هل الحديث التالي صحيح ؟
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ” أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى يَعْنِي رَاجِعًا” .
صحيح (الألباني) .
أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم النحر في حجة الوداع ؟
السؤال: 209327
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
روى مسلم (1308) عَنِ ابْنِ عُمَرَ : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى ” ، قَالَ نَافِعٌ : ” فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفِيضُ يَوْمَ النَّحْرِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى ، وَيَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ ” .
وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( … ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ )
رواه مسلم (1218) .
فاختلف العلماء في هذين الحديثين الصحيحين :
1 – فمنهم من جمع بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف الإفاضة ثم صلى الظهر بمكة أول وقتها ، ثم رجع إلى منى فصلى بهم الظهر مرة أخرى ، فكانت الأولى له فرضا ، والثانية نافلة .
قال النووي رحمه الله :
” وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ مَرَّةً أُخْرَى بِأَصْحَابِهِ حِينَ سَأَلُوهُ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِالظُّهْرِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بِمِنًى ” .
انتهى من “شرح النووي على مسلم” (8/ 193) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
” فَإِنْ عَمِلْنَا بِهِمَا : أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَوَجَدَ النَّاسَ يَنْتَظِرُونَهُ ، فَصَلَّى بِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرُجُوعُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى مِنًى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مُمْكِنٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ صَيْفًا ، وَالنَّهَارُ طَوِيلٌ ” انتهى من “البداية والنهاية” (7/ 622) .
وقال الشوكاني رحمه الله :
” وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ .
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ: إنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَوَجَدَ أَصْحَابَهُ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ مُتَنَفِّلًا ، لِأَمْرِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِذَلِكَ لِمَنْ وَجَدَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ وَقَدْ صَلَّى ” انتهى من “نيل الأوطار” (5/ 86) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
” اختلف العلماء- رحمهم الله- في هذا :
فمنهم من سلك طريق الترجيح ، ومنهم من سلك طريق الجمع .
والصحيح سلوك طريق الجمع ، لأن الحديثين كلاهما صحيح بلا شك ، وإذا صح الحديثان، وأمكن الجمع : لم يُعدَلْ إلى الترجيح.
والجمع بينهما ممكن ، بأن يقال: إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – صلى الظهر بمكة ، ثم خرج إلى منى ، فوجد بعض أصحابه لم يصل ، فصلى بهم إماما، فصلاته في منى معادة ، كما كان يفعل معاذ رضي الله عنه مع قومه ، يصلي مع النبي – صلى الله عليه وسلم – العشاء ، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (24/ 550) .
وقيل في الجمع غير ذلك .
قال العيني رحمه الله :
” وَقَالَ محب الدّين الطَّبَرِيّ : الْجمع بَين الرِّوَايَات كلهَا مُمكن، إِذْ يحْتَمل أَن يكون صلَّى مُنْفَردا فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ ، ثمَّ مَعَ جمَاعَة فِي الآخر، أَو صلى بِأَصْحَابِهِ بمنى ، ثمَّ أَفَاضَ فَوجدَ قوما لم يصلوا فصلى بهم ، ثمَّ لما رَجَعَ إِلَى منى، وجد قوما آخَرين فصلى بهم لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يتقدمه أحد فِي الصَّلَاة .
أَو كرر الصَّلَاة بِمَكَّة وَمنى : ليتبين جَوَاز الْأَمريْنِ فِي هَذَا الْيَوْم ، توسعة على الْأمة .
وَيجوز أَن يكون أذن فِي الصَّلَاة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ فنسبت إِلَيْهِ ” .
انتهى من “عمدة القاري” (10/ 69) .
2 – ومنهم من رجح حديث جابر ، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم النحر بمكة .
قال ابن القيم رحمه الله :
” اخْتَلَفَ النَّاس فِي ذَلِكَ , فَرَجَّحَتْ طَائِفَة , مِنْهُمْ اِبْن حَزْم وَغَيْره , حَدِيث جَابِر وَأَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِمَكَّة .
قَالُوا : وَقَدْ وَافَقَتْهُ عَائِشَة , وَاخْتِصَاصهَا بِهِ وَقُرْبهَا مِنْهُ , وَاخْتِصَاص جَابِر , وَحِرْصه عَلَى الِاقْتِدَاء بِهِ , أَمْر لَا يُرْتَاب فِيهِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَة وَحَلَقَ رَأْسه , وَخَطَبَ النَّاس , وَنَحَرَ مِائَة بَدَنَة هُوَ وَعَلِيّ , وَانْتَظَرَ حَتَّى سُلِخَتْ , وَأَخَذَ مِنْ كُلّ بَدَنَة بِضْعَة , فَطُبِخَتْ وَأَكَلَا مِنْ لَحْمهَا . قَالَ اِبْن حَزْم : وَكَانَتْ حَجَّته فِي آذَار , وَلَا يَتَّسِع النَّهَار لِفِعْلِ هَذَا جَمِيعه , مَعَ الْإِفَاضَة إِلَى الْبَيْت وَالطَّوَاف وَصَلَاة الرَّكْعَتَيْنِ , ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مِنًى , وَوَقْت الظُّهْر بَاقٍ ” انتهى من “تهذيب السنن” (1/269-270) .
