0 / 0
24,59101/11/2014

لماذا حثنا الشرع على الدعاء ، مع أن الله تعالى قد لا يستجيب للداعي ؟

السؤال: 212629

ورد في الحديث النهي عن قول الشخص في الدعاء : " اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت " ؛ لأن الله لا مُكره له . فإذا كان الأمر هكذا ، فلماذا حثنا الشرع على الدعاء إذاً ؟ بعبارة أخرى : لماذا ندعو إذا كان الله لن يستجيب لنا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى البخاري (7477) ، ومسلم (2679) عن أبي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ، إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، لاَ مُكْرِهَ لَهُ ) .
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه : " إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ ، فَارْفَعُوا فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَإِنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْفَدُهُ شَيْءٌ ، وَإِذَا دَعَوْتُمْ فَاعْزِمُوا، فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ " .
انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2/ 48) .
قال ابن بطال رحمه الله :
" فيه دليل أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء ، ويكون على رجاء من الإجابة ، ولا يقنط من رحمه الله ؛ لأنه يدعو كريمًا ؛ فبذلك تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " شرح صحيح البخاري " ، لابن بطال (10/99) .
وقال القرطبي رحمه الله :
" فِي قَوْلِهِ :" إِنْ شِئْتَ" نَوْعٌ مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ مَغْفِرَتِهِ وَعَطَائِهِ وَرَحْمَتِهِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا فَافْعَلْ، لَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا إِلَّا مَعَ الْغِنَى عَنْهُ ، وَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَعْزِمُ فِي مَسْأَلَتِهِ ، وَيَسْأَلُ سُؤَالَ فَقِيرٍ مُضْطَرٍّ إِلَى ما سأله " .
انتهى من" تفسير القرطبي " (2/ 312) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" والتحذير في التعليق من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه يشعر بأن الله له مكره على الشيء ، وأن وراءه من يستطيع أن يمنعه، فكأن الداعي بهذه الكيفية يقول: أنا لا أكرهك ، إن شئت فاغفر وإن شئت فلا تغفر.
الثاني: أن أقول القائل: " إن شئت " كأنه يرى أن هذا أمر عظيم على الله ، فقد لا يشاؤه لكونه عظيما عنده ، ونظير ذلك أن تقول لشخص من الناس – والمثال للصورة بالصورة لا للحقيقة بالحقيقة – أعطني مليون ريال إن شئت ، فإنك إذا قلت له ذلك، ربما يكون الشيء عظيما يتثاقله ، فقولك: إن شئت ، لأجل أن تهون عليه المسألة ، فالله – عز وجل – لا يحتاج أن تقول له : إن شئت؛ لأنه – سبحانه وتعالى – لا يتعاظمه شيء أعطاه ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه ) .
قوله: (وليعظم الرغبة) ، أي: ليسأل ما شاء من قليل وكثير ، ولا يقل: هذا كثير لا أسأل الله إياه ، ولهذا قال: ( فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه ) ، أي: لا يكون الشيء عظيما عنده حتى يمنعه ويبخل به – سبحانه وتعالى – كل شيء يعطيه ، فإنه ليس عظيما عنده ، فالله – عز وجل – يبعث الخلق بكلمة واحدة ، وهذا أمر عظيم ، لكنه يسير عليه .
الثالث : أنه يشعر بأن الطالب مستغن عن الله ، كأنه يقول: إن شئت فأفعل، وإن شئت فلا تفعل فأنا لا يهمني " .
انتهى "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 917-918) .
وللفائدة : ينظر جواب السؤال رقم : (105366) .

ثانيا :
أمر الله عز وجل عباده بالدعاء ، ووعدهم الإجابة ، متى أخلصوا له الدعاء ، وافتقروا إليه ، فقال: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر/ 60 .
وليس الشأن فيما عند الله من الخزائن والعطاء ؛ فإنها ملأى لا تنقِصُها نفقة ، ولا يكثر عليها عطاء ، ولا فيما عند الله من الوعد ؛ فإن الله جل جلاله : لا يخلف الميعاد ؛ لكن الشأن ، كل الشأن ، إنما هو في قيام العبد في مقام العبودية والرجاء ، وتحقيقه لحقيقة الدعاء ، والإتيان به ، كما أمر الله عباده أن يقوموا به ، والتخلي من موانع الإجابة ، وقواطع الطريق إلى الله تعالى .
فالدعاء عبادة لله جل جلاله ، من أجل العبادات ، وما من عبادة إلا ولها آداب ، ولها شروط ، ولها هيئات يستحب للعبد التحلي بها .
وما من سبب ، أيضا ، إلا وله موانع تعوقه عن مسببه ، وتضعف تأثيره .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هل يجزم الداعي بالإجابة ؟
الجواب: إذا كان الأمر عائدا إلى قدرة الله ، فهنا يجب أن تجزم بأن الله قادر على ذلك، قال الله تعالى: ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .
أما من حيث دعاؤك أنت ، باعتبار ما عندك من الموانع ، أو عدم توافر الأسباب : فإنك قد تتردد في الإجابة .
ومع ذلك ، ينبغي أن تحسن الظن بالله ؛ لأن الله – عز وجل – قال: ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ؛ فالذي وفقك لدعائه أولا سيمُنُّ عليك بالإجابة آخرا ، لا سيما إذا أتى الإنسان بأسباب الإجابة وتجنب الموانع ، ومن الموانع الاعتداء في الدعاء ، كأن يدعو بإثم أو قطيعة رحم … " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (10/ 918) .
ينظر أهم آداب الدعاء في جواب السؤال رقم : (36902) ، والأسباب التي تمنع من إجابة الدعاء ، في جواب السؤال رقم : (5113) .

ثالثا :
ليس بالضرورة حصول المطلوب على صورته ، حتى تكون الدعوة قد أجيبت ، لإجابة دعوة الداعي إذا دعا ربه ؛ فإن الاستجابة على أنواع : إما تعجل للسائل دعوته بخصوصها ، أو يصرف عنه من السوء بمثلها ، أو يدَّخر ذلك له أجراً وثواباً يوم القيامة .
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ) .
رواه أحمد ( 10749 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب ( 1633 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة : فتارة تقع بعين ما دعا به ، وتارة بعوضه ، وقد ورد في ذلك حديث صحيح " انتهى من "فتح الباري" (11 /95) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" على المرء أن يلح في الدعاء ، ويحسن الظن بالله عز وجل ، ويعلم أنه حكيم عليم قد يعجل الإجابة لحكمة ، وقد يؤخرها لحكمة ، وقد يعطي السائل خيرا مما سأل " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9 /353) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android