0 / 0

الأدوية المحرمة

السؤال: 215281

أنا طبيبة أود لو تدلوني بشكل عملي – بالأمثلة إن أمكن – عن العلاجات والأدوية المحرم وصفها للمريض ، فأنا أعلم أنه لا يجوز وصف المسكرات ، ولكن بشكل عملي قد لا أنتبه إلى أن بعض الأدوية من المسكرات ، فأرجو إرشادي .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
من نعم الله سبحانه وتعالى على عباده أن قدَّر لكل داء دواء ، ورغَّب في التداوي .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً ‏) رواه البخاري (5678 ) .
وعَنْ جَابِرٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّهُ قَالَ : ‏( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏) رواه مسلم (2204 ) ‏.‏
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( لكل داء دواء ) ، تقوية لنفس المريض والطبيب ، وحثٌ على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه " .
انتهى من " زاد المعاد " (4/15) .
ومع الإذن بالتداوي ، والترخيص فيه ، أو طلبه ، فقد جاء النهي عن التداوي بالحرام .
عَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ : " أَنَّ طَارِقَ ابْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَمْرِ ؟ فَنَهَاهُ ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا .
فَقَالَ : إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ .
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ ‏) رواه مسلم ( 1948 ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ " رواه الترمذي ( 2045 ) ، وصححه الألباني .
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً ، فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ ) رواه ابو داود ( 3874 ) ، قال الشيخ الأباني رحمه الله تعالى : " الحديث صحيح – من حيث معناه – لشواهده " انتهى من " التعليقات الرضية على الروضة الندية " (3/154) .

ثانياً :
ليس بمجرد القول أن الدواء يحتوي على محرم كالخمر أو نجس كالخنزير : يحرم ؛ بل هناك تفصيل عند أهل العلم ، نلخصه في التالي :

1- التداوي بالمحرمات والنجاسات الصرفة :
كالتداوي بالخمر ، أو كما يفعل بعض الناس في بعض البلدان حيث يتناول بعضهم بول نفسه .
فهذا محرّم ؛ لما مرَ من الأحاديث الناهية عن التداوي بالخمر والخبائث .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : " التّداوي بالمحرّمات النّجسة محرّم ؛ لأنّ الأدلّة الدّالّة على التّحريم مثل قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) ، وحديث : ( كُلُّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ حَرَامٌ ) ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ ) عامّة في حال التّداوي وغير التّداوي ، فمن فرّق بينهما فقد فرّق بين ما جمع اللّه بينه وخص العموم ؛ وذلك غير جائز " انتهى من " مجموع الفتاوى " (21/562 ) بتصرف يسير.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والمعالجة بالمحرمات قبيحة شرعاً وعقلاً .
أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها .
وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يُحَرِّم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : ( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) ؛ وإنما حرَّم على هذه الأمة ما حرَّم لخبثه ، وتحريمه له حِمية لهم ، وصيانة عن تناوله ، فلا يناسب أن يُطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثَّر في إزالتها ، لكنه يُعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المُدَاوَى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب " انتهى من " زاد المعاد " ( 4/143) .
وينظر للفائدة الفتوى رقم : (8795 ) .

2- الدواء المخلوط بالمسكرات :
تواجد المسكر في الدواء له حالان :
الحال الأولى : إذا كانت كمية المسكر قليلة ؛ بحيث لو قُدِّر أن إنساناً شرب من هذا الدواء كميةً كبيرة لا يسكر.
ففي هذه الحال : قد أفتى جماعة من العلماء بجواز شرب مثل هذا الدواء ؛ لأن الخمر حُرِّم شرب قليلها وكثيرها بسبب الإسكار ، أما هذا الدواء فزالت منه علة الإسكار ، فلا يسكر قليله ولا كثيره ؛ فلهذا أجازوا تناوله .
وللفائدة ينظر جواب الفتوى رقم : (40530 ) .
الحال الثانية : أن تكون نسبة المسكر كبيرة في الدواء ؛ بحيث لو قُدِّر أن إنساناً شرب منه كثيراً يسكر ؛ ففي هذه الحال لا يجوز صرفه للمريض لوجود علة الإسكار ، ويصبح حكمه حكم الخمر.
فعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِتْعِ ؟ فَقَالَ ‏: (‏ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ ) " رواه مسلم ( 2001 ) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ) رواه أبو داود ( 3681 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " ( 3681 ) .

3- الدواء المخلوط بالمحرمات النجسة :
كبعض الأدوية التي تحوي شيئا من شحم الخنزير ، أو أجزاء من الميتة ونحو ذلك ، فهنا حالان:
الحال الأولى : استحالة هذه المحرمات النجسة عند خلطها بالدواء .
والاستحالة : " تحوّل الشّيء وتغيّره عن وصفه‏ " انتهى من " الموسوعة الفقهية " ( 3/213) .
فبعض النجاسات أثناء عملية صنع الدواء تتعرض لعمليات كيميائية تجعلها تفقد خواصها وتصبح مواد أخرى .
وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن النجاسة إذا فقدت صفاتها ، وتغيرت ، بحيث أصبحت شيئاً آخر : فقد زال عنها في هذه الحال سبب التنجيس ، فيحكم بطهارتها .
قال القرافي رحمه الله تعالى : " وذلك أن الله تعالى ـلم يقض على الأعيان بأنها نجسة ، ولا متنجسة ، بمجرد كونها جواهر ولا أجساماً ، إجماعا ؛ بل لأجل أعراض خاصة قامت بتلك الأجسام ، من لون خاص ، وكيفية خاصة معلومة في العادة ، فإذا انتفت تلك الكيفية ، وتلك الأعراض : انتفى الحكم ، لانتفاء موجِبه " انتهى من " الفروق " (2/207) .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وعلى هذا الأصل : فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس ، فإنها نجسة لوصف الخَبَث ، فإذا زال الموجِبُ زال الموجَبُ ، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها بل وأصل الثواب والعقاب .
وعلى هذا : فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت ، وقد نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبور المشركين من موضع مسجده ، ولم ينقل التراب ، وقد أخبر الله سبحانه عن اللَّبن أنه يخرج من بين فَرْث ودَم ، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا عُلِفَت بالنجاسة ، ثم حبست وعلفت بالطاهرات : حلّ لبنها ولحمها ، وكذلك الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ، ثم سقيت بالطاهر : حلت ؛ لاستحالة وصف الخبث ، وتبدله بالطيب .
وعكس هذا : أن الطيب إذا استحال خبيثاً ، صار نجساً ؛ كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة ، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثاً ، ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيباً ؟
والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب ، ولا عبرة بالأصل ، بل بوصف الشيء نفسه … " انتهى من " اعلام الموقعين " (3/183) .
وهذا قول الجمهور كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فإن الجمهور على أن المستحيل من النجاسات طاهر ، كما هو المعروف عن الحنفية والظاهرية ، وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد ، ووجه في مذهب الشافعي‏ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/510) .
وينظر للفائدة الفتوى رقم : (97541 ) .

الحال الثانية : إذا كان النجس باقياً في الدواء على هيئته الأصلية ، ولم يتغير إلى مادة أخرى ؛ فمثلا بعض الأدوية تحتوي على شحم الخنزير ، ويبقى على أصله ، لا يتغير حالة تحضير الدواء ، ففي هذه الحال يكون تناوله محرماً ، لأنه تناول لأجزاء من النجاسة .
وللفائدة طالعي كتاب " أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية " لمؤلفه حسن بن أحمد الفكي ، وهو كتاب مفيد لك في تخصصك وأسلوبه سهل ، وتجدينه على شبكة الانترنت .
والحاصل من ذلك كله :
أن المحرم : سواء كان مسكراً ، أو نجساً غير مسكر : إذا كان قد فقد أوصافه التي حرم لأجلها ، فلم يبق لأوصاف النجاسة أثر ، أو لم يبق للمسكر المخلوط بالدواء تأثير بالإسكار : حل تناول هذا الدواء ، وحل وصفه للمريض ، لأن المحرم ، أو النجس : قد استهلك فيه ، ولم يبق له أثر.
وأما إذا كان أثر المُحَرَّم باقياً : لم يحل وصفه ، ولا التدواي به .
وبقاء ذلك من عدمه : يعرفه أهل الخبرة ، بالحس والتجربة ، وتساعد معرفة النسب المخلوطة بالدواء على معرفة ذلك أيضاً .

ثالثاً :
أما ما يخص ذكر أسماء الأدوية التي تحتوي على محرم ، فهذا عليك أن تسألي عنه أهل الاختصاص كالصيادلة المختصين في صنع الأدوية الموثوق بدينهم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android