أنا فتاة عمري 23 غير متزوجة ، تعرضت لحادث في عضلات الظهر ، والأطباء يقولون : بضرورة العلاج قبل الزواج ، ووالداي يرفضان العلاج ؛ بسبب جهلهما ، وخوفا من كلام الناس ، لا أستطيع تحمل الألم أكثر من ذلك ، فطاعتهما أهلكتني ، ولا سبيل لدي إلى الخروج بدون إذنهما . السؤال ما الواجب علي فعله : طاعتهما أم مخالفتهما ؟
حكم ترك طاعة الوالدين لأجل العلاج
السؤال: 214117
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ليست الطاعة للوالدين مطلقة ، كما هي في حق الله ورسوله ، بل هناك من الأحوال : ما لا تلزم فيه طاعة الوالدين ، بل لا تجوز ، كما لو أمراه بما فيه معصية لله .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله : " فلا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به ، ولا في كل ما ينهيان عنه باتفاق العلماء " انتهى من " إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " (2/296) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" ما فيه منفعة للإنسان ولا ضرر على الأبوين فيه ، فإنه لا طاعة للوالدين فيه منعاً أو إذناً ؛ لأنه ليس فيه ضرر وفيه مصلحة ، وأي والد يمنع ولده من شيء فيه مصلحة له ، وليس على الوالد فيه ضرر فإنه مخطئ فيه وقاطع للرحم ؛ لأن الذي ينبغي للأب أن يشجع أولاده من بنين أو بنات على فعل كل خير ، ونظير هذا أن بعض النساء يمنعن بناتهن من صوم أيام البيض ، أو من صوم يومي الاثنين والخميس بحجة أن في ذلك مشقة ، وكلفة عليهن ، مع أن الذي يحس بالكلفة والمشقة هن البنات الصائمات ، فلا يحل للوالد أن يمنع ولده من فعل طاعة ، سواء أكان ذكراً أم أنثى ، إلا إذا كان على أحد الأبوين في ذلك ضرر ، كما لو كان الأب أو الأم يحتاج أحدهما إلى تمريض مثلاً ، وإذا اشتغل الابن أو البنت بهذه الطاعة ضَرَّ الأب أو الأم ، فحينئذ لهما أن يمنعاه ، ويجب عليه هو أن يمتنع ؛ لأن بر الوالدين واجب والتطوع ليس بواجب " انتهى " الشرح الممتع " (8/13 – 14) .
ثانيا :
حاصل كلام أهل العلم أنه يشترط لوجوب الطاعة المخرجة عن حد العقوق شروط :
الشرط الأول : ألّا تكون طاعتهما في معصية الله ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وينظر في ذلك إلى جواب السؤال رقم : (162423) .
الشرط الثاني : أن تكون في طاعتهما منفعة لهما ، أو دفع أذى عنهما ، من غير تعنت ولا إرهاق لولديهما ، أما إذا كانا يأمران بشيء بسبب نقص العقل والجهل ، أو بسبب التعنّت وكان في طاعتهما ضياع مصالح الولد ، فقد ذهب أهل العلم إلى : عدم وجوب الطاعة في هذه الحالة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " والمراد به – أي العقوق – صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد " .
انتهى من " فتح الباري " (10/406) .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : " كما يعلم من ضابط العقوق الذي هو كبيرة وهو أن يحصل منه لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بِالْهَيِّنِ – أي عرفا – … لكن لو كان – أي الوالد – في غاية الحمق ، أو سفاهة العقل ، فأمر أو نهى ولده بما لا يُعَدُّ مخالفته فيه في العرف عقوقا : لا يفسق ولده بمخالفته حينئذ " انتهى من " الزواجر عن اقتراف الكبائر " (2/76) .
الشرط الثالث : ألّا يكون في الطاعة ضرر على الولد ؛ لأن الضرر تسقط به الفرائض والواجبات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية ، وإن كانا فاسقين … وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه … ؛ لسقوط الفرائض بالضرر . وتحرم الطاعة في المعصية ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
انتهى من " الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية – للبعلي " (ص/170) .
وجاء في كتاب " الفروق " للقرافي (1/267 – 268) : " وكما نمنعه من إذَايَتِهِمَا ، نَمْنَعُهُمَا من إذايته " انتهى .
وقال العدوي المالكي رحمه الله : " وكذا لا يجب طاعتهما فيما كان في تركه ضرر ، مثل : أن يأمراه بترك معيشة ، أو صناعة " انتهى من " حاشية العدوي " (4/289) .
ثالثا :
مما سبق يتبين أنه إذا كان في تركك للعلاج : ضرر عليك ، أو ألم زائد ، وكان والداك يمنعانك من التداوي ، أو إجراء العملية الجراحية ، فقط : لأجل كلام الناس ، أو مراعاة للعادات ، أو التقاليد ، أو نحو ذلك من العلل والأسباب غير الصحيحة ؛ فلا يلزم طاعة الوالدين في هذه الحالة ، ولا يعد إجراء العملية الجراحية ، ومخالفة رغبتهما : عقوقا ، ولا إساءة إليهما .
لكن يبقى النظر في كيفية تحقيق ذلك المطلب ، خاصة وأنك لا تستطيعين الخروج من البيت من غير إذنهما ، فضلا عن إجراء مثل هذه العملية ، وما تحتاجه من نفقات ، وتواصلات مع الأطباء ، ونحو ذلك ؟!
وحينئذ : فلا يظهر لنا حل لمشكلتك إلا بالتواصل مع والديك ، ومحاولة إقناعهما بذلك ، والاستعانة عليهما بذوي العقل والمشورة من أهلك وأقاربك ، ليقنعوا والديك بذلك .
وبالإمكان أن تتفقي معهما ، بمعونة الناصحين ، على مراجعة طبيب آخر ، موثوق فيه ، معروف بالمهارة فيما تحتاجين إليه ، فلعل كلامه وتقريره يقنعهما ويرضيهما .
وإذا كان هناك سبيل إلى العلاج الحكومي الآمن ، والموثوق فيه ، ولا يحتاج منك مالا ، فلا حرج عليك في الاستفادة منه ، ولو لم يرض الوالدان ، مع الاجتهاد في أن يصحبك بعض الثقات من أقاربك .
على أننا لا نرى لك تصعيد الأمر إلى مصادمة مع الوالدين ، ربما تكدر عليك عيشك معهما بعد ذلك ، أكثر من تكدير ألم المرض الذي تعانينه .
نسأل الله أن يتم عليك الشفاء والعافية ، وأن يصلح والديك ، ويهديهما لما فيه الخير والمنفعة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة