ما حكم تلقيح الأبقار في العيادات البيطرية ، وهل يعتبر من عسب الفحل ؟
تلقيح الأبقار في العيادة البيطرية جائز وليس من عسب الفحل المنهي عنه.
السؤال: 202324
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا نرى حرجا في تلقيح الأبقار في العيادات البيطرية ، وليس ذلك من عسب الفحل الذي ورد النهي عنه ، وسبق تقريره في موقعنا في الفتوى رقم : (150367) ، وذلك لأسباب عدة :
أولا :
لم يرد نهي عن التقليح خارج إطار ضراب الفحل ، والأصل في الأفعال الإباحة ما لم يرد نهي عنها .
ثانيا :
الجهد الذي يقوم به الطبيب البيطري ، والخبرة التي اكتسبها وتفرغ لأجلها ، كلها من المنافع التي يجوز إجارتها ودفع مقابل مادي لها ، تماما كما يُستَأجر الطبيب لعلاج الحيوان وتخليصه من آفاته وأسقامه ، فكذلك الشأن في دفع الأجرة له للقيام بعملية التلقيح الصناعي في عيادته .
ثالثا :
النهي الثابت عن " عسب الفحل " في حديث ابن عمر رضي الله عنهما : ( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ) رواه البخاري (2284) لا يدخل فيه الطبيب البيطري أصلا ، فالنهي مخصوص بوجود الفحل وضرابه ، وهذا غير متوفر في صورة السؤال .
ثم إن النهي معلل بعلة واضحة ، ذكرها العلماء الذين أخذوا بظاهره ، فقالوا : " لأنه مما لا يقدر على تسليمه ، فأشبه إجارة الآبق ، ولأن ذلك متعلق باختيار الفحل وشهوته . ولأن المقصود هو الماء ، وهو مما لا يجوز إفراده بالعقد ، وهو مجهول " ينظر " المغني " لابن قدامة (4/159).
وكل هذه العلل غير متوفرة في حالة التلقيح داخل العيادة البيطرية باستعمال الحقن مثلا ، فالعمل مقدور على تسليمه وإنجازه ، وهو الحقن والتلقيح ، ولا شأن للفحل بهذه العملية ، والماء لم يفرد بالعقد ، بل العقد على عمل الطبيب وجهده مستعملا ماء الفحل ، والقاعدة الفقهية تقول : " يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا ". ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " ما لا يجوز الاستئجار له قصدا يجوز له تبعا " ينظر : " الزواجر" (1/ 382). وحصول الحمل من عدمه ليس هو محل العقد ، بل محل العقد القيام بالعملية ، وإلا فإن وقوع الحمل غير مضمون ، ولا يجوز العقد عليه لتلافي خطر الغرر .
ومع أن الشافعية قد نصوا على المنع من أخذ الأجرة على "ضراب الفحل" ؛ فإن بعض محققيهم قرر أن النهي متعلق بما إذا استأجر الفحل لينزو على الأنثى، وهذا ما قد لا يحصل، فالفحل قد ينزو بنفسه وقد لا ينزو ؛ ولكن إذا استأجر صاحبَ الفحل ليساعد في إطراق الفحل وتيسير طريقة إنزائه على الأنثى فلا حرج حينئذ.
جاء في "حواشي الشرواني ، على تحفة المحتاج" (4/292) :
" وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ : أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ : أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِلضِّرَابِ ؛ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يُنْزَى فَحْلُهُ عَلَى أُنْثَى ، أَوْ إنَاثٍ : صَحَّ ، قَالَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُبَاحٌ ، وَعَمَلُهُ مَضْبُوطٌ عَادَةً وَيَتَعَيَّنُ الْفَحْلُ الْمُعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ ، لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ ، فَإِنْ تَلِفَ أَيْ أَوْ تَعَذَّرَ إنْزَاؤُهُ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ اهـ …
لَكِنْ قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْإِنْزَاءَ وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ صَاحِبِ الْفَحْلِ ، إلَّا أَنَّ نَزَوَانَ الْفَحْلِ بِاخْتِيَارِهِ وَصَاحِبُهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ ؛ وَقَدْ يُجَابُ : بأنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ ، الَّذِي هُوَ الْإِنْزَاءُ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ : مُحَاوَلَةُ صُعُودِ الْفَحْلِ عَلَى الْأُنْثَى عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ، وَفِعْلُ الْفَحْلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ ، فَيُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةَ إذَا حَصَلَ الطُّرُوقُ بِالْفِعْلِ ، فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً . " انتهى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة