0 / 0
50,02330/08/2014

حكم من يعاني اضطرابا في الشخصية ويحصل له عدم إدراك أحيانا

السؤال: 216514

هل القلم مرفوع عن شخص يعاني من اضطراب الشخصية المرتابة ، وبسبب الاكتئاب الشديد والأعراض الذهانية التي نتجت عن تفاقم حالته الصحية أصبح انطوائياً ، ولا يدري أو يفهم ما يحدث من حوله ، هل يأخذ هذا الشخص حكم المجنون ؟
مع العلم بأنّ هذا الشخص يؤدي الصلاة في المسجد ، ولكن بسبب سوء حالته أصبح يصلي في البيت ، وإذا كان يدخل في حكم المجنون فهل يقبل الله منه الصلاة والدعاء والعمل الصالح ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

قياس القدرات العقلية للمريض النفسي أو لمن يعاني من أية اضطرابات نفسية ليس مرجعه إلى المفتي أو الفقيه ، بل مرجعه إلى أطباء النفس المختصين الذين يملكون أدوات القياس ، بعد تشخيص الحالة وإجراء الاختبارات اللازمة لفهمها .
فالاكتئاب نفسه أنواع ودرجات ، والانطوائية أحد مظاهر المرض ، وليست هي المرض نفسه ، فقد ينطوي العاقل على نفسه ، وقد ينطوي المجنون على نفسه ؛ ولهذا كله فليس من الصواب أن تجزم الفتوى الحكم على إنسان بالعقل أو الجنون من خلال بضع كلمات كتبت في السؤال ، بل لا بد من عرض المريض على الطبيب ، بل يمكن عرضه على لجنة من الأطباء لتقدير حالته ، ولكتابة التقرير الطبي الذي يصف ما يعاني منه ، وهذا التقرير تنبني عليه أمور كثيرة في تحديد أهلية الوجوب والأداء ، والمسؤولية التكليفية والشرعية المترتبة عليه ، سواء في القوانين الشرعية أم في القوانين الوضعية ، خاصة في الإنسان الذي يشتبه أمره على من حوله ، حيث يستشعرون منه بعض التعقل ، وفي الوقت نفسه لا يلمسون منه فهم خطابهم ولا مجريات الأمور حولهم ، وهذا ما يسمى في الفقه بـ ” المعتوه “.
يقول السمعاني رحمه الله :
” العته نوع جنون ، إلا أنه يعقل قليلا ” انتهى من ” قواطع الأدلة في الأصول ” (2/ 389) .
ويقول عبد العزيز البخاري الحنفي رحمه الله :
” العته آفة توجب خللا في العقل ، فيصير صاحبه مختلط الكلام ، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء ، وبعضه كلام المجانين ، وكذا سائر أموره .
فكما أن الجنون يشبه أول أحوال الصبا في عدم العقل ، يشبه العتهُ آخرَ أحوال الصبا في وجود أصل العقل ، مع تمكن خلل فيه ….
فيوضع عن المعتوه الخطاب ، كما يوضع عن الصبي ، فلا يجب عليه العبادات ، ولا يثبت في حقه العقوبات ، كما في حق الصبي ، وهو اختيار عامة المتأخرين ” .
انتهى من ” كشف الأسرار شرح أصول البزدوي ” (4/274)
ويقول الدكتور عبدالكريم النملة رحمه الله :
” يوجد بين المجنون والمعتوه فروق إليك أهمها :
الفرق الأول : أن المعتوه له عقل ، ولكنه ضعيف عن إدراك وفهم الخطاب . أما المجنون فإنه لا عقل له .
الفرق الثاني : أن المعتوه قد يكون مميزا ، وقد يكون غير مميز ، بخلاف المجنون ، فلا يكون مميزا أبداً .
الفرق الثالث : المعتوه لا يصاحبه تهيج واضطراب ، بخلاف المجنون فقد يصاحبه تهيج واضطراب .
فالمعتوه غير مكلَّف مطلقا ، وهو مذهب الجمهور ، وهو الصحيح ؛ قياسا على المجنون ، وعلى الصبي غير المميز ، والجامع : ضعف العقل عن إدراك حقائق الأمور ، وعن فهم خطابات الشارع على ما هي عليه ” انتهى من ” المهذب في أصول الفقه المقارن ” (1/335) .
وقد سبق في الفتوى رقم : (214189) بيان تفصيل ضابط المكلف من غير المكلف لمن أصابته آفة الجنون أو العته ، يمكن الإفادة منها هناك .
فإن أدى فاقد الإدراك – سواء كان معتوها أو مجنونا – العبادات : فإننا نرجو أن يكتب الله عز وجل له أجرها ، ويثيبه عليها ، كما تصح عبادة الصبي ويؤجر عليها ، بل صحح كثير من العلماء حج المجنون مثلا ، ونصوا على ثوابه ، وإن لم يجزئ عنه ، وكرم الله واسع ، وباب ثوابه وأجره لا ينفد .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :
” هناك رجل ضعيف العقل ، ولكنه ليس مجنونا ، إلا أنه لا يستطيع التمييز بين أشياء كثيرة ، فهو لا يستطيع العد من الواحد إلى العشرة مثلا مهما حاولنا معه ، هل يجب على مثل هذا الرجل الصيام والصلاة وضبطها عليه ، حيث إنه يكلف ببعض الأعمال ، مما يؤدي إلى عطشه ، كالرعي ؟
فأجاب بقوله :
إذا كان يعقل أن الله أوجب عليه الصوم والصلاة ، يفهم أنه خلق ليعبد الله ، ويميز فيما يتعلق بماله في ضبط ماله والتصرفات في ماله ، فهذا من العقلاء ، يلزمه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه من صلاة وغيرها .
أما إن كان عقله قد اختل ، وتبين خلل عقله ، وأنه من جملة المعتوهين الذين ليس لهم عقل يميزون به بين الحق والباطل ، أو بين الخير والشر ، وبين ماله ومال غيره ، ونحو ذلك ، فالعاقل بيِّنٌ ، إن كان عاقلا فعليه التكاليف ، وإن كان غير عاقل سقطت عنه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن الصغير حتى يبلغ ) .
فالذي يشبه المجنون ، بعدم ضبطه للأمور ، وعدم حسن التصرف لأن عقله مفقود ، فلا تكليف عليه ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر ” (6/ 14) .
والخلاصة :
أن المصاب باضطراب الشخصية إذا شخَّص الطبيب حالته بأنه لا قدرة لديه على الإدراك وتمييز الأمور ، فلم يعد يفهم الخير من الشر ، والصواب من الخطأ ، فمثلُه رُفع عنه القلم حتى يشفى مما هو فيه ، قال عليه الصلاة والسلام : ( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ) رواه أبوداود في ” السنن ” (رقم/4403) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود “.
والفحص الطبي هو الأقدر على تحديد هذا الأمر في إنسان معين ، ولا يكفي السؤال عبر الإنترنت .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android