تنزيل
0 / 0

لماذا كان إعفاء اللحية واجبا وصبغها مندوبا رغم أنهما وردا بصيغة الأمر؟

السؤال: 211502

تُعتبر اللحية واجبة ، عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( خالفوا الكفار ، حفوا الشوارب وأعفوا اللحى ) ، ثم نجد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صبغ الشعر يقول : ( اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم ). ويؤخذ الأمر في هذا الحديث على الندب ، مع أن الأمر في كلا الحديثين متشابه .
فلماذا جعلناه واجباً في حديث اللحية ، ومندوباً في حديث الصبغ ، فهذه مسألة يثيرها من يقول بعدم وجوب إعفاء اللحية ، فأرجوا منكم التوضيح ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هناك فروق ظاهرة بين الأمر بإعفاء اللحية ، والأمر بخضاب الشيب الوارد في حديث أبي
هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اليَهُودَ
وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ ، فَخَالِفُوهُمْ ) رواه البخاري (3462) ، ومسلم
(2103)، يمكن أن نجمل ذلك في ثلاثة أمور :
أولا :
الأمر بإعفاء اللحية لم ترد فيه قرينة تصرفه عن الوجوب إلى الندب ، فلم يرد ما يدل
على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد من أمره بإعفاء اللحية الندب والاستحباب .

أما الأمر بخضاب الشيب فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غالب أحواله بغير
خضاب ، رغم وجود شعرات بيضاء يسيرات في رأسه ولحيته الشريفة عليه الصلاة والسلام .
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: ” رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَبْيَضَ قَدْ شَابَ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ ” رواه
البخاري (3544) ، ومسلم (2343) واللفظ له .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ” َلَمْ يَخْتَضِبْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّمَا كَانَ الْبَيَاضُ فِي عَنْفَقَتِهِ وَفِي
الصُّدْغَيْنِ وَفِي الرَّأْسِ نَبْذٌ ” رواه مسلم (2341) .
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله – رادا على كاتب يستدل على عدم وجوب إعفاء اللحية
بعدم وجوب صبغ الشيب -:
” جوابه أن يقال : إن الأصل وجوب الامتثال ، ومخالفة اليهود والنصارى بصبغ الشيب ،
ولكنه تُرك ذلك لما ورد من الأحاديث الدالة على أن الأمر بتغيير الشيب للندب لا
للوجوب ، وبذلك لا يبقى له ولا لغيره من القائلين بعدم اقتضاء الأمر الوجوب حجة في
الحديثين المذكورين ؛ لأن محل البحث هو الأمر المجرد ، أما الأمر الذي ورد في
الأدلة الشرعية ما يدل على أنه قد أريد به الندب لا الوجوب ، فليس محل البحث عند
الجميع ” .
انتهى من ” مجموع فتاوى ابن باز ” (25/340) .
ثانيا :
إعفاء اللحية في قول جمهور الفقهاء من الواجبات ، بل نقل ابن حزم الإجماع على حرمة
حلقها ، وإن كان في إثبات هذا الإجماع مقال ، فقد خالف بعض فقهاء الشافعية ، وآخرون
في ذلك ، ولكن المقصود هو بيان الفرق بين إعفاء اللحية ، وهذا حكمها ، وبين صبغ
الشيب الذي نقل الإمام الطبري رحمه الله الإجماع على عدم وجوبه ، فقال رحمه الله :
” [لا] أرى تارك تغييره – وإن كان جميع ما في رأسه ولحيته من الشعر قد ابيض – آثما
بترك تغييره ، إذ كان الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير ذلك ندبا لا
فرضا ، وإرشادا لا إيجابا … لإجماع سلف الأمة وخلفها على ذلك … سئل سفيان عن
رجل يشيب نصف شعره أو أكثر أو أقل ، متى يستحب له أن يغيره ؟ وهل في ذلك وقت ؟ قال
: أي ذلك فعل فحسن ، وليس لذلك وقت ” انتهى من ” تهذيب الآثار ” تحقيق علي رضا
(ص/518) ، وقد نقل الإمام النووي رحمه الله هذا الإجماع عن الطبري في كتابه ” شرح
مسلم ” (14/80) مقرا له وساكتا عليه .
ثالثا :
ثبت عن كثير من الصحابة الكرام ترك الشيب على بياضه من غير صبغ ولا خضاب ، منهم عمر
بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، كما روى ذلك الطبري في المرجع السابق
، أما إعفاء اللحية فلم يثبت عن أحد من الصحابة الكرام أنه كان يحلقها .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – في حديث ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوه
)-: ” هذا الأمر للاستحباب ، وظاهره أنه للوجوب لأن الأصل في مخالفة اليهود الوجوب
، ولكن نظرا إلى أن بعض الصحابة – رضي الله عنهم – من كبرائهم- كانوا لا يخضبون ،
واشتهر ذلك بينهم ولم ينكر ، يدل على أنهم فهموا أن الأمر للاستحباب وليس للوجوب ”
.
انتهى ” شرح كتاب اللباس من صحيح البخاري ” ( نقلا عن ملتقى أهل الحديث).
والخلاصة : أنه لا مقارنة بين وجوب إعفاء اللحية ، واستحباب تغيير الشيب بالخضاب ،
ولا يجوز أن يجعل أحد الحُكمَين حَكَمًا على الآخر ، فلكل منهما سببه وتعليله ، حتى
وإن اشتركا في صيغة من صيغ الأمر ، أو علة من علله .
رابعا :
ثم إن الأحاديث الصحيحة الواردة في الحث على إعفاء اللحية آكد وأكثر من تلك الواردة
بالأمر بصبغ الشيب ، فقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم من سنن الفطرة ، وأخبر أن
الله عز وجل أمره بإعفاء اللحية ، مستنكرا على من رآه يحلقها ، كما روى الطبري
بإسناده في ” تاريخه ” (2/655) عن رسولي كسرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
” دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا ، وَأَعْفَيَا
شَوَارِبَهُمَا ، فَكَرِهَ النَّظَرَ إليهما ، ثم أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ : (
وَيْلَكُمَا ! مَنْ أَمَرَكُمَا بِهَذَا ؟ ) ، قَالا : أَمَرَنَا بِهَذَا رَبُّنَا
– يَعْنِيَانِ كِسْرَى- فَقَالَ رسول الله : ( لَكِنَّ رَبِّي قَدْ أَمَرَنِي
بِإِعْفَاءِ لِحْيَتِي وَقَصِّ شَارِبِي “) ” . وحسنه الألباني في تخريجه أحاديث ”
فقه السيرة ” للغزالي (ص/360) .
أما صبغ الشيب فعلى العكس ، اختلفت فيه الأحاديث ، فوردت فيها الروايات التي تنهى
عن صبغه ، وتأمر بتركه على حاله ، في أسانيدها ضعف ، ولكن كثيرا من العلماء تحدثوا
في فقهها والتوفيق بينها وبين الأحاديث الصحيحة الواردة في الأمر بالصبغ .
والحاصل : أن الأسباب الأربعة الآنفة الذكر ، كلها فوارق مهمة ، تدفع الفقيه إلى
التفريق بين المسألتين ، وعدم التزام القول بحكم واحد للحية وصبغ الشيب ، إما
الوجوب وإما الندب ، بل تعفى اللحية وجوبا على اختلاف بين العلماء ، ويصبغ من شاء
شيبه ، استحبابا وندبا ، ولا يجب عليه ذلك .
وللتوسع يرجى النظر في الفتوى رقم : (185777)
.
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android