0 / 0

هل يجوز تحفيظ القرآن للأطفال بالرسوم التوضيحية؟

السؤال: 209088

نرجو منكم مشاهدة هذه الفيديوهات ، التي هي عبارة عن تلاوة لجزء عم ، مع وضع صور توضيحية . الهدف منها أن يتم ربط كلام الله بصور توضيحية تعين الطفل على الحفظ والفهم بسهولة . المشكلة أني قرأت رداً على أحد الفيديوهات يقول إنها شيعية . فهل كلامه صحيح ? وماذا تنصحونا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
وسائل تعليم الأطفال تحكمها قواعد العادات المطلقة ، وليس قواعد العبادات التوقيفية ، والتوسع في الوسائل والعادات إحدى أهم أسباب صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان ، ومن أهم القواعد التي يجب على المفتي التنبه لها قبل إصدار الأحكام .
وقد تطورت وسائل التعليم في عصور النهضة تطورا كبيرا ، وتنافست فيه المدارس التعليمية لتحقيق أفضل نتيجة في التأثير في عقول الناشئة ، وتقريب المعلومة لهم بالشكل الصحيح والقالب المفيد ، فلم تعد العملية التعليمية تلقينية ترتكز على النص والسماع ، بل ـ كذلك ـ على حاستي البصر واللمس ، الأمر الذي اقتضى إدخال عنصر الصورة الثابتة والمتحركة ، وعنصر التفاعل والحركة والممارسة اليدوية الحقيقية ، كلها عناصر أدت إلى تطور العملية التعليمية بالشكل الذي نراه اليوم .
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيد المعلمين – وسائل تعليمية مؤثرة بحسب ما كان متيسرا في زمانه ، فاستعمل رسم الأشكال المناسبة للفكرة ، كما ثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : ( خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا ، وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ . وَقَالَ : هَذَا الإِنْسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ) رواه البخاري (6417).
واستعمل عليه الصلاة والسلام أسلوب التعليم بالفعل ؛ لأنه أوقع في النفس ، وأثبت في الذاكرة ، فصلى على المنبر – أول ما صُنع – بين يدي الناس ثم قال : ( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي ) رواه البخاري (917) ، ومسلم (544) .
كما تميز أسلوبه عليه الصلاة والسلام بضرب الأمثلة التي تقرب الصورة والفكرة ، من خلال التشبيه البلاغي بأنواعه المختلفة ، ومن أمثلته حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا ، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا ، وَنَجَوْا جَمِيعًا ) رواه البخاري (2493) .
وهكذا يعلمنا عليه الصلاة والسلام أن الوسائل التعليمية باب مفتوح من أبواب العادات ، جاءت الشريعة بالتيسير فيها ورفع الحرج عنها ، ليتخذ البشر ما يناسب زمانهم ومكانهم ، المهم أن يحققوا أفضل النتائج في تبليغ دعوة الحق والصدق ، ونشر القيم ومحاسن الأخلاق .

ثانيا :
إذا كان الحكم الأصلي في هذه الوسيلة التعليمية والتعبيرية : هو الإطلاق والإباحة ؛ فإن ذلك لا يعني تنزيله على تعليم “نص” القرآن الكريم ، بهذا الإطلاق ، وعرضه معه أثناء التلاوة ؛ فإن مثل هذا العمل ينبغي التأني فيه غاية ما يكون من التأني والتمهل ، وإذا ترخص مترخص في ذلك ، فلا يحل له أن يُطَرِّق مثل هذا التصوير على أمور الغيب ، سواء كان ذلك ماضيا لم نشهده ، أو حاضرا غاب عنا وصفه وهيئته ، كحال الجنة والنار ، وأهوال القبور ، وعالم الملائكة ، بل وعالم الجن والشياطين أيضا ، أو كان ذلك الغيب مما يحكي شيئا من أحوال البعث والنشور والدار الآخرة .
وإذا نقلت صورة لشيء من الحاضر المادي المحسوس الذي يبلغه علم الناس ، ونظرهم ؛ فلا بد أن يكون تقرير أن هذا هو المراد من الآية المتلوة صحيحا منضبطا ، يقره أهل العلم ، الذين يُفترض إشرافهم على مثل تلك المواد .
ومثل هذا التمييز بين عالم الغيب ، الذي يمنع تصويره ، وعالم الشهادة ، الذي يباح عرض شيء من صوره ، متى علمنا أنها المراد من معنى الآية ؛ مثل هذا التمييز يصعب جدا ضبطه في مثل “جزء عم” الذي تدور جل مقاصده على عالم الغيب ، وأمور الدار الآخرة .

وينظر ما سبق حول هذه المسألة ، في موقعنا ، في الفتوى رقم : (131472) .

ثانيا :
أما المقاطع التي ورد رابطها في السؤال ، فقد تابعنا أكثرها ، فوجدنا فيها مخالفات شرعية ظاهرة ، ومنكرات شنيعة ، تستوجب التحذير منها ، والعمل على تصويبها في أي إنتاج يشرف عليه أهل العلم والفضل في المستقبل . فمن ذلك :
1. تصوير أجساد الرسل والأنبياء مع إخفاء معالم وجوههم الشريفة ، وهذا ما يمنعه جماهير العلماء المعاصرين ؛ لأن جميع التفاصيل المتعلقة بالرسل والأنبياء – حتى هيئاتهم وحركاتهم – محل تعظيم وإجلال ، فتصويرها ينزل بمقامها السامي ولا بد ، ويعرض المقام التشريعي الخاص بها إلى التحريف والتشويه .

2. تصوير الملائكة على شكل يشبه البشر ، لكن مع أجنحة طائرة ، وبوجه يشبه ما لدى النصارى في كنائسهم ومنازلهم من تصوير للمسيح وأمه مريم عليهما السلام ، وتصوير الملائكة أيضا كذب وزور ، وشهادة على أمر من الغيب بالباطل ، والخرص والظنون .

3. التلاوة ليست متقنة ، وتشتمل على إخلال كبير في أحكام التجويد المعروفة ، وقد كان الأجدر في مثل هذه المشاهد التعليمية أن تبلغ درجة عالية من الإتقان والتمحيص .

4. تصوير عالم الجنة والنار أو عالم الغيب وما ورد في القرآن الكريم من تفاصيل تخبر عنه ، وتبين وصفه وخبره . وقد بين العلماء حكم تصوير ذلك في فتاوى عديدة ، ننقل هنا بعضها :
سئلت اللجنة الدائمة (المجموعة الثالثة 1/140) السؤال الآتي :
” اطلعت على منشورة باسم (طريق المستقبل) وهو مكون من رسمة لليوم الآخر من الصراط والميزان والجنة والنار…فأرجو منكم توضيح الحق في هذه الأمور ؟
فكان الجواب :
لا يجوز توزيع هذه النشرة التي هي بعنوان ( طريق المستقبل )؛ لما تشتمل عليه من تصوير أمور غيبية من أمور الآخرة كالجنة والنار والصراط والميزان ؛ لأن هذه الأمور لا يحيط العقل بكيفيتها ؛ ولأن هذا العمل يقلل من أهميتها ، وهو عمل مستحدث ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من محدثات الأمور ، فالواجب منع طباعتها ونشرها وتوزيعها ” انتهى .
عبد العزيز آل الشيخ – صالح الفوزان – عبد الله بن غديان – عبد الله الركبان – أحمد المباركي

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ما حكم رسم بستان كأنه يمثل الجنة ، ونار كأنها تمثل النار ؟
فأجاب :
هذا لا يجوز ؛ لأننا لا نعلم كيفية ذلك ، كما قال عز وجل : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17. ولا يعلم كيفية النار ، فهي فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءا ، بما فيها النار الغليظة كنار الغاز وغيرها ، وما هو أشد ، فهل أحد يستطيع أن يمثل النار ؟ لا أحد يستطيع ، ولهذا : بلِّغْ من يفعل ذلك أن هذا حرام ، ومع الأسف الشديد أن الناس الآن بدؤوا يجعلون الأمور الأخروية كأنها أمور حسية مشاهدة ” .
انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” .
وقد سبق تقرير ذلك في موقعنا في الفتاوى رقم : (103075) ، (22723) .

5. يبدو أن الإشراف على هذه المقاطع كان من بعض الرافضة ، بدليل العلامة الظاهرة أعلى الشاشة من جهة الشمال ، وبدليل أسماء من قاموا بتحميل تلك المقاطع . وهذا أمر يدعو إلى الريب والتوقف ؛ إذ لا بد من إشراف لجان متخصصة من المفسرين والتربويين ، ممن عرفوا بالاستقامة وسلامة المنهج ، والأهلية العلمية والتربوية لمثل ذلك ؛ لا بد من إشراف أمثال هؤلاء على مثل هذه المقاطع التصويرية ، وعدم تركها نهبة لأفراد يجتهدون بطريقتهم في عرض معاني القرآن الكريم مصورة ، فيقعون في ما سبق من محاذير ، ويستغلون براءة الطفولة في توجيه تفسير الآيات القرآنية الوجهة التي يريدون ويطلبون . خاصة وأن المحاذير التي ينبغي تجنبها في هذا الإطار كثيرة ، تتكشف بالاشتغال في التأمل بالآيات الكريمة ، والنظر فيما يمكن تقريبه لأذهان الطفل من رسوم ، ولا يخفى كثرة المعاني والمقاصد التي يشتمل عليها القرآن الكريم ، فلا يمكننا وضع ضوابط عامة هنا تشملها جميعها ، لهذا كان لا بد من إشراف العلماء الثقات على إنتاج مثل هذه الوسائل التعليمية .
والخلاصة مما سبق أننا لا نعارض أصل فكرة استعمال الرسوم للأطفال في توضيح بعض معاني القرآن الكريم ، ولكننا نعارض ما يقع خلال ذلك من مخاطر ومفاسد ، ونحذر من التجاوزات التي تهين القرآن ولا ترفعه في نفوس الناشئة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android