0 / 0

إذا تم عقد البيع في المسجد ، فهل يحكم بصحته ؟

السؤال: 214127

اشتريت لاب توب مستعمل منذ أيام وتساورني الشكوك في صحة البيع ، للأسباب الآتية :
أولا – أن البيع تم في مسجد حيث قال لي البائع : انتظرني في المسجد الفلاني . ولم أكن أعلم أن البيع في المسجد منهي عنه إلا بالصدفة بعدما اشتريته .
ثانيا – أن بطارية الاب توب لا تعمل وأنا قبل أن أشتريه يجب أن يجربه البائع أمامي لكي أتأكد أن الجهاز يعمل ، فاستخدم البائع كهرباء المسجد حين كان يجرب الجهاز وسمعت بأن استخدام الكهرباء من المسجد في هذه الأمور قد يكون محرمًا ، فهل إذا كان استخدام الكهرباء حراما يبطل البيع ؟
ثالثا – الشراء على شراء المسلم : حيث إن البائع كان يعرض جهاز اللاب توب على موقع للإعلانات على النت وحينما اتصلت بالبائع قلت له : أريد أن آتى إليك غدا . فقال لي في أثناء الكلام : إن هناك شخصا آخر يريد أن يشترى الجهاز ، فقلت له : إذًا اتصل بهذا الشخص ؛ لأني من محافظة أخرى ، فبدل ما أقطع كل هذه المسافة تأكد من الشخص الآخر ( المشترى الآخر ) ، فرد على وقال : أنا لم أعطه كلمة ، فهل هذا شراء على شراء ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
المساجد بيوت الله ، والواجب أن تصان عن عقود البيع والشراء وغيرها من المعاملات المالية ؛ فقد روى الإمام أحمد (11/257) ، وأبو داود (1079) من طريق عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : ( نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ ) ، والحديث حسنه الترمذي في جامعه ، والنووي في ” رياض الصالحين ” ، وابن حجر في ” نتائج الأفكار ” (1/ 297) ، وغيرهم من العلماء .

وروى الترمذي (1321) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في ” الإرواء ” ( 1295 ) .

وللفائدة ينظر جواب السؤال : (156898) ، وجواب السؤال رقم : (10524) .

واختلف العلماء رحمهم الله : هل هذا النهي للتحريم أم الكراهة ، وإذا تم عقد البيع داخل المسجد ، هل يحكم بصحته أم لا ؟
والذي عليه جمهور العلماء : أن العقد صحيح مع الكراهة .
وذهب الحنابلة ـ في المشهور من المذهب ـ إلى أن عقد البيع في المسجد محرم وباطل ؛ لورود النهي عن البيع في المسجد ، والنهي يقتضي الفساد .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ” وحكى الترمذي في جامعه قولين لأهل العلم من التابعين في كراهة البيع في المسجد .
والكراهة قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، وهو عند أصحابنا كراهة تحريم ، وعند كثير من الفقهاء كراهة تنزيه ” انتهى من ” فتح الباري ” (3/347) .

وقال ابن هبيرة رحمه الله : ” وَاخْتلفُوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد : فَمنع صِحَّته وجوازه : أَحْمد ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة : البيع جَائِز ، وَيكرهُ إِحْضَار السّلع فِي الْمَسْجِد وَقت البيع ، وَينفذ البيع مَعَ ذَلِك ، وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ مَعَ الْكَرَاهَة ” انتهى من ” اختلاف الأئمة العلماء ” (1/ 348) .
وقال البهوتي رحمه الله : ” فَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فِي الْمَسْجِدِ : فَبَاطِلٌ ، قَالَ أَحْمَدُ : وَإِنَّمَا هَذِهِ بُيُوتُ اللَّهِ لَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَيْعَ ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ ” ، انتهى من ” كشاف القناع عن متن الإقناع ” (2/366) .

وما ذهب إليه جمهور العلماء من صحة البيع هو الأقرب ؛ لأن النهي يرجع إلى سبب خارج عن ماهية البيع وشروطه ، وقد رجح هذا القول : ابن قدامة من الحنابلة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية .
قال الجصاص رحمه الله : ” وَلَوْ بَاعَ فِيهِ : جَازَ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمَعْنًى فِي غَيْرِ العقد ” انتهى من ” أحكام القرآن ” (3/600) .

وقال ابن قدامة رحمه الله : ” فَإِنْ بَاعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ ، وَشُرُوطِهِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ مُفْسِدٍ لَهُ ، وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ ، كَالْغِشِّ فِي الْبَيْعِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ .
وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُولُوا : لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ) ، مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ بِفَسَادِ الْبَيْعِ : دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ ” انتهى من ” المغني ” (6/383) .

وقال ابن خزيمة رحمه الله : ” لَوْ لَمْ يَكُنِ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ) مَعْنًى ” انتهى من ” صحيح ابن خزيمة ” (2/ 274) .

وقال المرداوي رحمه الله : ” وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ” انتهى من ” الإنصاف” (3/386) .

بل قال ابن بطال رحمه الله : ” وقد أجمع العلماء أن ما عُقد من البيع في المسجد : أنه لا يجوز نقضه ، إلا أن المسجد ينبغي أن يُجنب جميع أمور الدنيا ” انتهى من ” شرح صحيح البخارى ” (2/105) .

وهذا الإجماع وإن كان في نقله نظر ، لما سبق من نقل الخلاف عن الحنابلة ، إلا أنه يفيد أن هذا قول عامة العلماء .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android