0 / 0

ضرب شخصا حتى أفقده الوعي ، وأخذ ماله ، فكيف يتوب من ذلك توبة صحيحة ؟

السؤال: 205691

إذا مارس الشخص الحرابة ، وقام بضرب شخص حتى فقد الوعي ، وسرق كل ماله ، ومن ثم اعتذر له ، وأعاد له كل ماله الذي سرقه : فهل يتوب بذلك ؟
أم يجب عليه أن يعرض نفسه للشخص ، لكي يأخذ حقه بيده ، كما أفقده الوعي ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الْحِرَابَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ – وَتُسَمَّى قَطْعَ الطَّرِيقِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ – : هِيَ الْبُرُوزُ لأِخْذِ مَالٍ ، أَوْ لِقَتْلٍ ، أَوْ لإِرْعَابٍ عَلَى سَبِيل الْمُجَاهَرَةِ ، مُكَابَرَةً ، اعْتِمَادًا عَلَى الْقُوَّةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ .
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّرِقَةِ : بِأَنَّ الْحِرَابَةَ هِيَ الْبُرُوزُ لأِخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ إِرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ .
أَمَّا السَّرِقَةُ فَهِيَ أَخْذُ الْمَال خُفْيَةً .
فَالْحِرَابَةُ : تَكْتَمِل بِالْخُرُوجِ عَلَى سَبِيل الْمُغَالَبَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ مَالٌ .
أَمَّا السَّرِقَةُ : فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ أَخْذِ الْمَال عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ .

والْمُحَارِبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: هُوَ كُل مُلْتَزِمٍ مُكَلَّفٍ أَخَذَ الْمَال بِقُوَّةٍ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْغَوْثِ

ولاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ عُقُوبَةَ الْمُحَارِبِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ لاَ تَقْبَل الإْسْقَاطَ وَلاَ الْعَفْوَ مَا لَمْ يَتُوبُوا قَبْل الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ .

وَالأْصْل فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المائدة / 33-34 .
ويَسْقُطُ حَدُّ الْحِرَابَةِ عَنِ الْمُحَارِبِينَ بِالتَّوْبَةِ قَبْل الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ ، وَذَلِكَ فِي شَأْنِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ حَقًّا لِلَّهِ ، وَهُوَ تَحَتُّمُ الْقَتْل ، وَالصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ مِنْ خِلاَفٍ ، وَالنَّفْيِ ، وَهَذَا مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ .
أَمَّا حُقُوقُ الآْدَمِيِّينَ فَلاَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ ، فَيَغْرَمُونَ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الْمَال عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إِنْ كَانَ الْمَال قَائِمًا، وَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ إِذَا قَتَلُوا ، وَلاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِعَفْوِ مُسْتَحِقِّ الْحَقِّ فِي مَالٍ أَوْ قِصَاصٍ .
انظر : “الموسوعة الفقهية” (17/ 153-164) ، (24/ 293) .
ثانيا :
” شروط التوبة الصحيحة هي:
1 – الإقلاع عن الذنب.
2 – الندم على ما فات.
3 – العزم على عدم العودة إليه.
وإن كانت التوبة من مظالم العباد في مال أو عرض أو نفس ، فتزيد شرطا رابعا، هو: استباحته والتحلل منه، أو إعطاؤه حقه ” .
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (24/ 310-311) .

وأيا ما كان الأمر في الصورة المذكورة في السؤال : هل هي حرابة حقا ، كما أسماها السائل ، أو إن واقع الحادثة لم يكن حرابة ؛ فإن شرط صحة التوبة فيما يتعلق بحقوق العباد : رد المظالم إلى أهلها ، أو التحلل منهم ، فإن كانت المظلمة سرقة أو غصبا أو أكلا للمال بالباطل ، بأي وجه من الوجوه : فإنه يجب على الظالم التوبة إلى الله ورد المظلمة إلى أصحابها ، وتمكينهم من أخذ حقهم ، والقصاص العدل من المعتدي والبغي ، أو التحلل منهم .

قال ابن حزم رحمه الله :
” وأما التوبة من ضرب إنسان : فهو بأن يمكن الإنسان من نفسه ليقتص منه أو ليعفو ” انتهى من رسائل ابن حزم” (3/ 183) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة : وَهِيَ الْقِصَاص فِي اللَّطْمَة وَالضَّرْبَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يُمْكِن لِلْمُقْتَصِّ أَنْ يَفْعَل بِخَصْمِهِ مِثْل مَا فَعَلَهُ بِهِ مِنْ كُلّ وَجْه : هَلْ يَسُوغ الْقِصَاص فِي ذَلِكَ , أَوْ يَعْدِل إِلَى عُقُوبَته بِجِنْسٍ آخَرَ , وَهُوَ التَّعْزِير ؟
عَلَى قَوْلَيْنِ ، أَصَحّهمَا : أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ الْقِصَاص , وَهُوَ مَذْهَب الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ , ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، حَكَاهُ عَنْهُمْ أَحْمَد وَأَبُو إِسْحَاق الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَم , وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَام أَحْمَد فِي رِوَايَة الشَّالِنْجِيّ وَغَيْره , قَالَ شَيْخنَا رَحِمَهُ اللَّه : وَهُوَ قَوْل جُمْهُور السَّلَف ” انتهى من “تهذيب السنن” (2 /310) .
وقال ابن القيم رحمه الله ، أيضا :
” وَفِي الْعُقُوبَةِ بِجِنْسِ مَا فَعَلَهُ تَحَرٍّ لِلْمُمَاثِلَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ، فَإِنَّهُ قِصَاصٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ فِي مِثْلِ الْمَحَلِّ الَّذِي ضَرَبَ فِيهِ بِقَدْرِهِ ، وَقَدْ يُسَاوِيهِ ، أَوْ يَزِيدُ قَلِيلًا، أَوْ يَنْقُصُ قَلِيلًا ، وَذَلِكَ عَفْوٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ ” انتهى من “إعلام الموقعين” (1/ 241-242) .
راجع للاستزادة جواب السؤال رقم : (169633) ، ورقم : (148203) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android