تنزيل
0 / 0
4800231/12/1969

زوجها يكفرها لأنها لا تكفر الناس

السؤال: 210595

أنا متزوجة ، ولدي خمسة أولاد ، بعد عشرين سنة من الزواج اتهمني زوجي في ديني ، قال : لا بد أن تكفِّري الكافر بعد كفره ، فقلت : لا أكفر إلا بعد البينة وانتفاء الموانع ، لا بد أن أعرف القصد ، فيقول : أنت مرجئة ، تقولين : العمل كفر وصاحبه ليس بكافر . وهو لا يعذر الجاهل ، وكل الناس في هذا العصر كفار ؛ لأنهم لم يكفروا بالطاغوت ، وأنا أقول : كل من أظهر شعيرة من الدين فهو مسلم ، وأمره إلى الله . ولا بد أن أكفر والدي ، وكل خطيب يأتي لتزويج ابنتي يعرض عليه هذه العقيدة ، فإن لم يقبل رده .
فما الحل وقد تبرأ من كل حقوقي ، فقلت له : أنت عندي مسلم ، أعاملك معاملة الزوج المسلم ؛ لأني أخاف الله ، وإذا حكمت علي بالكفر فأنت الذي تقرر ، فكيف أتصرف معه ؟
أفيدوني بعلمكم . مع العلم أني أعيش في أوروبا ، وليس لدي أهل أو بلد آخر أذهب إليه .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لنا ولجميع القراء في سؤالك عظة وعبرة ، وذلك لنرى كيف تودي الشبهة بالإنسان إلى
فساد الدنيا والدين ، فتحرفه عن سويته ، ويتنكر للحقوق الواجبة عليه ، ويخسر أقرب
الناس إليه من زوجة وأبناء ، كل ذلك سببه الجهل الذي هو أعتى أعداء الإنسان .
ونبدأ بالشق الذي يتعلق بك من السؤال ، وهو أن اعتقاد زوجك كفرك لا تأثير له على
عقد الزواج في واقع الأمر ، ما لم ينطق بكلمة الطلاق ؛ ذلك لأن شبهة التكفير التي
عرضت له وتشربها قلبه شبهة ساقطة لا عبرة بها ، ولم يقل بها أحد من أهل العلم ، فلا
يبنى عليها حكم شرعي .
وسبب الإشكال الذي وقع فيه زوجك ، هو خطؤه في فهم قاعدة ” من لم يكفر الكافر فهو
كافر ” التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في ” نواقض الإسلام ” فقال :
” الثالث : من لم يكفر المشركين ، أو يشك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم : كفر “.
فهذه القاعدة تتحدث عن صنفين :
الصنف الأول : الكفار والمشركون الأصليون ، كالوثنيين واليهود والنصارى ، ومن سماه
الله كافرا في القرآن الكريم ، كفرعون وأبي لهب ، فهؤلاء : من لم يكفرهم فهو كافر .

