ما حكم اعتلاء الإمام مكاناً أرفع من باقي المصلين عند صلاته بهم ؟
فقد سمعت أن هناك أحاديث تنهى عن أن يرتفع الإمام على المأمومين ، فهل هذا صحيح ؟
ففي مسجدنا يقف الإمام في مكان يرتفع درجتين عن المأمومين ، فقال لي أحدهم : إن ذلك لا يجوز، فأريد التأكد من كلامه .
مذاهب الفقهاء في ارتفاع الإمام على المأمومين في الصلاة
السؤال: 212002
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ذهب أكثر الفقهاء إلى كراهة ارتفاع الإمام على المأموم في الصلاة لما أخرجه أبو داود (598) عن : ” رجل كان مع عمار بن ياسر بالمدائن ، فأقيمت الصلاة فتقدم عمار وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه ، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار، حتى أنزله حذيفة ، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم ) أو نحو ذلك ؟، قال عمار: ( لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي ) .
ولكن هذا الحديث لا تقوم به الحجة ، كما ذكر ذلك الشيخ ابن عثيمين في ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” (4 / 301).
لكنهم عللوا الكراهة أيضا : بامتياز الإمام عن المأمومين في الصلاة ، وما يخشى عليه من الكبر لذلك ، ولأنه ربما احتاج إلى أن يرفع بصره إلى موضع الإمام ، لمتابعته ؛ وذلك منهي عنه في الصلاة .
ينظر : ” المغني ” ، لابن قدامة (2/154) ، وما يأتي نقله عن الأحناف والمالكية في تعليل ذلك .
ومع كراهة أكثر الفقهاء لعلو الإمام على المأموم ، إلا إنهم يستثنون من ذلك العلو اليسير ، وهذه مذاهبهم :
قال الكاساني الحنفي ” ولو كان الإمام يصلي على دكان والقوم أسفل منه أو على القلب (يعني علو المأموم على الإمام ) جاز ، ويكره ، أما الجواز : فلأن ذلك لا يقطع التبعية ، ولا يوجب خفاء حال الإمام ، وأما الكراهة : فلشبهة اختلاف المكان ” .
انتهى من ” بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ” (1 / 146).
واختلف الحنفية في قدر العلو الذي تقع معه الكراهة ، جاء في ” البناية شرح الهداية ” (2 / 452) : ” ولم يذكر المصنف مقدار ارتفاع الدكان الذي يكره عليه ، فقيل: قدر ارتفاع قامة الرجل الذي هو متوسط القامة ؛ فلا بأس بما دونها، وقيل: إنه مقدر بقدر ما يقع الامتياز، وقيل : مقدر بقدر ذراع ، اعتبارا بالسترة ، قال قاضي خان: وعليه الاعتماد” انتهى باختصار.
ونص المالكية على الكراهة أيضا ، ففي ” مواهب الجليل ” (2 / 118) من كتب المالكية “وكره مالك أن يصلي الإمام على شيء هو أرفع مما يصلي عليه من خلفه ، مثل الدكان يكون في المحراب ، ونحوه من الأشياء ” انتهى .
وذكروا أن من قصد بالعلو الكبر : فإن صلاته تبطل ، سواء كان ذلك من الإمام أو المأموم ، جاء في ” حاشية الصاوي على الشرح الصغير ” (1 / 448): ” وبطلت الصلاة إن قصد إمام أو مأموم به: أي بعلوه الكبر لمنافاته الصلاة ” انتهى.
ويستثنون من الكراهة ما إذا كان العلو لضرورة ، كضيق مكان مثلا ، أو قصد الإمام به تعليم المأمومين الصلاة ، أو كان العلو يسيرا كشبر ونحوه ، جاء في ” حاشية الصاوي على الشرح الصغير ” (1 / 448) : ” …… إلَّا أَنْ يَكُونَ عُلُوُّ الْإِمَامِ بِـ”كَـ:شِبْرٍ” ، أَوْ كان علوه لأجل ضرورة ، أو قصد تعليم للمأمومين كيفية الصلاة فيجوز” انتهى.
وأما الشافعية فيكره عندهم علو الإمام على المأموم بقدر كبير ، إلا لحاجة معتبرة شرعا ، كتعليم المأمومين الصلاة ، أما العلو القليل فلا كراهة فيه عندهم ، جاء في ” البيان في مذهب الإمام الشافعي ” (2 / 427) :
” ويكره أن يكون موضع الإمام أعلى من موضع المأموم ، قال الشيخ أبو حامد: وإنما يكره إذا كانت ربوة كثيرة العلو ، فأما إذا كنت دكة ، أو ربوة قليلة العلو : لم يكره ، والدليل على الكراهة: ما روي: ( أن حذيفة صلى على مكان ، والناس أسفل منه ، فجذبه سلمان ، وقال: أما علمت أن أصحابك – يعني: الصحابة- يكرهون ذلك ، فقال: بلى ، قد ذكرت حين جذبتني ) ، وإن أراد الإمام أن يعلم المأمومين أفعال الصلاة وترتيبها لم يكره ذلك” انتهى.
وأما الحنابلة فلهم في العلو الكثير روايتان رواية بالكراهة ، ورواية بعدمها ، جاء في ” المغني ” لابن قدامة (2 / 154) : ” المشهور في المذهب أنه يكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين، سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد ، وهو قول مالك ، والأوزاعي ، وأصحاب الرأي ، وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكره ” انتهى .
وأما العلو اليسير فلا بأس به عندهم ، جاء في ” المغني ” لابن قدامة (2 / 154) : ” ولا بأس بالعلو اليسير؛ لحديث سهل ، ولأن النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة ، وهذا يخص الكثير، فعلى هذا يكون اليسير مثل درجة المنبر ونحوها، لما ذكرنا في حديث سهل” انتهى.
وقد رجح الشيخ ابن عثيمين أنه لا حرج في ارتفاع الإمام على المأمومين إذا كان معه أحد ، أو كان العلو يسيرا ، جاء في ” مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ” (13 / 43):
س : ما حكم صلاة الإمام مرتفعاً عن المأمومين ؟ وما حكم العكس ؟
فأجاب بقوله : ” لا بأس أن يعلو الإمام على المأمومين إذا كان معه أحد ، كما لو صلى جماعة في السطح ومعهم الإمام ، وآخرون في الأسفل.
أما إذا لم يكن معه أحد فقد كره العلماء – رحمهم الله – أن يعلو الإمام أكثر من ذراع ، وأجازوه إذا كان ذراعاً أو نحوه ، فقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى بأصحابه – رضوان الله عليهم – على المنبر ، وأما علو المأموم فلا بأس به ، لكن لا يصلي وحده منفرداً ” انتهى.
من هنا يعلم : أن الفقهاء يستثنون من الكراهة : ما إذا كان العلو بالشيء اليسير ، كالحالة المسئول عنها في استفساركم ، فإنك قد ذكرت أن الإمام يرتفع بمقدار درجتين ، وهذا – والعلم عند الله – يدخل في حد القليل ، الذي لا كراهة فيه ، عند أكثر من ذكرنا من الفقهاء ، وإن كان الأولى تركه ، إذا لم تكن هناك حاجة تدعو إليه .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب