كيف يحكم على “الفعل” بأنه فرض أو واجب أو سنة أو مستحب أو مباح ؟ ومن أتى بهذه التصانيف ؟ أرجو الإجابة مع ذكر المراجع بالتفصيل .
الأمارات والطرق التي تدل على وجوب الشيء أو ندبه أو حرمته أو كراهته أو إباحته
السؤال: 216016
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
1- الله سبحانه وحده هو من له حق الحكم والتشريع , والتحسين والتقبيح , والتحليل والتحريم , قال تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/ 40 ، وقال تعالى : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) الشورى/ 10 , وقد أنكر سبحانه على من اتخذ مشرِّعا غيرَ الله سبحانه ، فقال تعالى – منكرا عليهم – : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه ) ثم هددهم وتوعدهم على ذلك بقوله تعالى ( وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/ 21 .
جاء في ” التحبير شرح التحرير ” (2 / 729) : ” الحاكم هو الله ، والعقل لا يحسن ولا يقبح ، ولا يوجب ولا يحرم ” انتهى بتصرف .
2- أوجب الله سبحانه على العبد أن يكون مطيعا لربه في جميع أحواله , وفي كل ما يفعله بجوارحه الظاهرة والباطنة ، وذلك بأن يجري على مقتضى طلب الله سبحانه ، وإذنه ، فيفعل ما طُلب منه فعله ، ويترك ما طُلب منه تركه ، ويختار فيما أُذن له في فعله وتركه ، إذ كل فعل من أفعال المكلف إما أن يكون مطلوب الفعل من جهة الشرع , أو مطلوب الترك , أو مأذونا في فعله وتركه , وهذا ما يُعرفُ بالحكم الشرعي , والأحكام الشرعية التكليفية خمسة وهي : الوجوب أو الإيجاب , والندب , والتحريم , والكراهة , والإباحة .
قال القرافي – رحمه الله – : ” الأحكام الخمسة : الوجوب , والتحريم , والندب , والكراهة , والإباحة ” انتهى من “الفروق للقرافي” (3 / 197) .
فالفعل الذي يتعلق به الوجوب يسمى واجبا , والفعل الذي يتعلق به الندب يسمى مندوبا , والفعل الذي يتعلق به التحريم يسمى محرما , والفعل الذي يتعلق به الكراهة يسمى مكروها , والفعل الذي يتعلق به الإباحة يسمى مباحا.
3- أما تقسيم الأحكام الشرعية التكليفية إلى هذه الخمسة فطريقه الاستقراء , يقول الشيخ عبد الكريم الخضير في “شرح الورقات” : ” وطريق الحصر في الخمسة : الاستقراء ؛ لأن الطلب إما أن يكون طلباً للفعل ، أو الكف عنه ، أو للتخيير ، فالأول إن كان جازماً على ما تقدم فهو الواجب ، وإن كان من غير جزمٍ فهو المندوب ، والثاني طلب الكف ، إن كان مع جزمٍ فهو المحظور ، وإن كان من غير جزم فهو المكروه ، وإن كان الثالث الذي هو التخيير فهو الإباحة ” انتهى من “موقع الشيخ” على هذا الرابط :
http://www.khudheir.com/audio/1143
4- أما الحكم على الشيء بأنه واجب أو مندوب أو مباح ونحو ذلك : فله طرق قررها الأصوليون ويمكن إيجازها فيما يلي :
أولا:
الأمر ينقسم إلى قسمين : أمرٌ على سبيل الحتم والإلزام ، وهو الإيجاب , وأمر لا على سبيل الحتم والإلزام وهو الندب .
فالإيجاب يعرف بطرق كثيرة متعددة منها : أن يأتي النص بصيغة تدل على الأمر ، والصيغ التي تدل على الأمر أربعة , قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى : ” اعلم أن الصيغ الدالة على الأمر أربع ، وكلها في القرآن ، وهي : فعل الأمر نحو : (أقم الصلاة) الإسراء/ 78 , والمضارع المجزوم بلام الأمر نحو : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) النور/ 63 , واسم فعل الأمر نحو : (عليكم أنفسكم) المائدة/ 105 , المصدر النائب عن فعله نحو (فضرب الرقاب) محمد/ 4 .