3 – ومنهم من رجح حديث ابن عمر ، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم النحر بمنى .
قال ابن القيم :
” وَقَالَتْ طَائِفَة , مِنْهُمْ شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَة وَغَيْره : الَّذِي يُرَجِّح أَنَّهُ إِنَّمَا صَلَّى الظُّهْر بِمِنًى , وُجُوه :
أَحَدهَا : أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْر بِمَكَّة ، لَأَنَابَ عَنْهُ فِي إِمَامَة النَّاس بِمِنًى إِمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْر , وَلَمْ يَنْقُل ذَلِكَ أَحَد . وَمُحَال أَنْ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ الظُّهْر بِمِنًى نَائِب لَهُ , وَلَا يَنْقُلهُ أَحَد .
الثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِمْ بِمَكَّة لَكَانَ أَهْل مَكَّة مُقِيمِينَ , فَكَانَ يَتَعَيَّن عَلَيْهِمْ الْإِتْمَام , وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” أَتِمُّوا صَلَاتكُمْ فَإِنَّا قَوْم سَفْر ” كَمَا قَالَهُ فِي غُزَاة الْفَتْح .
الثَّالِث : أَنَّهُ يُمْكِن اِشْتِبَاه الظُّهْر الْمَقْصُورَة بِرَكْعَتَيْ الطَّوَاف , وَلَا سِيَّمَا وَالنَّاس يُصَلُّونَهُمَا مَعَهُ , وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيهِمَا فَظَنَّهُمَا الرَّائِي الظُّهْر .
وَأَمَّا صَلَاته بِمِنًى وَالنَّاس خَلْفه : فَهَذِهِ لَا يُمْكِن اِشْتِبَاههَا بِغَيْرِهَا أَصْلًا , لَا سِيَّمَا وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَام الْحَجّ الَّذِي لَا يُصَلِّي لَهُمْ سِوَاهُ , فَكَيْف يَدَعهُمْ بِلَا إِمَام يُصَلُّونَ أَفْرَادًا ، وَلَا يُقِيم لَهُمْ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ ؟ هَذَا فِي غَايَة الْبُعْد .
وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَقَدْ فَهِمَ مِنْهُ جَمَاعَة – مِنْهُمْ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره – أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِمِنًى , ثُمَّ أَفَاضَ إِلَى الْبَيْت بَعْد مَا صَلَّى الظُّهْر , لِأَنَّهَا قَالَتْ : ” أَفَاضَ مِنْ آخِر يَوْمه حِين صَلَّى الظُّهْر , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى ” . قَالُوا : وَلَعَلَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِأَصْحَابِهِ , ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَكَّة فَصَلَّى الظُّهْر بِمَنْ لَمْ يُصَلِّ , كَمَا قَالَ جَابِر , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَرَأَى قَوْمًا لَمْ يُصَلُّوا فَصَلَّى بِهِمْ ثَالِثَة , كَمَا قَالَ اِبْن عُمَر .
وَهَذِهِ حَرْفَشَة فِي الْعِلْم , وَطَرِيقَة يَسْلُكهَا الْقَاصِرُونَ فِيهِ , وَأَمَّا فُحُول أَهْل الْعِلْم , فَيَقْطَعُونَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ , وَيُحِيلُونَ الِاخْتِلَاف عَلَى الْوَهْم وَالنِّسْيَان , الَّذِي هُوَ عُرْضَة الْبَشَر .
وَمَنْ لَهُ إِلْمَام بِالسُّنَّةِ وَمَعْرِفَة بِحِجَّتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يقْطَع بِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْر فِي ذَلِكَ الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات بِثَلَاثِ جَمَاعَات , بَلْ وَلَا مَرَّتَيْنِ ، وَإِنَّمَا صَلَّاهَا عَلَى عَادَته الْمُسْتَمِرَّة قَبْل ذَلِكَ الْيَوْم وَبَعْده , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَفَهِمَ مِنْهُ آخَرُونَ – مِنْهُمْ اِبْن حَزْم وَغَيْره – أَنَّهُ أَفَاضَ حِين صَلَّاهَا بِمَكَّة .
وَفِي نُسْخَة مِنْ نُسَخ السُّنَن ” أَفَاضَ حَتَّى صَلَّى الظُّهْر ثُمَّ رَجَعَ ” ، وَهَذِهِ الرِّوَايَة ظَاهِرَة فِي أَنَّهُ صَلَّاهَا بِمَكَّة , كَمَا قَالَ جَابِر , وَرِوَايَة ” حِين ” مُحْتَمِلَة لِلْأَمْرَيْنِ , وَاَللَّه أَعْلَم ” انتهى من “تهذيب السنن” (1/270-272) .
وقال في “زاد المعاد” (2/ 283):
” الصَّحِيحُ أَنَّهُ صَلَّاهَا بِمِنًى ” انتهى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب