عرضت سيارتي في أحد المواقع الالكترونية للبيع وقام شخص بالاتصال علي ، وقمت بمواعدته ورأى السيارة وقمت بالاتفاق مبدئيا على السعر ، وطلبت منه مهلة حتى أفكر ، وخلال هذه المدة أصبح يقوم بالاتصال علي دوما ، وأصبح يلح علي لكي أبيع السيارة ، وفي آخر مكالمة ألح علي إلحاحا شديد أن أقول له : بعتك ، وقلت له : بعتك -محرجا منه- ، ثم قال : شريت ، ثم بعد إغلاق الهاتف استدركت وخشيت أن تقع مشكله معه ، فقررت أن أرسل له رسالة أقول له : إني تراجعت عن البيع ، الآن أنا بعت السيارة على شخص آخر ، لكن الرجل الأول لا يزال يتصل علي ويقول : أنا لن أسامحك لأنك لم تبع السيارة لي ، وأنا قد اتفقت معك على البيع .
هل علي شيء الآن ؟
قال للمشتري عن طريق الهاتف بعد إلحاح شديد بعتك ثم تراجع وباعها لشخص آخر.
السؤال: 209392
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
العقد عن طريق الهاتف تنطبق عليه أحكام العقد مع حضور المتعاقدين ، جاء في قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم : 52 ( 3/6) ما يلي:
“إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي ، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدا بين حاضرين ” .
ثانيا :
لا يلزم البيع بعد انعقاده إلا بانقطاع وقت الخيار ، وقد روى البخاري (2079) ، ومسلم (1532) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) .
وقد اختلف أهل العلم المعاصرون في خيار المجلس لعقد البيع الذي تم عن طريق الهاتف :
فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“إذا تبايع رجلان بالهاتف فإنه في هذه الحال لا خيار، بمجرد ما يقول أحد : بعت والثاني يقول: اشتريت وجب البيع ” . انتهى من “الشرح الممتع” (8 / 262) .
وقال آخرون بثبوت الخيار فيه إلى إنهاء المكالمة فإذا انتهى الاتصال فقد انتهت مدة خيار المجلس ، وهو اختيار الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله في شرحه على أخصر المختصرات ، واختيار الدكتور علي القره داغي.
وعلى كلا القولين : فقد انقطع وقت خيار المجلس في حقك قبل رسالتك إليه .
ثالثا:
من شروط انعقاد البيع التراضي من المتعاقدين ؛ قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) النساء/29 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” الأصل في العقود هو التراضي المذكور في قوله : إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم النساء/29 ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (4/5).
والطريقة التي يستدل بها على التراضي من الطرفين هو الإيجاب والقبول الخالي من الإكراه ، ولهذا فإن من عقد البيع بالإيجاب والقبول فقد انعقد بيعه ، وترتبت عليه آثاره في انتقال ملكية الثمن للبائع وانتقال ملكية المبيع للمشتري.
والأحكام عند النزاع والرفع إلى القضاء إنما تجرى على الظاهر : والظاهر هنا : انعقاد البيع ، ولكن نظرا لكونك قلت “بعتك” محرجا منه –كما ذكرت – أي أن حقيقة الرضى لم يكن موجودا منك ، فإن هذه المسألة اختلف فيها العلماء – رحمهم الله – من حيث الحكم باطنا وديانة لا قضاء، هل ينعقد البيع هنا أم لا ؟ على قولين:
القول الأول :
عدم اعتبار الحياء والإحراج عذرا مانعا من انعقاد البيع .
جاء في كتاب “الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام” المسمى “شرح ميارة” (2/ 12) من كتب المالكية :
“فصل في بيع المضغوط [أي المكره]
وَمَنْ يَبِعْ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِي … بِالْقَهْرِ مَالًا تَحْتَ ضَغْطٍ مَرْعِي
فَالْبَيْعُ إنْ وَقَعَ مَرْدُودٌ وَمَنْ … بَاعَ يَجُوزُ الْمُشْتَرَى دُونَ ثَمَنْ “
قال في الشرح: “ومفهوم وصف الضغط ، بكونه مرعيا : أن الضغط غير المرعي شرعا : لا عبرة به ، وهو كالعدم ، وذلك كالحياء .” .
والقول الثاني :
أن من عقد البيع حياء : أنه لا ينعقد بيعه في الباطن ، لعدم وجود شرط الرضا منه.
جاء في “نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج” (7/ 34) من كتب الشافعية :
” قال في المطلب : ولا يجيء هذا الخلاف في نحو بيع بلا رضا ولا إكراه ، بل يقطع بعدم حله باطنا ؛ لقوله تعالى : ( عن تراض منكم )[النساء: 29] . وحمله الأذرعي على نحو بيع لنحو حياء ” .
وهذا القول أقرب ؛ لعدم تحقق شرط الرضا عند من عقده حياء وخجلا.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – :
“ومثل ذلك : ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً وخجلاً، فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه ما دمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك ” .
والحاصل :
أنه إن كنت قلت ” بعتك” راضيا ثم ندمت على ذلك : فالبيع تام منعقد فتصرفك في المبيع بعد ذلك تصرف غير صحيح ، ولابد أن تتحلل من صاحبك ، فإذا طابت نفسه كان ذلك بمثابة الإجازة منه لبيعك الثاني ، وإن لم تطب نفسه فبيعك الثاني غير صحيح ؛ لأنك بعت ما لا تملك ، فالحق للأول في استرجاع السيارة أو التعويض عن القيمة بعد الرجوع إلى جهة تفصل بينكم في مقدارها.
وإن كنت قلتها تحت ضغط الإلحاح منه ، والحياء منك ، ولم يحصل منك الرضا : فلا يلزمك البيع الحاصل بالهاتف ، على ما سبق ذكره ، ولا حرج عليك في بيعك للسيارة على غيره ، والله عليم بالنيات مطلع على ما في الضمير.
وعلى كل حال : فتطييب قلبك صاحبك ، واستسماحه : أولى بكل حال .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب