لي شريك في المكتب الذي أعمل فيه اتفقنا أن نتقاسم الأرباح كل شهر بالمناصفة ، ولكنه يغيب كثيرا في الشهر أكثر من أربعة مرات غير أيام العطلة يوم الجمعة .
مع العلم أني أنا المسؤول عن إدارة المقر إضافة إلى عملي معه ، وهو لا يتحمل أي نوع من المسؤولية سوي عمله فقط .
فهل إذا غاب يوم عن العمل يحق لي خصم اليوم من الربح الشهري ؟
هل يجوز له في حالة غياب شريكه في العمل الخصم من أرباحه بسبب ذلك ؟
السؤال: 211262
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الأصل عند اختلاف المتعاقدين أو الشريكين أنهما يرجعان إلى الشروط المتفق عليها في العقد بينهما ، ما دامت لا تخالف الشرع ؛ لقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة/1 ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : ( الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا ) رواه الترمذي (1352) ، وأبو داود (3594) ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وعلى هذا : إن كان بينكم اتفاق على الخصم من الأرباح في حال غياب أحد الشريكين ، فلا إشكال في جواز الخصم .
وكذلك إذا كان المعمول به في الشركات المناظرة لشركتكم : أن من غاب من الشركاء فإنه يخصم عليه ، وكان ذلك معروفا لك ولشريكك : فلا بأس بالخصم عليه ؛ لأن القاعدة الفقهية أن ” الْمَعْرُوفَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا ” .
ينظر : ” غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر “(4/ 206) .
ثانيا:
إذا لم يكن هناك اتفاق منصوص عليه في مثل هذه الحال ، ولم يكن لكم عرف مطرد فيها : فلا يخلو حال المتغيب من الشريكين من أحد احتماليين:
الحال الأولى :
أن يكون غيابه لعذر ، كمرض ونحوه من الضرورات ، فلا يخصم عليه من الأرباح ، حينئذ ؛ ولكن من حقك أن تلزمه أن ينيب أحدا ـ من ماله الخاص ـ يقوم بعمله ، دون أن تتحمل الشركة تكاليف ذلك الوكيل ، فإن أبى فلك فسخ الشركة ؛ لأن الاتفاق أن تعملا جميعا ، فإذا لم يلتزم : فلك الحق في الفسخ .
الحال الثانية :
أن يكون غيابه لغير عذر ، بل تهاونا ، أو لسبب يمكنه تلافيه ، ففي هذه الحال اختلف العلماء – رحمهم الله – : هل يستحق الشريك كامل ربحه ، أم لا ؟
فذهب بعض أهل العلم إلى أن الشريك يستحق كامل نصيبه من الربح ، بحسب ما هو متفق عليه في العقد ؛ اكتفاء بكون الشريك الآخر مستحقا لفسخ العقد عند الإخلال بشرط العمل فيه ، فإذا لم يفسخ حتى ظهر الربح : فهو بينهما على ما اتفقا .
جاء في ” مجلة الأحكام العدلية ” : ( الْمَادَّةُ / 1349 ) “الِاسْتِحْقَاقُ لِلرِّبْحِ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى الشَّرْطِ الَّذِي أُورِدَ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ , وَلَيْسَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي عُمِلَ , فَعَلَيْهِ : لَوْ لَمْ يَعْمَلْ الشَّرِيكُ الْمَشْرُوطُ عَمَلُهُ ، فَيُعَدُّ كَأَنَّهُ عَمِلَ , مَثَلًا إذَا شُرِطَ عَمَلُ الشَّرِيكَيْنِ الْمُشْتَرِكَيْنِ فِي شَرِكَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَعَمِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ ، لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ : فَبِمَا أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِبَعْضٍ ، فَبِعَمَلِ شَرِيكِهِ يُعَدُّ كَأَنَّهُ عَمِلَ أَيْضًا ، وَيُقْسَمُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَطَاهُ ” .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
“وإن عمل أحدهما دون صاحبه ، فالكسب بينهما … وسواء ترك العمل لمرض أو غيره ، فإن طالب أحدهما الآخر أن يعمل معه ، أو يقيم مقامه من يعمل ، فله ذلك . فإن امتنع ، فللآخر الفسخ .” انتهى من “المغني” (5/7) .
والقول الثاني في المسألة : أن الشريك لا يستحق كامل نصيبه من الربح لإخلاله باتفاق العمل .
قال المرداوي رحمه الله :
” مفهوم قوله ( وإن مرض أحدهما فالكسب بينهما ) ، أنه لو ترك العمل لغير عذر لا يكون الكسب بينهما . وهو أحد الوجهين [أي : للحنابلة]. وهو احتمال المصنف[أي : ابن قدامة] .” انتهى من “الإنصاف” (5/461) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” القول الراجح في هذه المسألة أنه إذا ترك العمل لغير عذر، فإنه لا يستحق كسب ذلك الزمن الذي ترك فيه العمل بغير عذر.” انتهى من ” الشرح الممتع ” (9 / 436) .
وعلى كل حال : فسواء كان تغيبه بعذر أو بغير عذر فلك الحق في فسخ العقد السابق ، وإعادة الاتفاق بحيث تنصون فيه على كيفية توزيع الأرباح عند غياب أحد الشريكين ، وهذا أحوط لكم ، وأبعد عن النزاع ، أو تشكك أحد الشريكين في ذمة صاحبه .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب