0 / 0

سؤال الله هداية مَن يأكل طعاما معينا

السؤال: 217915

أعيش في إحدى دول أمريكا اللاتينية ، وقد اعتنقت الإسلام قبل خمس سنوات في المركز الإسلامي السعودي في الدولة التي أعيش بها ، وآخذ ديني من العلماء السلفيين ، ولكنني في بعض الأوقات أخرج مع جماعة الدعوة والتبليغ ؛ لما يقومون به من عمل طيب . فهم ينشئون المدارس ، ويبنون المساجد ، ويحثون الناس على تناول الطعام الحلال ، وصلاة التهجد ، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وما إلى ذلك من أعمال دعوية وخيرية ، وينتمي بعض أفراد هذه الجماعة إلى مدرسة ( ديوبند ) ، وبعضهم الآخر من السلفيين ( وأعني بذلك أنهم يتبعون العقيدة الأثرية ) ، بالرغم من أنهم لا يعتبرون أنفسهم كذلك ؛ بسبب الانتقادات التي يوجهها بعض المشايخ السلفيين لجماعة الدعوة والتبليغ .
المشكلة تكمن في أنهم في بعض الأحيان يأتون بأشياء غريبة ، فقبل بضعة أيام طلبوا مني أن أطهو بعض الطعام ، وأن أدعو الله أثناء طهوي للطعام بأن يهدي الله كل من سيأكل من هذا الطعام ، كما أخبروني بأنه ينبغي علي تقديم بعض هذا الطعام لوالدي غير المسلمين ، وعندما سألتهم عن سبب فعل ذلك حيث قلت لهم إنّ ذلك نوع من التوكل على المخلوق ، حيث يمكنني أن أدعو الله دون الحاجة لطهي الطعام ، أجابني أحدهم بأنّ هناك شيخا موجودا في بريطانيا كان يخبز الخبز ويقدمه للمسلمين ، وكان يدعو أثناء إعداد الخبز أن يجعل الله كل من يأكل من هذا الخبز داعية إلى الله ، وهو ما حدث فعلاً .
وسؤالي هو :
هل يجوز فعل ذلك ؟
فأنا أظن أنه قياساً على ذلك قد يأتي شخص ما ويقول : ” أسأل الله أن يدخل الجنة كل من يقبِّل هذا الحائط ” وذلك سيجعل الناس يذهبون لهذا الحائط لتقبيله .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

نهنئك ابتداء على إسلامك , ونهنئك ثانيا على هذه الطريقة المنهجية في التفكير ، التي تحاول من خلالها التأمل في الأفكار والأقوال والأعمال التي تعرض لك في حياتك ، وهي التي قادتك إلى اعتناق الإسلام بعد هداية الله سبحانه وتوفيقه .
ومِثلُك يُنصَح بالحرص على العلم ، والبحث والقراءة ، وقضاء الوقت في تحصيل ما يمكن من العلوم الشرعية والإنسانية عامة ، لعله يكون لك شأن في المستقبل في نفع البلاد والعباد ممن حولك ، وفي بلاد الاغتراب التي تعيشون فيها.
ولكي نكون دقيقين أيضا معك في الجواب على سؤالك ، فالأمر الذي سألت عنه مجل اجتهاد وبحث ونظر ، وليس من مقاطع اليقين ولا من موارد الاتفاق والإجماع ، ذلك أنه تتعارضه قواعد الإطلاق في الدعاء ، وقواعد التخصيص في العبادة ، ولذلك نقدر تفاوت الاجتهاد ووجهات النظر في هذا الموضوع .
إلا أن ما نميل إليه في ذلك التفرقة بين حالين :
الحال الأولى :
من يظن أن الدعاء بالهداية لا بد فيه من تقديم الطعام ، وتعليق كل لقمة أو أكلة بدعوة من الدعوات ، أو أن هذه الحالة أرجى في القبول والاستجابة عند الله سبحانه ، أو أن هناك ارتباطا ما بين هداية شخص ، وبين هذا الدعاء المخصوص ، في حالة معنية .
فحينئذ : نرى أن هذا الاعتقاد غير صحيح ولا مشروع ، وأنه يؤدي في نهاية المطاف إلى التعلق بأعمال ظاهرية – كما ذكرت في سؤالك – وربط تحقق الدعاء بها ، وهذا هو الأصل الذي قام عليه باب ” البدعة الإضافية ” .
وفي ذلك مفسدة عظيمة ، ليس آخرها إيقاع الناس في الوهم والتلبيس ، حيث يتعلقون بالأكل من الطعام أو نحو ذلك من العادات أكثر من صدق اللجوء إلى الله ، وطرح المسألة بين يديه .
وأما قصة الشخص البريطاني مع الخبز ، فهذه إذا أحسنا الظن في صاحبها ، وراويها ، ولم تكن مختلقة ، يتناقلها الناس ، دون أن يعرفوا لها أصلا ؛ فإنما مثل من يحتج بها ، كمثل رجل رأى آخر يدعو وهو يلبس طاقية ، وأجيب دعاؤه ، فظن أن كل من لبس ” الطاقية ” : أجاب الله دعاءه !!
الحال الثانية :
من يخلو من الاعتقادات السابقة ، ولا يعدو الأمر عنده الدعاء بالهداية لجميع الناس ، أو لجماعة مخصوصين يقصدهم بدعائه ، وخص ذكر الطعام ؛ لأن المجتمعين عليه : هم الذين أرادهم بدعائه .. أو نحو ذلك ؛ فهذا نرجو ألا يكون به بأس ، على ألا يعتقد للحال خصوصية معينة كما ذكرنا ، أو يجعل ذلك وردا وعادة له ، أو يربطها بحدث معين ، أو شخص ما فعل كذا ، فكان كذا ، فهذا كله من أصول الابتداع ، وأودية الباطل .
وبعد ، فلتجتهد في تحصيل العلم الشرعي ، والفرقان الإلهي بين الحق والباطل ، والسنة والبدعة ؛ ثم عاشر كل قوم على ما معهم من الخير والنفع ، واجتنب إساءة من أساء ، وبدعة من ابتدع ، واجتهد في النصح والدعوة إلى الله ، والصبر على ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله :
” وَالْبَصِيرُ الصَّادِقُ : يَضْرِبُ فِي كُلِّ غَنِيمَةٍ بِسَهْمٍ ، وَيُعَاشِرُ كُلَّ طَائِفَةٍ عَلَى أَحْسَنِ مَا مَعَهَا ، وَلَا يَتَحَيَّزُ إِلَى طَائِفَةٍ ، وَيَنْأَى عَنِ الْأُخْرَى بِالْكُلِّيَّةِ : أَنْ لَا يَكُونَ مَعَهَا شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ ، فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الصَّادِقِينَ ، وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ كَامِنَةٌ فِي النُّفُوسِ ” انتهى من “مدارج السالكين” (2/350) .
وينظر جواب السؤال رقم : (101732) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android