعهود من فقهاء مدرسة الحجاز ، وأكثر من الأخذ بهذا الأصل حتى صار
قوام اجتهاده بالرأي يقوم على أساس المصلحة . وربما أخذ بالقياس أو المصلحة وترك
خبر الآحاد بناء على أن مخالفة الخبر للمصلحة ، أو للقياس الثابت المبني على قواعد
الشريعة – دليل على ضعف الخبر وعدم صحته ، ومن ذلك عدم أخذه بخبر المصراة لمخالفته
– في نظره – للقياس القطعي المبني على قواعد الشريعة الثابتة ” انتهى من ” المدخل
لدراسة الشريعة الإسلامية ” (ص137-138).

ومن المراجع المهمة في هذا الموضوع :

1. المذهب المالكي ، مدارسه ومؤلفاته ، خصائصه وسماته ، محمد المختار المامي .

2. مزايا وقضايا في المذهب المالكي ، محمد بن عبد الرحمن الحفظاوي ، من منشورات
المجلس العلمي المحلي بالرشيدية – المغرب .

3. مفردات المذهب المالكي في العبادات ، عبد المجيد الصلاحين .

والله أعلم.

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android