تنزيل
0 / 0

هل تتحقق السنة بطلب الطعام لأهل الميت من المطعم ؟

السؤال: 213425

اشتركت مجموعة من الأخوات بحلقة التحفيظ في إرسال طعام لأهل زميلة توفت والدتها ، وذلك عن طريق توصية مطعم قام بالطبخ والتوصيل. بعد الاتفاق مع المطعم قالت لنا إحدى المعلمات : إن أهل الميت في زمننا هذا ليسوا بحاجة لإرسال طعام لهم لأن (الدليڤري) أصبح سهلا جداً ، وليس هناك صعوبة في الحصول على طعام من قِبل أهل الميت ، وإن كان لا بد لنا من إرسال طعام ، فليكن مصنوعا بالبيت ، لأن الثواب يكون أكبر. هل أصبـنا السنة -( اصنعوا لآل جعفر طعاماً )- بإرسال الطعام دليڤري ، أم يلزم أن يكون الطعام من صنعنا ، وليس من مطعم ؟ وهل الثواب أقل لأننا لم نصنع الطعام بأنفسنا ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
يستحب صنع الطعام لأهل الميت من أقاربهم وجيرانهم وأصدقائهم ، لانشغالهم بما نزل بهم من المصاب عن صنع الطعام ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا ، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ ) ، رواه الترمذي (998) وحسنه ، وأبو داود (3132) ، وابن ماجه (1610) ، وحسنه ابن كثير ، والشيخ الألباني .
قال الإمام الشافعي : " وَأُحِبُّ لِجِيرَانِ الْمَيِّتِ ، أَوْ ذِي قَرَابَتِهِ : أَنْ يَعْمَلُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِ يَمُوتُ وَلَيْلَتِهِ : طَعَامًا يُشْبِعُهُمْ ، فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ ، وَذِكْرٌ كَرِيمٌ ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْخَيْرِ قَبْلَنَا وَبَعْدَنَا " انتهى من " الأم " (1/ 317) .
وقال الشوكاني رحمه الله : " فِيه مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَامِ بِمُؤْنَةِ أَهْلِ الْمَيِّتِ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ ؛ لِاشْتِغَالِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِمَا دَهَمَهُمْ مِنْ الْمُصِيبَةِ " انتهى من " نيل الأوطار " (4/ 118).

وهذه السنة تتحقق بأي طريقة يتم بها إيصال الطعام لأهل الميت ، سواء بصنعه في البيت ، أو بطلب ذلك من المطعم ، أو غير ذلك ؛ لأن المقصود إطعامهم وكفايتهم ومواساتهم ، ولا فرق في هذا المعنى بين أن يكون مصنوعاً في البيت أو المطعم ، إلا أن يكون لأهل البلد عرف خاص في ذلك ، فينبغي مراعاته ، كأن يعتبروا إرسال طعام المطعم : غير لائق بمثلهم ، أو نحو ذلك .
ثانياً :
القول بأن أهل الميت في هذا الزمان ليسوا بحاجة لصنع الطعام لهم ؛ لتوافر المطاعم ، وعدم تشاغلهم بالميت كما كان الحال في الماضي : غير دقيق ، وبيان ذلك من وجوه :
الأول :
أن النص الشرعي علق الحكم على " انشغال أهل الميت بميتهم " ، وهذا الانشغال – سواء البدني أو الذهني – موجود قبل وجود المطاعم ، وبعد وجودها ، فلا تأثير لتوافرها على هذا الحكم ؛ لأن النفوس مهما بلغت ، لا بد أن تتكدر ، ولا سيما إذا كان المصاب جللاً عظيماً .
قال ابن قدامة : " يُسْتَحَبُّ إصْلَاحُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ ، يَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ ، إعَانَةً لَهُمْ ، وَجَبْرًا لِقُلُوبِهِمْ ؛ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا اشْتَغَلُوا بِمُصِيبَتِهِمْ ، وَبِمَنْ يَأْتِي إلَيْهِمْ ، عَنْ إصْلَاحِ طَعَامٍ لَأَنْفُسِهِمْ ".
انتهى من " المغني " (3/496) .
الثاني :
أن أهل الميت كما شغلوا بميتهم عن صنع الطعام ، فهم مشغولون به أيضاً عن التواصل مع المطاعم لطلب الطعام وتحديد الوجبات المطلوبة ، وربما وجد أهل الميت غضاضة وحرجا في أنفسهم من طلب الطعام من المطعم ، وهم على تلك الحال ، بل قد يعيبهم الناس بذلك ، ويرون ذلك منهم قلة اكتراث بمصابهم ، واهتمام بأمر ميتهم ، ومثل ذلك يحصل ، ويقال !!
الثالث :
لو كان الحكم منوطاً بقدرتهم على صنع الطعام فقط ؛ لاستثني العلماء من هذا الحكم : أهل الغنى والثراء ، ممن لهم خدم وحشم يخدمونهم ، ولطُلب منهم تكليف خدمهم غير المشغولين بالميت بصنع الطعام ، بدلاً من ندب الجيران والأصدقاء لصنع الطعام لهم .
الرابع :
أن تقديم الطعام لأهل الميت من الجيران والأقارب والأصدقاء ، فيه معنى زائد عن مجرد إطعامهم ، وهو تحقيق الترابط الاجتماعي والمواساة ، وإشعارهم بالوقوف إلى جانبهم في هذه المصيبة التي نزلت بهم .
ولذلك قال ابن العربي : " وهو أصل في المشاركات عند الحاجة … فذهولهم عن حالهم بحزن موت وليهم ، اقتضى أن يتكلف لهم عيشهم " انتهى من " عارضة الأحوذي" (4/219).
الخامس :
أن الانشغال الوارد في الحديث كما يشمل الانشغال البدني ، يشمل الانشغال الذهني ، فهم مشغولون بسبب هذا المصاب ذهنياً عن التفكير بصنع الطعام أو طلبه من المطاعم أو تكليف الخدم بصنعه .
قال العيني : " يستفاد من الحديث استحباب صنعة الطعام لأهل الميت ، سواء كان الميت حاضرا ، أو جاء خبر موته ، وذلك لاشتغال أهله بخبره ، أو بحاله ، ولذلك علل عليه السلام بقوله: ( فإنه قد أتاهم أمرٌ يَشغَلُهم ) أي: فإن الشأن : قد أتاهم أمر، أي: شأن وحالة ، شَغلهم عن صنعة الطعام وغيره " انتهى من " شرح سنن أبي داود " (6/ 59) .

ومع ذلك : فالواجب أن يبقى الأمر في حدوده المشروع ، دون الخروج به عن الحد المعقول إلى المباهاة والمفاخرة .
قال السيوطي : " هَذَا الْأَمر كَانَ فِي الِابْتِدَاء على الطَّرِيقَة المسنونة ، ثمَّ صَار حَدثا فِي الْإِسْلَام ، حَيْثُ صَار مفاخرة ومباهاة ، كَمَا هُوَ الْمَعْهُود فِي زَمَاننَا ؛ لِأَن النَّاس يَجْتَمعُونَ عِنْد أهل الْمَيِّت ، فيبعث أقاربهم أطعمة لَا تَخْلُو عَن التَّكَلُّف ، فَيدْخل بِهَذَا السَّبَب الْبِدْعَة الشنيعة فيهم ". انتهى من " شرح سنن ابن ماجه " ( ص: 116) .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android