تنزيل
0 / 0

الجواب عن الأحاديث الدالة على زيارة النساء للقبور .

السؤال: 210114

قرأت الفتوى بأنه لا يجوز للمرأة زيارة القبور ، ولكن وجدت بعض الأدلة تدل على جوازها ، مثل : رَوَى بِسْطَامُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : ” أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْمَقَابِرِ ، فَقُلتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ ؟ ، قَالَتْ : مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، فَقُلْتُ لَهَا : أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ نَهَى ثُمَّ أَمَرَنَا بِزِيَارَتِهَا ” رواه البيهقي ، والحاكم ، وأيضاً الحديث عندما سألت عائشة الرسول عليه السلام عن دعاء تقوله عندما تزور القبر ، حديث صححه الألباني في ” صحيح الجامع ” عن مسلم و النسائي .
فما هو الجواب عن هذه الأحاديث التي تبيح للمرأة زيارة القبور ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

زيارة النِّساء للقبور من المسائل التي اختلفَ فيها أهلُ العِلْم قديمًا وحديثًا،
والحديثان المذكوران في السؤال : هما من الأدلَّة التي استدلَّ بها العلماءُ
القائلون بجواز زيارة النِّساء للقبور على مشروعيَّة ذلك .
والراجح من قولَي العلماء : أنَّ زيارة القبور لا تجوز للنِّساء ، راجع سؤال : (8198)
، (131847).
وقد أجابَ المانِعون من زيارة النِّساء للقبور عن هذين الحديثَين بالأجوبة الآتية :

الجواب عن الحديث الأول:
يُجاب عن هذا الحديث من وجهَين:
الأول:
قالوا: إنَّ أُمَّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – لم تقصد الخروجَ لزيارة القبور
؛ وإنَّما مرَّت على قبر أخيها في طريقها للحَجِّ فوقفَت عليه ، وهذا لا مانع منه .
قال الإمام ابن القيِّم – رحمه الله – : “وأما حديث عائشة فالمحفوظ فيه حديث
الترمذي ، مع ما فيه [يعني: حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ :
تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِحُبْشِيٍّ ، قَالَ: فَحُمِلَ
إِلَى مَكَّةَ ، فَدُفِنَ فِيهَا ، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ أَتَتْ قَبْرَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ … ثُمَّ قَالَتْ : “وَاللَّهِ لَوْ
حَضَرْتُكَ مَا دُفِنْتَ إِلَّا حَيْثُ مُتَّ ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ”
رواه الترمذي (1055)، وضَّعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (1055) ].
وعائشة إنما قَدِمَت مكة للحج فمرَّت على قبر أخيها في طريقها فوقفَت عليه ، وهذا
لا بأس به، إنما الكلام في قصدهنَّ الخروجَ لزيارة القبور .
ولو قُدِّر أنها عدلَت إليه وقصدت زيارته فهي قد قالت : ” لو شهدتُك [ يعني: شهدتُ
وفاتَك] لَمَا زُرتُك” ، وهذا يدلُّ على أنه من المستقر المعلوم عندها أنَّ النساء
لا يُشرَع لهن زيارة القبور ؛ وإلا لم يكن في قولها ذلك معنى” .
انتهى من ” تهذيب سنن أبي داود ” (9/44).
الثاني :
قول أُمِّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – كما في رواية الترمذي المتقدمة :
“ولَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ” ، ” يدلُّ على أنَّ الزيارة ليست مستحبة للنساء
كما تُستحَبُّ للرجال ؛ إذ لو كان كذلك لاستُحِبَّ لها زيارته كما تستحب للرجال
زيارته ، سواء شهدته أو لم تشهده “، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –
كما في ” مجموع الفتاوى ” (24/345).
فدلَّ قولُها هذا على أنَّه استقرَّ عندها المنع من زيارة النِّساء للقبور .
وأما قولها – رضي الله عنها – : “كَانَ نَهَى ثُمَّ أَمَرَنَا بِزِيَارَتِهَا “:
فيُجاب عنه من وجهَين أيضًا:
الأول:
أنَّ هذا تأويلٌ واجتهادٌ من أُمِّ المؤمنين – رضي الله عنها – ؛ ” فهي تأوَّلت ما
تأوَّل غيرُها من دخول النساء ، والحُجَّة في قول المعصوم لا في تأويل الراوي ،
وتأويله إنما يكون مقبولاً حيث لا يُعارِضه ما هو أقوى منه ، وهذا قد عارضه أحاديث
المنع ” ، كما يقول ابن القيِّم في ” تهذيب السنن ” (9/45).
الثاني :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : “ولا حُجَّة في حديث عائشة ؛ فإنَّ
المحتج عليها احتج بالنهي العام ، فدفعت ذلك بأن النهي منسوخ ، وهو كما قالت – رضي
الله عنها – ، ولم يذكر لها المحتج النهي المختص بالنساء الذي فيه لعنهن على
الزيارة .
يبيِّن ذلك قولها : “قد أمرَ بزيارتها” ؛ فهذا يبيِّن أنه أمر بها أمرًا يقتضي
الاستحباب ، والاستحباب إنما هو ثابت للرجال خاصَّة ، ولكن عائشة بيَّنت أنَّ أمره
الثاني نسخَ نهيه الأول ؛ فلم يصلح أن يحتج به – وهو أنَّ النساء على أصل الإباحة –
، ولو كانت عائشة تعتقد أنَّ النساء مأمورات بزيارة القبور لكانت تفعل ذلك كما
يفعله الرجال ، ولم تقل لأخيها: “لَمَا زُرتُك”” انتهى من “مجموع الفتاوى”
(24/353).

الجواب عن الحديث الثاني:
يُجاب عن هذا الحديث من عدَّة وجوه :
أولها:
حمل سؤالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمه إيَّاها على : ما إذا اجتازَت
بقبر في طريقها بدون قصد للزيارة ، ولفظ الحديث ليس فيه تصريح بالزيارة عند مَن
خرَّجه ؛ بل قالت: ” كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ ؟ ” رواه مسلم (974) ، والنسائي (2037).
الثاني :
أنَّ هذا محمول على البراءة الأصلية ، ثم نُقِل عنها إلى التحريم العام في حقِّ
الرجال والنِّساء، ثم نُسِخَ نهي الرِّجال عن الزِّيارة ، وبقي نهي النساء على
عمومه ؛ لحديث: ” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوَّارات القبور ” رواه الترمذي
(1056) ، وابن ماجه (1576) ، وصحَّحه الألباني في ” أحكام الجنائز ” (ص 185).
الثالث:
حمل سؤالها – رضي الله عنها – وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم إيَّاها على: أنَّها
مُبلِّغة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومثل هذا في السُّنَّة كثير؛ فقد روَّت
– رضي الله عنها – أحاديث كثيرة بلَّغتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولمزيد من التفصيل في هذه الأوجه يمكن مراجعة رسالة (جزء في زيارة النساء للقبور)
لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (ص 129 وما بعدها – ضمن الأجزاء الحديثيَّة).

والله تعالى أعلم ..

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android