” انتهى من “مذكرة في أصول الفقه” (1 / 225) .
وهناك صيغ أخرى – أيضا – تدل على كون الشيء واجبا , منها : ” التصريح من الشارع بلفظ الأمر، كقوله تعالى: (إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) النساء/ 58 , ومنها : التصريح بلفظ الإيجاب , أو الفرض , أو الكَتْب، كقوله تعالى : (فريضة من الله) التوبة/60 ، وقوله : (كتب عليكم القصاص في القتلى) البقرة/ 178 , ومنها : كل أسلوب في لغة العرب يفيد الوجوب، كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) آل عمران/ 97 , ومنها : ترتيب الذم والعقاب على الترك، كقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور/ 63 ” .
انتهى من “المهذب في علم أصول الفقه المقارن” (1 / 156) بتصرف .
قال ابن القيم – رحمه الله – : ” ويستفاد الوجوب بالأمر تارة ، وبالتصريح بالإيجاب والفرض والكتب ، ولفظة (على) ولفظة (حق على العباد ، وعلى المؤمنين) وترتيب الذم والعقاب على الترك ، وإحباط العمل بالترك وغير ذلك” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 3) .
ثانيا :
أما الندب ، وهو الأمر الذي لا يدل على الحتم والإلزام ، فله – أيضا – أمارات وعلامات يعرف بها , منها : ” الأمر الصريح إذا وجدت قرينة تصرفه من الوجوب إلى الندب، مثل قوله تعالى : (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) ، فهذا الأمر للندب وليس للوجوب، والقرينة الصارفة هي السُّنَّة التقريرية ؛ حيث إنه لما نزلت هذه الآية لم يكاتب بعض الصحابة عبيدهم الذين بين أيديهم، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم . ومنها: التصريح بأن ذلك سُنَّة، كقوله صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان – في رواية – : ” وسننت لكم قيامه “. ومنها: التصريح بالأفضلية الواردة من الشارع، ومنه قوله – في غسل الجمعة – : ( ومن اغتسل فالغسل أفضل ) ، ومنها: كل عبارة تدل على الترغيب، ومنه قوله – عليه السلام – لبريرة – حيث أعتقت وفارقت زوجها مغيثا وكان رقيقا – ( لو راجعتيه ) ” .
انتهى من “المهذب في علم أصول الفقه المقارن” (1 / 235) بتصرف .
وهناك أمور مشتركة تدل على الواجب تارة وعلى المندوب تارة , وقد ذكرها ابن القيم – رحمه الله – بقوله : ” وكل فعل عظَّمه الله ورسوله ومدحه , أو مدح فاعله لأجله , أو فرِح به أو أحبَّه أو أحب فاعله , أو رضي به أو رضي عن فاعله , أو وصفه بالطيّب أو البركة أو الحسن , أو نصَبَه سببا لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل , أو نصَبَه سببًا لذِكره لعبده ، أو لشكره له ، أو لهدايته إياه , أو لإرضاء فاعله أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته , أو لقبوله ، أو لنصرة فاعله ، أو بشارة فاعله بالطيب , أو وصف الفعل بكونه معروفا , أو نفي الحزن والخوف عن فاعله, أو وعده بالأمن أو نصبه سببا لولايته , أو أخبر عن دعاء الرسل بحصوله أو وصفه بكونه قربة , أو أقْسَم به أو بفاعله ، كالقَسَم بخيل المجاهدين وإغارتها , أو ضحك الرب جل جلاله من فاعله أو عجبه به , فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب ” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 4) .
ثالثا:
وأما النهي فهو ينقسم – أيضا – إلى قسمين : نهيٌ على سبيل الحتم والإلزام وهو التحريم , ونهيٌ لا على سبيل الحتم والإلزام وهو الكراهة .
فالتحريم يُعرف بطرق , منها : صيغة النهي إذا جاءت مطلقة عما يصرفها عن حقيقتها إلى معان أخرى , فالأصل في النهي أنه للتحريم , كما في قوله تعالى : (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الإسراء/ 32، 33 ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا يبع بعضكم على بيع بعض ) ، فلو جاءت معها قرينة ٌ تصرفها إلى الكراهة ، فإنها تنصرف إليها , كما نص على ذلك علماء الأصول .
ومنها : استعمال لفظة التحريم ومشتقاتها كما في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) المائدة/ 3 ، وقوله تعالى (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ) البقرة/ 85 , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ) .
ومنها : التصريح بعدم الجواز ، أو نفي الحل ؛ فلو صرح الشرع بأن هذا الأمر غير جائز , أو أنه ليس حلالا، فإنه يكون محرما مثل قوله تعالى : (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) البقرة/ 228 , وقوله تعالى : (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ) البقرة/ 229 , وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم ٍ إلا بإحدى ثلاث ) .
ومنها : ترتيب العقوبة على الفعل من الله تعالى ، أو من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بأن يُذكر فعل ٌ ما ، ثم تُذكر عقوبته , كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/ 4 , فالجلد هنا عقوبة على القذف فدل ذلك على كون القذف محرما ً , وقوله تعالى : (وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/ 38 , فالسرقة ُ محرمة ؛ لأنه سبحانه رتب عليها عقوبة قطع اليد .
ومنها : صيغة الأمر التي تدل على طلب الترك والمنع من الفعل ، مثل لفظ الاجتناب ، أو لفظ الترك ، أو الكف ونحو ذلك , كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) الحج/ 30 ، وقوله تعالى : (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين) البقرة/ 278 , فقوله : ( اجتنبوا ) صيغة أمر تدل على وجوب الترك , و( ذروا ) أيضاً صيغة أمر تدل على وجوب الترك , ووجوب الترك معناه أن هذا الأمر محرم .
ومنها: لفظ (ما يكون لك ) , يقول ابن القيم – رحمه الله – : ” وأما لفظة (ما يكون لك , وما يكون لنا ) فاطَّرد استعمالها في المحرَّم نحو : (فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا) , (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا) , (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ)” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 6) .
وقال أيضا – رحمه الله – : ” ويستفاد التحريم من النهي ، والتصريح بالتحريم والحظر ، والوعيد على الفعل ، وذم الفاعل ، وإيجاب الكفارة بالفعل ، وقوله : (لا ينبغي) ؛ فإنها في لغة القرآن والرسول للمنع عقلا أو شرعا ، ولفظة : (ما كان لهم كذا , ولم يكن لهم) ، وترتيب الحد على الفعل , ولفظة : (لا يحل , ولا يصلح) ، ووصف الفعل بأنه فساد , وأنه من تزيين الشيطان وعمله , وإن الله لا يحبه , وأنه لا يرضاه لعباده ، ولا يزكي فاعله ولا يكلمه ولا ينظر إليه ، ونحو ذلك” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 3) .
رابعا :
وأما المكروه فله – أيضا – صيغ وأمارات تدل عليه , فمن ذلك : ” لفظة ” كره ” وما يشتق منها، فمن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن اللَّه كره لكم قيل وقال , وكثرة السؤال ). ومنها لفظة النهي : ” لا تفعل ” إذا احتفت بها قرينة تصرفها عن التحريم إلى الكراهة .
وهناك صيغ غير ما ذكرنا للكراهة تعرف من سياق الكلام ” انتهى من “المهذب في علم أصول الفقه المقارن” (1 / 284) باختصار وتصرف .
لكن التحقيق في لفظة (كره) أنها تستعمل في التحريم والكراهة ، واستعمالها في التحريم أكثر , وفي ذلك يقول ابن القيم – رحمه الله – : ” وأما لفظة يكرهه الله تعالى ورسوله ، أو مكروه ؛ فأكثر ما تستعمل في المحرم ، وقد يستعمل في كراهة التنزيه” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 6) .
ومما يدل على الكراهة -أيضا – ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” أما أنا فلا أفعل” , قال ابن القيم – رحمه الله – ” وأما لفظة (أما أنا فلا أفعل) فالمتحقق أنها من الكراهة ، كقوله: (أما أنا فلا آكل متكئا )” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 6) .
خامسا:
وأما المباح فله في الشرع ونصوص الوحي معنيان , الأول : ما خيَّر الشارع فيه بين الفعل والترك , والثاني : ما قال الشارع فيه : لا حرج في فعله , جاء في ” الموافقات ” للشاطبي (1 / 223) : ” المباح يطلق بإطلاقين : أحدهما : من حيث هو مخير فيه بين الفعل والترك . والآخر: من حيث يقال: لا حرج فيه ” انتهى.
والإباحة – أيضا – لها صيغ وأمارات تدل عليها , فمنها : استعمال لفظ (أَحَلَّ) ومشتقاتها , قال تعـــالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) البقرة/ 187 , وقال تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/ 275 , ومنها : رفع الجناح ، كما في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) البقرة/ 198 , وقوله تعالى : (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة) البقرة/ 236 ، ومنها : رفع الحرج كما في قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) النور/ 61 , ومنها : التنصيص على عدم الإثم والسبيل على فاعله , من ذلك قوله تعالى : ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/ 41 ، 42 .
ويعرف المباح أيضا من القرائن التي تحيط أحيانا بصيغ الأمر فــــتصرفها عن الوجوب والندب إلى مجرد الإباحة ، كقوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/ 187 ، فالقرينة دلت على أن الأمر هو للإبــــــاحة لا الوجوب ؛ لأن هذه الأشياء كانت محرمة على الصائم إذا نام بعد الغروب ، فخفــف الله عن المسلمين ورفعها عنهم , فقال : (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ) البقرة/ 187 ، فصرح بإباحتها لهم .
قال ابن القيم في “بدائع الفوائد” (4 / 6) : ” وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ورفع الجناح والإذن والعفو ، و “إن شئت فافعل” و “إن شئت فلا تفعل” ، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع , وما يتعلق بها من الأفعال نحو : (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً) ، ونحو : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) ، ومن السكوت عن التحريم , ومن الإقرار على الفعل في زمن الوحي , وهو نوعان : إقرار الرب تبارك وتعالى , وإقرار رسوله صلى الله عليه وسلم إذا عَلِم الفعل . فمن إقرار الرب تعالى، قول جابر : “كنا نعزل والقرآن ينزل”، ومن إقرار رسوله صلى الله عليه وسلم قول حسان لعمر : “كنت أنشد وفيه من هو خير منك” انتهى.
وقال ابن القيم – أيضا – : ” وتستفاد الإباحة من الإذن , والتخيير , والأمر بعد الحظر , ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة , والإخبار بأنه معفو عنه , وبالإقرار على فعله في زمن الوحي , وبالإنكار على من حرَّم الشيء , والإخبار بأنه خلق لنا كذا وجعله لنا , وامتنانه علينا به , وإخباره عن فعل من قبلنا له غير ذامٍّ لهم عليه , فإن اقترن بإخباره مدح فاعله لأجله ، دل على رجحانه استحبابا أو وجوبا ” انتهى من “بدائع الفوائد” (4 / 4) .
وتستفاد الإباحة – أيضا – من فعله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان : إذا وقع على هيئة معينة ، وبأوصاف معينة ، لا يحتمل المقام ذكرها ولا بسط القول فيها , ولكنها مستوفاة في كتاب ” أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية ” المؤلف : الدكتور محمد سليمان الأشقر .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب