أنا من أصل مغاربي ، وأعيش في فرنسا ، بالأمس دخل للمسجد رجل شارب للخمر ، وهو من أصل مغاربي أيضاً ، وهذا الشخص فعل هذا أكثر من مرة ، وقد حاول بعض الإخوة نصحه للكف عن شرب الخمور ، لكنه في كل مرة يستمع إليهم ويعود إلى صنيعه ، ولا يبالي ، وفي الأمس نفد صبر بعض الناس وحاولوا إخراجه ، وهناك من يقول : دعوه يدخل ؛ لعلّ الله أن يهديه . فما حكم هذا ؟ وكيف نتصرف : هل نتركه يدخل ، أم ماذا نصنع معه ؟
حكم دخول شارب الخمر إلى المسجد
السؤال: 213274
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قال الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) النساء / 43 .
وقد استدل غير واحد من أهل العلم ، بهذه الآية ، على منع السكران من دخول المسجد .
قال القرطبي رحمه الله تعالى :
” قوله تعالى : (الصَّلَاةَ ) اختلف العلماء في المراد بالصلاة هنا ، فقالت طائفة: هي العبادة المعروفة نفسها ؛ وهو قول أبي حنيفة ؛ ولذلك قال ( حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ )، وقالت طائفة: المراد مواضع الصلاة ، وهو قول الشافعي ، فحذف المضاف ، وقد قال تعالى ( لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ ) الحج (40) ، فسمى مواضع الصلاة صلاة ، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى ( وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) ، وهذا يقتضي جوازَ العُبُورِ للجُنُب في المسجد لا الصلاة فيه ... وقالت طائفة : المراد الموضع والصلاة معا ؛ لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ، ولا يصلون إلا مجتمعين ، فكانا متلازمين ” .
انتهى من ” الجامع لأحكام القرآن ” (6/333) .
ويقوي ذلك : أن دخوله إلى المسجد لا تتحصل منه فائدة ؛ فهو منهي عن الصلاة في حالة سكره بنص الآية السابقة ، كما أن في دخوله قد تحدث عدة مفاسد :
أولا : غالبا ما يتفوه السّكران بكلام غير لائق .
ثانيا: كثيرا ما يحصل منه من الأذى والقذر ، وكريه الرائحة ، ومستهجن الأفعال : ما يجب صون المسجد عن مثله .
ثالثا : أنه كثيرا ما يشغل أهل المسجد عن عباداتهم ، بالأقوال والتصرفات التي تصدر منه . قال الله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) النور / 36 .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (6/62) : ” أي : أمر الله تعالى برفعها ، أي: بتطهيرها من الدنس واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية الكريمة : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ) قال: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها.
وكذا قال عكرمة ، وأبو صالح ، والضحاك ، ونافع بن جبير ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة ، وسفيان بن حسين ، وغيرهم من علماء المفسرين ” انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” صلاة السكران الذي لا يعلم ما يقول لا تجوز باتفاق ، بل ولا يجوز أن يمكن من دخول المسجد لهذه الآية وغيرها ، فإنّ النهي عن قربان الصلاة ، وقربان مواضع الصلاة ، والله أعلم ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (22/6) .
وقال صاحب ” مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ” (2/256) : ” ( … منع نحو سكران ) كمجنون ( منه ) أي : المسجد ، صيانة له ” انتهى .
لكن مما يُنصح به ؛ أن يُستعمل اللين والرفق معه عند إخراجه من المسجد ، صيانة للمسجد من اللغو فيه ، ودفعا للشقاق واللغط بين المسلمين في المسجد ، ولعله أن يتألف قلبه ، ويألف المسجد ، ويستحيي من قبيح فعله ، إذا صحا ، وعلم رفق الناس به ، رغم ما كان عليه من حال مرذول .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب