0 / 0
37,86524/04/2015

أدرك التشهد الأخير مع الإمام ثم دخل مع جماعة أخرى وهو يتم صلاته

السؤال: 204378

حضرت للمسجد متأخرا ، وأدركت التشهد الأخير فقط , ثم بدأت بجانبي جماعة ثانية ، وبدون أن أسلم التحقت بها ، وأكملت معهم ، فهل صلاتي صحيحة ؟

ملخص الجواب

وحاصل الجواب : أن الصلاة في الحالة المذكورة صحيحة ، لا حرج فيها إن شاء الله ، ولو أتمها لنفسه ، كما بدأها فهو أحوط ، أو يسلم من صلاته الأولى ، التي لم يدرك فيها الجماعة ، ثم يدخل الجماعة الثانية . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
نعم ، صلاتك صحيحة ، ولم نجد – بعد البحث – أحدا من العلماء تكلم عن هذه المسالة بعينها ، غير أنهم ذكروا بعض المسائل التي تشبهها .

وحاصل هذه المسألة : أن المصلي ابتدأ صلاته خلف إمام ، وأتمها خلف إمام آخر ، وهذا جائز لا حرج فيه ، إن شاء الله .
وقد دلت السنة على جوازه إذا كان لعذر ، وفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن ، وأقره عليه الصحابة رضي الله عنهم .
أما دلالة السنة ، فحديث سهل بن سعد رضي الله عنه : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ ، فَحَانَتِ الصَّلاَةُ ، فَجَاءَ المُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ التَفَتَ ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ)، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَيْهِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: ( يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ ، مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ ، فَلْيُسَبِّحْ ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) .
فهنا ابتدأ الصحابة صلاتهم بإمامة أبي بكر رضي الله عنه ، وأتموها بإمامة الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال ابن رجب رحمه الله : ” واستُدل بهذا الحَدِيْث عَلَى أن الإمام إذا سبقه الحدث : جاز لَهُ أن يستخلف بعض المأمومين؛ لأنه إذا جازت الصلاة بإمامين مَعَ إمكان إتمامها بالإمام الأول ، فمع عدم إمكان ذَلِكَ لبطلان صلاة الأول : أولى ” انتهى من ” فتح الباري ” (6/127) .

وأما فعل عمر فإنه رضي الله عنه ؛ فإنه لما طعن في صلاة الفجر قال : ” قَتَلَنِي أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ … وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ … فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلَاةً خَفِيفَةً ” رواه البخاري (3700) .
فهنا صلى المأمومون صلاتهم خلف إمامين ، ابتدؤوا الصلاة خلف عمر ، وأتموها خلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم .

ومثل ذلك أيضا : ما نص بعض العلماء على جوازه ، وهو أن يدخل مسبوقان مع صلاة الإمام ، ثم إذا سلم الإمام أتما ما بقي من صلاتهما جماعة معاً ، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على جواز ذلك ، ودليله : أنه انتقال من إمام إلى إمام ، وقد دلت السنة على جوازه .
قال البهوتي رحمه الله في “الروض المربع” (1/580) : “وإن سُبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة ، فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما : صح” انتهى .
علل ابن قاسم هذا الحكم بقوله : “لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة أخرى لعذر، فجاز ؛ كالاستخلاف” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” (3/316) تعليقا على هذه المسألة :
“فالمذهب: أن هذا جائز؛ وأنه لا بأس : أن يتَّفق اثنان دخلا وهما مسبوقان ببعض الصَّلاة ، على أن يكون أحدُهما إماماً للآخر، وقالوا: إن الانتقال من إمام إلى إمام آخر قد ثبتت به السُّنَّة ، كما في قضيَّةِ أبي بكر مع الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلامُ.
وقال بعض أصحاب الإمام أحمد: إن هذا لا يجوز …
والقول الأول أصحُّ، أي: أنه جائز ، ولكن لا ينبغي ؛ لأن ذلك لم يكن معروفاً عند السَّلف ، وما لم يكن معروفاً عند السَّلف ، فإن الأفضل تركه ؛ لأننا نعلم أنهم أسبق منَّا إلى الخير، ولو كان خيراً لسبقونا إليه ” انتهى .

