اشتريت لاب توب مستعمل منذ أيام وتساورني الشكوك في صحة البيع ، للأسباب الآتية :
أولا – أن البيع تم في مسجد حيث قال لي البائع : انتظرني في المسجد الفلاني . ولم أكن أعلم أن البيع في المسجد منهي عنه إلا بالصدفة بعدما اشتريته .
ثانيا – أن بطارية الاب توب لا تعمل وأنا قبل أن أشتريه يجب أن يجربه البائع أمامي لكي أتأكد أن الجهاز يعمل ، فاستخدم البائع كهرباء المسجد حين كان يجرب الجهاز وسمعت بأن استخدام الكهرباء من المسجد في هذه الأمور قد يكون محرمًا ، فهل إذا كان استخدام الكهرباء حراما يبطل البيع ؟
ثالثا – الشراء على شراء المسلم : حيث إن البائع كان يعرض جهاز اللاب توب على موقع للإعلانات على النت وحينما اتصلت بالبائع قلت له : أريد أن آتى إليك غدا . فقال لي في أثناء الكلام : إن هناك شخصا آخر يريد أن يشترى الجهاز ، فقلت له : إذًا اتصل بهذا الشخص ؛ لأني من محافظة أخرى ، فبدل ما أقطع كل هذه المسافة تأكد من الشخص الآخر ( المشترى الآخر ) ، فرد على وقال : أنا لم أعطه كلمة ، فهل هذا شراء على شراء ؟
إذا تم عقد البيع في المسجد ، فهل يحكم بصحته ؟
السؤال: 214127
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
المساجد بيوت الله ، والواجب أن تصان عن عقود البيع والشراء وغيرها من المعاملات المالية ؛ فقد روى الإمام أحمد (11/257) ، وأبو داود (1079) من طريق عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : ( نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ ) ، والحديث حسنه الترمذي في جامعه ، والنووي في ” رياض الصالحين ” ، وابن حجر في ” نتائج الأفكار ” (1/ 297) ، وغيرهم من العلماء .
وروى الترمذي (1321) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في ” الإرواء ” ( 1295 ) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال : (156898) ، وجواب السؤال رقم : (10524) .
واختلف العلماء رحمهم الله : هل هذا النهي للتحريم أم الكراهة ، وإذا تم عقد البيع داخل المسجد ، هل يحكم بصحته أم لا ؟
والذي عليه جمهور العلماء : أن العقد صحيح مع الكراهة .
وذهب الحنابلة ـ في المشهور من المذهب ـ إلى أن عقد البيع في المسجد محرم وباطل ؛ لورود النهي عن البيع في المسجد ، والنهي يقتضي الفساد .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ” وحكى الترمذي في جامعه قولين لأهل العلم من التابعين في كراهة البيع في المسجد .
والكراهة قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، وهو عند أصحابنا كراهة تحريم ، وعند كثير من الفقهاء كراهة تنزيه ” انتهى من ” فتح الباري ” (3/347) .
وقال ابن هبيرة رحمه الله : ” وَاخْتلفُوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد : فَمنع صِحَّته وجوازه : أَحْمد ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة : البيع جَائِز ، وَيكرهُ إِحْضَار السّلع فِي الْمَسْجِد وَقت البيع ، وَينفذ البيع مَعَ ذَلِك ، وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ مَعَ الْكَرَاهَة ” انتهى من ” اختلاف الأئمة العلماء ” (1/ 348) .
وقال البهوتي رحمه الله : ” فَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فِي الْمَسْجِدِ : فَبَاطِلٌ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَإِنَّمَا هَذِهِ بُيُوتُ اللَّهِ لَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَيْعَ ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ ” ، انتهى من ” كشاف القناع عن متن الإقناع ” (2/366) .
وما ذهب إليه جمهور العلماء من صحة البيع هو الأقرب ؛ لأن النهي يرجع إلى سبب خارج عن ماهية البيع وشروطه ، وقد رجح هذا القول : ابن قدامة من الحنابلة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية .
قال الجصاص رحمه الله : ” وَلَوْ بَاعَ فِيهِ : جَازَ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمَعْنًى فِي غَيْرِ العقد ” انتهى من ” أحكام القرآن ” (3/600) .
وقال ابن قدامة رحمه الله : ” فَإِنْ بَاعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ ، وَشُرُوطِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ مُفْسِدٍ لَهُ ، وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ ، كَالْغِشِّ فِي الْبَيْعِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ .
وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ) ، مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ بِفَسَادِ الْبَيْعِ : دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ ” انتهى من ” المغني ” (6/383) .
وقال ابن خزيمة رحمه الله : ” لَوْ لَمْ يَكُنِ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ) مَعْنًى ” انتهى من ” صحيح ابن خزيمة ” (2/ 274) .
وقال المرداوي رحمه الله : ” وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ” انتهى من ” الإنصاف” (3/386) .
بل قال ابن بطال رحمه الله : ” وقد أجمع العلماء أن ما عُقد من البيع في المسجد : أنه لا يجوز نقضه ، إلا أن المسجد ينبغي أن يُجنب جميع أمور الدنيا ” انتهى من ” شرح صحيح البخارى ” (2/105) .
وهذا الإجماع وإن كان في نقله نظر ، لما سبق من نقل الخلاف عن الحنابلة ، إلا أنه يفيد أن هذا قول عامة العلماء .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة