0 / 0
49,89530/05/2014

صيغة القسم في القسامة

السؤال: 215280

كيف تكون صيغة القسم في القسامة ، أتكون على قوم ، أو على معين ؟
ففي الحديث : سألهم النبي الكريم أن يقسموا ، ولكن على من ؟ عندنا في حديث حماد يقسم خمسون منكم على رجل منهم ، فيدفع برمته ؟ وإذا كان على جماعة ، فكيف يكون القصاص ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الْقَسَامَةِ هي الْأَيْمَانُ الْمُكَرَّرَةُ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ .
وفي ” الشرح الممتع ” (14/ 193) :
” صفة القسامة أن يدعي قومٌ أن مورِّثَهم قتله فلان ، ويحلفون على أنه هو القاتل ، ويكررون الأيمان ، فإذا فعلوا ذلك وتمت شروط القسامة : أُعطي المدَّعَى عليه لهؤلاء يقتلونه ، فليس فيها بيِّنة ، وإنما فيها هذه الأيمان فقط ” .

والأصل فيها حديث سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ – رضي الله عنه – قَالَ : ” انْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ، وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إلَى خَيْبَرَ , وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ , فَتَفَرَّقَا , فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ – وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلاً – فَدَفْنه , ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ , فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ , فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ( كَبِّرْ , كَبِّرْ ) – وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ – [ أي أصغرهم ] فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا.
فَقَالَ: ( أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ , أَوْ صَاحِبَكُمْ ؟ )
قَالُوا : وَكَيْفَ نَحْلِفُ , وَلَمْ نَشْهَدْ , وَلَمْ نَرَ؟ ، قَالَ: ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِيناً ؟ ) ، قَالُوا: كَيْفَ بِأَيْمَانِ قَوْمِ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – مِنْ عِنْدِهِ .[ أي أعطاهم ديته من بيت المال ] ” .
وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ : ” فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: ( يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ , فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ ) [ أَي أَسيراً مقيداً بحبله ] , قَالُوا : أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ ؟ قَال : ( فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ ؟ ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَوْمٌ كُفَّارٌ ” .
والحديث أخرجه البخاري (6142) ، ورواه مسلم (1669 ) .
قال ابن دقيق العيد :
” وَمَوْضِعُ جَرَيَانِ الْقَسَامَةِ : أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ ، وَلَا تَقُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَيَدَّعِي وَلِيُّ الْقَتِيلِ قَتْلَهُ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ ، وَيَقْتَرِنُ بِالْحَالِ : مَا يُشْعِرُ بِصِدْقِ الْوَلِيِّ ، عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الشُّرُوطِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ، أَوْ بَعْضِهِمْ ، وَيُقَالُ لَهُ : ” اللَّوَثُ ” ؛ فَيَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ ” .
انتهى من ” إحكام الأحكام ” (2/ 222) .
فمن أهم شروط القسامة : وجود ” اللَّوْثَ ” ؛ وهي القرينة المشعرة بصدق أهل القتيل ، كوجود العداوة الظاهرة بين القتيل وأهل المحلة التي وجد فيها مقتولا ، أو وجود تهديد سابق من المتهم بالقتل ، أو نحو ذلك من القرائن التي تتفاوت بتفاوت الأحوال .
وينظر حول ” اللوث ” ، وصوره عند الفقهاء : “الموسوعة الفقهية الكويتية” (35/342) وما بعدها.

ثانيا:
اختلف العلماء رحمهم الله في المدعى عليه في القسامة : هل يشترط أن يكون معينا ، أم لا ؟
قال ابن قدامة رحمه الله :
” وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ، فَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ ، أَوْ محَلَّةٍ ، أَوْ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ، أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ ، لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ : تُسْمَعُ ، وَيُسْتَحْلَفُ خَمْسُونَ مِنْهُمْ ” انتهى من “المغني ” (8/ 489) .

ثم وقع الخلاف بين من يشترط التعيين ، فيما إذا كانت دعوى القتل على جماعة معينين:
فقيل : لا تصح الدعوى ، سواء كانت بقتل عمد أو غيره ، وهو مذهب الحنابلة.
وقيل: تصح الدعوى ، سواء كانت بقتل عمد أو غيره ، فإذا تمت القسامة بشروطها : قُتلت الجماعة المعينة ، إذا كان عمدا مستوفيا شروط القصاص ، قاله بعض الشافعية.
وقيل: إن كانت الدعوى بقتل عمد : لم تصح إلا على واحد . وإن كانت بغيره : صحت على الجماعة ، فتجب الدية عليهم ؛ وهو قول مالك والشافعي .
وللتوسع في المسألة ينظر : ” المغني “(8/ 509) ، و ” المنتقى من فرائد الفوائد ” لابن عثيمين (ص: 189) .

وإلى إمكان إقامة الدعوى على أكثر من واحد يميل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال :
“ولو قال قائل : نجعلها كغيرها من الدعاوِي ، بمعنى إن ادعى على واحد أجرينا عليه القسامة ، وإن ادعى على اثنين فأكثر : أجرينا عليهم القسامة ؛ لأنه من الممكن أن يدعي المدعون أن شخصين قتلاه مع التواطؤ ” انتهى من ” الشرح الممتع ” (14/ 203) .

ثالثا:
وهل يترتب على القسامة قصاص ، أم لا ؟
جاء في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” (33/ 179):
” لا خلاف بين الفقهاء في حجية القسامة ، ووجوب الدية على عواقل المدعى عليهم إذا كان القتل خطأ، وإنما الخلاف بينهم فيما يجب بها ، إذا كان القتل المدعى به عمدا.
فذهب المالكية والشافعي في القديم والحنابلة : إلى وجوب القود ، وبه قال الزهري وربيعة وأبو ثور وغيرهم .
ويرى الحنفية ، والشافعية في الجديد : وجوب الدية وعدم وجوب القصاص ” انتهى .
والقول بترتب القصاص إذا تمت شروطه أقرب لصراحة الروايات الدالة عليه ، وهو قول أكثر أهل العلم .
قال النووي :
“وهو قول الزهري وربيعة وأبي الزناد ومالك وأصحابه والليث ، والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود ، وهو قول الشافعي في القديم ، وروى عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز . قال أبو الزناد : قلنا بها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون ، إني لأرى أنهم ألف رجل ؛ فما اختلف منهم اثنان ” انتهى من ” شرح النووي على مسلم” (11/ 143) .
وينظر : ” إحكام الأحكام ” ، لابن دقيق العيد (2/ 223) .
على أننا ننبه هنا إلى أن هذا هو نظر في المسألة من حيث العموم ، والبحث الفقهي ، وأما النظر في الواقعة المعينة ، والحكم فيها بالقسامة من عدمه ، فإنما يرجع فيه إلى القضاء الشرعي ، وليس إلى آحاد الناس ، أو البحث العام في المسألة .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android