ثانيا :
ذكر العلماء مسألة أخرى هي أبعد مما وردت في السؤال ، وهي : إذا افتتح صلاته منفردا ، ثم جاءت جماعة فدخل معهم ، هل تصح صلاته ؟
ذكر النووي رحمه الله في ذلك قولين للإمام الشافعي ، وأن أبا بكر الفارسي (هو أحمد بن الحسين بن سهل من فقهاء الشافعية توفي بعد سنة 339هـ ) اختار عدم الصحة ، قال النووي : وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ، ثم قال : وأصحهما باتفاق الأصحاب : يصح ، وهو نصه (يعني : الإمام الشافعي) في معظم كتبه الجديدة ” انتهى . “المجموع” (4/104-107) .
واستدل النووي رحمه الله على جواز ذلك بدليلين :
الدليل الأول : أنه يجوز أن يصلي بعض صلاته منفردا ثم يتمها مأموما ، كما يجوز أن يصلي بعض صلاته منفردا ثم يتمها إماما ، وذلك إذا ابتدأ صلاته منفردا ثم جاء من يصلي خلفه .
الدليل الثاني : حديث سهل بن سعد المتقدم ، علق عليه النووي قائلا : “فصار أبو بكر مقتديا في أثناء صلاته” انتهى . يعني : ومثله المنفرد الذي دخل مع الجماعة فإنه قد صار مقتديا أثناء صلاته ، وسيأتي هذا الدليل أيضا في كلام ابن قدامة رحمه الله ، لكن بألفاظ مختلفة .
قال رحمه الله في “الكافي” :
“إذا أحرم منفرداً فحضرت جماعة فأَحّبَّ أن يصلي معهم فقال أحمد رضي الله عنه : أعجب إليّ أن يقطع الصلاة ويدخل مع الإمام ، فإن لم يفعل ودخل معهم ففيه روايتان : إحداهما : لا يجزئه ، لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة ، والثانية : يجزئه ، لأنه لما جاز أن يجعل نفسه إماماً جاز أن يجعلها مأموماً” انتهى .
ويؤخذ من تعليل ابن قدامة للرواية الأولى بعدم الجواز “لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة” يؤخذ منه جواز المسألة الواردة في السؤال ، لأنه نوى الائتمام في ابتداء الصلاة ، غاية الأمر أنه انتقل من إمام إلى إمام آخر .

واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تعليقه على كتاب “الكافي” جواز انتقال المنفرد إلى الجماعة . انظر : “تعليق الشيخ ابن عثيمين على الكافي” (2/43) بترقيم الشاملة .
فإذا جاز لمن افتتح صلاته منفردا أن ينتقل إلى الجماعة ويصير مأموما ، فيجوز من باب أولى لمن ابتدأ صلاته مع إمام أن ينتقل إلى إمام آخر ، لأن نية الجماعة كانت موجودة من أول الصلاة .
قال النووي رحمه الله :
“قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ : إذَا افْتَتَحَ جَمَاعَةً ، ثُمَّ نَقَلَهَا إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى ، بِأَنْ أَحْرَمَ خَلْفَ جنب أو محدث لم يعلم حاله ، ثُمَّ عَلِمَ الْإِمَامُ ، فَخَرَجَ فَتَطَهَّرَ ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ ، فَأَلْحَقَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ ثَانِيًا ، أَوْ جَاءَ آخَرُ فَأَلْحَق الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِحَدَثِ الْأَوَّلِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : يَجُوزُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَتَكُونُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ انْعَقَدَتْ جَمَاعَةً ، ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمَاعَةً ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ ، بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا [ يعني : ففيه الخلاف السابق ] . وَكَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَ ، وَجَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ : فَإِنَّ الْمَأْمُومِينَ نَقَلُوا صَلَاتَهُمْ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ .
هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ نَحْوَهُ ” .
انتهى من “المجموع” (4/104-107) .
وقال ابن قدامة في “المغني” (2/510-511) :
“وَمَنْ أَجَازَ الِاسْتِخْلَافَ ، فَقَدْ أَجَازَ نَقْلَ الْجَمَاعَةِ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى ، لِلْعُذْرِ ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ … ثم ذكر حديث سهل بن سعد المتقدم في قصة أبي بكر رضي الله عنهما ، ثم قال : “وَهَذَا يُقَوِّي جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى حَالَ الْعُذْرِ” انتهى .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android