الصنف الثاني : الذين وقعوا في ردة قطعية أجمع عليها العلماء ، تتعلق بالمعلوم من
الدين بالضرورة ، كمن أنكر البعث والقيامة ، أو أنكر آية من كتاب الله ، ونحو ذلك
من أسباب الردة الصريحة التي لا شبهة فيها ، ولا تختلف فيها الأنظار ، فهؤلاء أيضا
أيضا يجب تكفيرهم ، ومن تبين له حالهم ، وأقيمت عليه الحجة في شأنهم من قبل العلماء
والفقهاء ، فأصر على عدم كفرهم : فهو كافر .
وهذا ما نقل القاضي عياض رحمه الله إجماع العلماء عليه فقال :
” الإجماع على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود ، وكل من فارق دين المسلمين
، أو وقف في تكفيرهم ، أو شك ” انتهى من ” الشفا ” (2/281) .
وذكر شيخ الإسلام بعض الفرق الباطنية التي ثبت كفرها يقينا فقال :
” وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى ، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى
، ولهذا يقولون بالحلول تارة ، وبالاتحاد أخرى ، وبالوحدة تارة ، فإنه مذهب متناقض
في نفسه ، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه ، فهذا كله كفر ، باطناً وظاهراً ، بإجماع
كل مسلم ، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ، ومعرفة دين الإسلام : فهو كافر ،
كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (2/368) .
أما مسائل الكفر الخلافية ، أو التي تخفى على العامة ، أو التي تتوجه فيها الشبهة ،
أو التي نقل فيها الإجماع الظني وليس القطعي ، أو التي يقع فيها الخلاف في تنزيل
حكم الردة على الشخص المعين ، فكل هذه القضايا لا يجوز تكفير المتوقف فيها ، أو
المخالف ، إذ إن نفس الحكم بالتكفير في أصل هذه المسائل : محل اجتهاد وتفاوت أنظار
؛ فمن باب أولى أن يكون المخالف في التكفير في مثل ذلك معذورا؛ فأنى يقال بتكفير
مثل ذلك ، أو حتى تبديعه وتضليله ؟! وليست هذه المسائل من مسألة : من لم يكفر
الكافر ، فهو كافر ، في شيء ، على ما سبق بيانه ؛ بل الأصل المحكم : أن ” اليقين لا
يزول بالشك “، واعتمادا على الأصل الأول الثابت ، وهو ظاهر الإسلام من جميع من تسمى
بالإسلام ، وأظهره ، ورضي به ؛ فلا يحكم بالردة إلا بعد ثبوتها ثبوتا محققا ، لا
بمجرد الشبهة والتأويل .
وقد وقع في زمان الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن – من أئمة الدعوة النجدية
وأحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – أن بعض الغلاة توسعوا في التكفير لفهمهم الخاطئ
لهذه القاعدة ، فكتب إليهم ينكر عليهم ويقول :
” وقد رأيت سنة أربع وستين ، رجلين من أشباهكم المارقين بالأحساء ، قد اعتزلا
الجمعة والجماعة ، وكفرا مَن في تلك البلاد مِن المسلمين ، وحجتهم من جنس حجتكم ،
يقولون : أهل الأحساء يجالسون ابن فيروز ، ويخالطونه هو وأمثاله ممن لم يكفر
بالطاغوت ، ولم يصرح بتكفير جده ، الذي رد دعوة الشيخ محمد ، ولم يقبلها ، وعاداها
.
قالا : ومن لم يصرح بكفره فهو كافر بالله ، لم يكفر بالطاغوت ; ومن جالسه فهو مثله
; ورتبوا على هاتين المقدمتين الكاذبتين الضالتين : ما يترتب على الردة الصريحة من
الأحكام ، حتى تركوا رد السلام ، فرفع إليَّ أمرهم ، فأحضرتهم ، وتهددتهم ، وأغلظت
لهم القول ; فزعموا أولا أنهم على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وأن رسائله
عندهم ، فكشفت شبهتهم ، وأدحضت ضلالتهم ، بما حضرني في المجلس .
وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب ، وأنه لا يكفر إلا بما أجمع
المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر ، والكفر بآيات الله ورسله ، أو بشيء
منها بعد قيام الحجة ، وبلوغها المعتبر ، كتكفير مَن عَبَد الصالحين ، ودعاهم مع
الله ، وجعلهم أندادا له فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية .
وهذا مجمع عليه أهل العلم والإيمان ، وكل طائفة من أهل المذاهب المقلدة ، يفردون
هذه المسألة بباب عظيم ، يذكرون فيه حكمها ، وما يوجب الردة ويقتضيها ، وينصون على
الشرك ; وقد أفرد ابن حجر هذه المسألة ، بكتاب سماه : الإعلام بقواطع الإسلام .
وقد أظهر الفارسيان المذكوران التوبة والندم ، وزعما أن الحق ظهر لهما ، ثم لحقا
بالساحل ، وعادا إلى تلك المقالة ، وبلغنا عنهم تكفير أئمة المسلمين بمكاتبة الملوك
المصريين ، بل كفروا من خالط من كاتبهم من مشايخ المسلمين ، نعوذ بالله من الضلال
بعد الهدى ، والحور بعد الكور.
وقد بلغنا عنكم نحو من هذا ، وخضتم في مسائل من هذا الباب ، لا يتكلم فيها إلا
العلماء من ذوي الألباب ، ومن رزق الفهم عن الله ، وأوتي الحكمة وفصل الخطاب .
وأما التكفير بهذه الأمور التي ظننتموها من مكفرات أهل الإسلام : فهذا مذهب
الحرورية المارقين ، الخارجين على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، ومن معه من
الصحابة “.
انتهى من كتاب ” الدرر السنية في الأجوبة النجدية ” (1/ 466) .
هذا وقد سئلت اللجنة الدائمة سؤالا جاء فيه :
” عندنا تفشي ظاهرة عبادة القبور ، وفي نفس الوقت وجود من يدافع عن هؤلاء ويقول:
إنهم مسلمون معذورون بجهلهم ، فلا مانع من أن يتزوجوا من فتياتنا ، وأن نصلي خلفهم
، وأن لهم كافة حقوق المسلم على المسلم
فجاء في جوابهم :
” .. لا يجوز لطائفة الموحدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفروا إخوانهم
الموحدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة ؛ لأن توقفهم عن تكفيرهم له
شبهة ، وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم ،
بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم ، فهؤلاء لا شبهة
في كفرهم ، ولا في كفر من لم يكفرهم ، والله ولي التوفيق ، ونسأله سبحانه أن يصلح
أحوال المسلمين ، وأن يمنحهم الفقه في الدين ، وأن يعيذنا وإياهم من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ، ومن القول على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير
علم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس : عبد الرزاق عفيفي ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” (2/150-151) .
ويقول الدكتور ناصر العقل حفظه الله – وقد سئل هل هناك فرق بين قول : ” من لم يكفر
الكافر فهو كافر “، وقول : ” من لم يكفر المشركين فهو كافر “- فأجاب :
” لا شك أن هناك فرقاً ؛ لأن أغلب الذين يقولون : من لم يكفر الكافر يقصدون الكافر
بحكمهم هم ، والناس قد يخالفونهم في حكمهم .
أما من لم يكفر المشرك فهذه مسألة لا شك أنها واضحة ، فالمشركون لا شك في كفرهم ،
وكذلك المنافقون الذين علم الله نفاقهم ، وإلا فلا نستطيع أن نعرف المنافق بعينه ،
وكذلك اليهود والنصارى ، وكل من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
فهو كافر ، ومن لم يكفره فالأصل فيه الكفر ، لكن تحتاج المسألة إلى إجراء المعروف
في التثبت في ماذا يقول وماذا يعرف ، وهل يجهل أو لا يجهل ، إلى آخره ” .
انتهى من ” شرح الطحاوية لناصر العقل (67/ 15، بترقيم الشاملة آليا) .
والخلاصة أننا نوصيك بالصبر على زوجك ، واستمرار نصيحته والإحسان إليه ، ودلالته
على أهل العلم والفقه ، لعله يرتدع عما هو فيه من توسع في التكفير ، فيمنحك حقوقك
التي كتبها الله لك ، ويدرأ عن نفسه خطر الغلو والإسراف .
وللمزيد يرجى النظر في : (85102) ، (153830)
.
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android