0 / 0
93,89904/01/2014

قال للمشتري عن طريق الهاتف بعد إلحاح شديد بعتك ثم تراجع وباعها لشخص آخر.

السؤال: 209392

عرضت سيارتي في أحد المواقع الالكترونية للبيع وقام شخص بالاتصال علي ، وقمت بمواعدته ورأى السيارة وقمت بالاتفاق مبدئيا على السعر ، وطلبت منه مهلة حتى أفكر ، وخلال هذه المدة أصبح يقوم بالاتصال علي دوما ، وأصبح يلح علي لكي أبيع السيارة ، وفي آخر مكالمة ألح علي إلحاحا شديد أن أقول له : بعتك ، وقلت له : بعتك -محرجا منه- ، ثم قال : شريت ، ثم بعد إغلاق الهاتف استدركت وخشيت أن تقع مشكله معه ، فقررت أن أرسل له رسالة أقول له : إني تراجعت عن البيع ، الآن أنا بعت السيارة على شخص آخر ، لكن الرجل الأول لا يزال يتصل علي ويقول : أنا لن أسامحك لأنك لم تبع السيارة لي ، وأنا قد اتفقت معك على البيع .
هل علي شيء الآن ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
العقد عن طريق الهاتف تنطبق عليه أحكام العقد مع حضور المتعاقدين ، جاء في قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم : 52 ( 3/6) ما يلي:
“إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي ، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدا بين حاضرين ” .

ثانيا :
لا يلزم البيع بعد انعقاده إلا بانقطاع وقت الخيار ، وقد روى البخاري (2079) ، ومسلم (1532) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) .
وقد اختلف أهل العلم المعاصرون في خيار المجلس لعقد البيع الذي تم عن طريق الهاتف :
فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“إذا تبايع رجلان بالهاتف فإنه في هذه الحال لا خيار، بمجرد ما يقول أحد : بعت والثاني يقول: اشتريت وجب البيع ” . انتهى من “الشرح الممتع” (8 / 262) .

وقال آخرون بثبوت الخيار فيه إلى إنهاء المكالمة فإذا انتهى الاتصال فقد انتهت مدة خيار المجلس ، وهو اختيار الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله في شرحه على أخصر المختصرات ، واختيار الدكتور علي القره داغي.
وعلى كلا القولين : فقد انقطع وقت خيار المجلس في حقك قبل رسالتك إليه .

ثالثا:
من شروط انعقاد البيع التراضي من المتعاقدين ؛ قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) النساء/29 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” الأصل في العقود هو التراضي المذكور في قوله : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم النساء/29 ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (4/5).

والطريقة التي يستدل بها على التراضي من الطرفين هو الإيجاب والقبول الخالي من الإكراه ، ولهذا فإن من عقد البيع بالإيجاب والقبول فقد انعقد بيعه ، وترتبت عليه آثاره في انتقال ملكية الثمن للبائع وانتقال ملكية المبيع للمشتري.
والأحكام عند النزاع والرفع إلى القضاء إنما تجرى على الظاهر : والظاهر هنا : انعقاد البيع ، ولكن نظرا لكونك قلت “بعتك” محرجا منه –كما ذكرت – أي أن حقيقة الرضى لم يكن موجودا منك ، فإن هذه المسألة اختلف فيها العلماء – رحمهم الله – من حيث الحكم باطنا وديانة لا قضاء، هل ينعقد البيع هنا أم لا ؟ على قولين:
القول الأول :
عدم اعتبار الحياء والإحراج عذرا مانعا من انعقاد البيع .
جاء في كتاب “الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام” المسمى “شرح ميارة” (2/ 12) من كتب المالكية :
“فصل في بيع المضغوط [أي المكره]
وَمَنْ يَبِعْ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِي … بِالْقَهْرِ مَالًا تَحْتَ ضَغْطٍ مَرْعِي
فَالْبَيْعُ إنْ وَقَعَ مَرْدُودٌ وَمَنْ … بَاعَ يَجُوزُ الْمُشْتَرَى دُونَ ثَمَنْ “
قال في الشرح: “ومفهوم وصف الضغط ، بكونه مرعيا : أن الضغط غير المرعي شرعا : لا عبرة به ، وهو كالعدم ، وذلك كالحياء .” .

والقول الثاني :
أن من عقد البيع حياء : أنه لا ينعقد بيعه في الباطن ، لعدم وجود شرط الرضا منه.
جاء في “نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج” (7/ 34) من كتب الشافعية :
” قال في المطلب : ولا يجيء هذا الخلاف في نحو بيع بلا رضا ولا إكراه ، بل يقطع بعدم حله باطنا ؛ لقوله تعالى : ( عن تراض منكم )[النساء: 29] . وحمله الأذرعي على نحو بيع لنحو حياء ” .

وهذا القول أقرب ؛ لعدم تحقق شرط الرضا عند من عقده حياء وخجلا.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – :
“ومثل ذلك : ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً وخجلاً، فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه ما دمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك ” .

والحاصل :
أنه إن كنت قلت ” بعتك” راضيا ثم ندمت على ذلك : فالبيع تام منعقد فتصرفك في المبيع بعد ذلك تصرف غير صحيح ، ولابد أن تتحلل من صاحبك ، فإذا طابت نفسه كان ذلك بمثابة الإجازة منه لبيعك الثاني ، وإن لم تطب نفسه فبيعك الثاني غير صحيح ؛ لأنك بعت ما لا تملك ، فالحق للأول في استرجاع السيارة أو التعويض عن القيمة بعد الرجوع إلى جهة تفصل بينكم في مقدارها.

وإن كنت قلتها تحت ضغط الإلحاح منه ، والحياء منك ، ولم يحصل منك الرضا : فلا يلزمك البيع الحاصل بالهاتف ، على ما سبق ذكره ، ولا حرج عليك في بيعك للسيارة على غيره ، والله عليم بالنيات مطلع على ما في الضمير.
وعلى كل حال : فتطييب قلبك صاحبك ، واستسماحه : أولى بكل حال .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android