تنزيل
0 / 0

هل يقام الحد على البكر الحامل من الزنا ؟

السؤال: 212139

هل يُطبق حد الزنا ؛ جلد مائة وتغريب عام ، على امرأة حامل في شهرها الرابع ؟ أم ننتظر إلى ما بعد فترة الرضاع ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
من مقاصد الشريعة في تشريع الحدود : تأديب العاصي وزجره عن معصيته ، حتى لا يعود
إليها مرة أخرى ، وليس من مقاصدها : إهلاكه ، ولذلك قال الفقهاء بتأخير إقامة الحد
عن الإنسان في الحال التي تكون إقامتها مظنة لهلاكه ، أو هلاك معصوم غيره .
قال ابن القيم -رحمه الله- في ” إعلام الموقعين “(3/ 14): “وَتَأْخِيرُ الْحَدِّ
لِعَارِضٍ : أَمْرٌ وَرَدَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ ، كَمَا يُؤَخَّرُ عَنْ : الْحَامِلِ
، وَالْمُرْضِعِ ، وَعَنْ وَقْتِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ ، وَالْمَرَضِ ” انتهى .

وقد ثبتت السنة بتأخير إقامة
الحد على الحامل ، حتى تضع ما في بطنها .
روى مسلم في صحيحه (1695) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :
” جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي ، فَقَالَ : ( وَيْحَكِ ، ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي
اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ) ، فَقَالَتْ : أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي
كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ ؟ ، ( قَالَ وَمَا ذَاكِ ؟ ) ، قَالَتْ :
إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى . فَقَالَ لَهَا : حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ
.
قَالَ : فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ ؟ قَالَ فَأَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : قَدْ وَضَعَتْ
الْغَامِدِيَّةُ ، فَقَالَ : ( إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا
لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ ) .
فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ
، قَالَ فَرَجَمَهَا “.
قال النووي رحمه الله : ” فِيهِ أَنَّهُ لَا تُرْجَمُ الْحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ ،
سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ زِنًا أَوْ غَيْرِهِ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
لِئَلَّا يُقْتَلَ جَنِينُهَا ، وَكَذَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ وَهِيَ
حَامِلٌ لَمْ تُجْلَدْ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ ” انتهى من ” شرح صحيح مسلم ”
(11/344) .
وقال ابن قدامة : ” وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ ، سَوَاءٌ
كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى أَوْ غَيْرِهِ ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا …
وَلِأَنَّ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا إتْلَافًا
لَمَعْصُومٍ ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا أَوْ
غَيْرَهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلَفُ الْوَلَدِ مِنْ سِرَايَةِ الضَّرْبِ
وَالْقَطْعِ ، وَرُبَّمَا سَرَى إلَى نَفْسِ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْطُوعِ ،
فَيَفُوتُ الْوَلَدُ بِفَوَاتِهِ “.
انتهى من “المغني” (12/327) .
وقال الكاساني مبيناً شروط إقامة الحد : ” وَمِنْهَا : أَنْ لَا يَكُونَ فِي
إقَامَةِ الْجَلَدَاتِ خَوْفُ الْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ شُرِعَ زَاجِرًا
لَا مُهْلِكًا ، فَلَا يَجُوزُ الْإِقَامَةُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ
الشَّدِيدِ ؛ لِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِيهِمَا مِنْ خَوْفِ الْهَلَاكِ ، وَلَا
يُقَامُ عَلَى مَرِيضٍ حَتَّى يَبْرَأَ ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ وَجَعُ
الْمَرَضِ وَأَلَمُ الضَّرْبِ ؛ فَيُخَافُ الْهَلَاكُ ، وَلَا يُقَامُ عَلَى
النُّفَسَاءِ حَتَّى يَنْقَضِيَ النِّفَاسُ ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ نَوْعُ مَرَضٍ .
وَلَا يُقَامُ عَلَى الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ وَتَطْهُرَ مِنْ النِّفَاسِ ؛ لِأَنَّ
فِيهِ خَوْفَ هَلَاكِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَةِ “.
انتهى من ” بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ” (7/ 59) .

ثانياً :
إذا ولدت الحامل ، فلا يقام عليها حد الزنا حتى تنتهي من نفاسها .
لحديث علي بن أبي طالب : ” إِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ زَنَتْ ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا ، فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدٍ
بِنِفَاسٍ ، فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ( أَحْسَنْتَ ، اتْرُكْهَا
حَتَّى تَمَاثَلَ ) ” [ أي تقارب الشفاء ] ، رواه مسلم في صحيحه (1705).
قال النووي : ” فِيهِ أَنَّ النُّفَسَاءَ وَالْمَرِيضَةَ وَنَحْوَهُمَا يُؤَخَّرُ
جَلْدُهُمَا إِلَى الْبُرْءِ “.
انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (11/214) .
قال ابن قدامة : ” وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْوَلَدَ ،
وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ ، وَكَانَتْ قَوِيَّةً يُؤْمَنُ تَلَفُهَا ، أُقِيمَ
عَلَيْهَا الْحَدُّ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا ، أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ
تَلَفُهَا ، لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى .
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ” انتهى من ” المغني ” (12/ 329) .
وجاء في ” المدونة ” للمالكية (4/ 514): ” قُلْتُ : أَرَأَيْتَ الْبِكْرَ الْحَامِلَ
مِنْ الزِّنَا ، أَتُجْلَدُ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا ؟ أَمْ تُؤَخَّرُ حَتَّى
تَضَعَ حَمْلَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: تُؤَخَّرُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ : فَإِذَا وَضَعَتْ ، أَتَضْرِبُهَا أَمْ حَتَّى يَجِفَّ دَمُهَا
وَتَتَعَافى مِنْ نِفَاسِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَرِيضِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ
: إنَّهُ لَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ وَيُؤَخَّرُ وَيُسْجَنُ ، فأَرَى النِّفَاسَ
مَرَضًا مِنْ الْأَمْرَاضِ ، وَأَرَى أَنْ لَا يُعَجَّلَ عَلَيْهَا “. انتهى .

ثالثاً :
إذا انتهت المرأة الزانية من نفاسها وتعافت من ضعفها يقام عليها حد الجلد ، ولا
يؤخر حتى تنتهي من فطام رضيعها ؛ لأن الجلد لا يحول بينها وبين رضاع صغيرها.
جاء في “الموسوعة الفقهية” (32/ 181) : ” وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا ، فَلاَ
أَثَرَ لِلْفِطَامِ فِيهِ “.
وهذا بخلاف حد الرجم ، فلا ترجم الزانية حتى ترضع صغيرها وتفطمه ، إن لم يوجد من
يقوم برضاعته .
قال ابن قدامة : ” فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا ، لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَسْقِيَهُ
اللِّبَأَ [وهو اللبن أول النتاج لاحتياج الولد إليه غالبا] ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ
لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ ، أَوْ تَكَفَّلَ
أَحَدٌ بِرَضَاعِهِ رُجِمَتْ ، وَإِلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ ؛ لِمَا
ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ ” .
انتهى من “المغني” (12/329) .

رابعاً :
ومن العقوبات الشرعية للزاني البكر : تغريبه وإبعاده عن بلده مسافة لا تقل عن مسافة
القصر ، وهذا الحكم يشمل الرجل والمرأة على أرجح الأقوال .
والظاهر لا يؤخر هذا الحكم عن المرأة لكونها حامل ؛ لأن التغريب لا يضر حملها شيئاً
.
قال الشبراملسي في ” حاشيته على نهاية المحتاج ” (7/ 303) : ” تُغَرَّبُ ،
وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِ التَّغْرِيبِ
” انتهى .
ويحتمل أن يقال بتأخير التغريب أيضا ، كما يؤخر الرجم ؛ لما ذكره ابن حزم ، رحمه
الله ، في “المحلى بالآثار” (12/ 101) ” وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : ” أَتَى رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أُخْتَهُ أَحْدَثَتْ – وَهِيَ فِي سِتْرِهَا
وَأَنَّهَا حَامِلٌ – فَقَالَ عُمَرُ: أَمْهِلْهَا حَتَّى إذَا وَضَعَتْ
وَاسْتَقَلَّتْ فَآذَنِّي بِهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْ جَلَدَهَا مِائَةً وَغَرَّبَهَا
إلَى الْبَصْرَةِ عَامًا “.
وظاهر هذا الأثر أن التغريب كان بعد وضع الحمل ، لكن لم نقف على هذا الأثر إلا في
المحلى ، ولم يذكر ابن حزم سنده فيه عن عروة .

واشترط العلماء لتغريب
المرأة : أن يكون معها من يحفظها من محرم أو زوج ، فلو لم يوجد المحرم لم يجز
تغريبها ، وينظر: جواب السؤال : (198743)
.
ومن المهم هنا التنبيه على أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان الشرعي ، وليس من حق
الأفراد إقامة الحدود على أنفسهم أو غيرهم .
قال فخر الدين الرازي في ” تفسيره “(11/ 356) : ” وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى
أَنَّهُ لَيْسَ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْجُنَاةِ ، بَلْ
أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى الْأَحْرَارِ
الْجُنَاةِ إِلَّا لِلْإِمَامِ ” انتهى ، وينظر جواب السؤال : (12461)
.

فإذا لم يكن هناك إمام يقيم
الحد ، فليجتهد العبد في أن يطهر نفسه بالتوبة النصوح ؛ إذ فاته التطهير بإقامة
الحد الشرعي عليه ، وليجتهد ـ بقية عمره ـ في عمل صالح ، لعل الله يذهب عنه بلاء
ذنبه بذلك ، إن الحسنات : يذهبن السيئات !!

هذا ، مع أن من وقع في ذنب
موجبٍ للحد ، فالمستحب له أن يستر نفسه ويتوب فيما بينه وبين الله ، وينظر جواب
السؤال : (27113) ، (47834)
.
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android