معلوم لدينا أن لزوم الاستغفار والإكثار من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ، تكون بإذن الله سبباً لتفريج الهموم وكشف الغمة وزوال الكربة .
ولكن ماذا لو فعل ذلك المرء ( أي أنه لزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على الحبيب عليه الصلاة والسلام ) رجاءً في ثواب الله تعالى وطمعاً في كرمه بأن يفرج ما أصابه من هم وغم ، بسبب ابتلاءات تخص أبنائه أو أي من ذويه وخاصته ؟
فهل يدخل بإذن الله ضمن هذا الفضل في تفريج الكربات ، على الرغم من أنه ليس صاحب الهم بطريقة مباشرة ولكنه صاحبه لأنه يخص أبنائه ؟
هل يصلح أن يتوسل إلى الله بالعمل الصالح ليكشف كربه الذي أصابه بسبب بلاء نزل بأحد أبنائه ؟
السؤال: 218048
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لا شك أن لزوم الاستغفار والتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مما يفرج الله به الهم ويكشف به الكرب ، ومن أكثر من ذلك يبتغي زوال همه وكشف كربه ، فإنه يتوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح لقضاء حاجته ، وهو من التوسل المشروع .
وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/ 2 ، 3 .
وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَدْفَعَ كُلَّ ضَرَرٍ بِمَا شَاءَ ، وَلَا يَجْلِبَ كُلَّ نَفْعٍ بِمَا شَاءَ ، بَلْ لَا يَجْلِبُ النَّفْعَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ ، وَلَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ ” انتهى من ” الفتاوى الكبرى ” (3/15) .
وانظر للفائدة إلى جواب السؤال رقم : (39775) ، وجواب السؤال رقم : (161228) .
وفي كفاية الهم والسلامة من محن الدنيا وعوارضها بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ينظر جواب السؤال رقم : (128455) .
ثانيا :
لا شك أيضا أن من أعظم ما يهتم به المرء شأن أولاده وذويه ، فيفرح لفرحهم ، ويكرب لكربهم ، ويهتم لهمهم ، وكثيرا ما يكون الاهتمام بشأن الأولاد أولى وأعظم من الاهتمام بشأن النفس ، فحاجة الأولاد عادة مقدمة على حاجة المرء ذاته .
فكثير من الناس يكون حزنه على ما أصاب زوجته أو أحد أولاده أعظم بكثير من حزنه وهمه لما أصابه في خاصة نفسه .
وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يهتم بشأن أمته أعظم الهم ويكرب لذلك ويبكي ، فيكشف الله عنه هذا الكرب ويرضيه فيهم ؛ فروى مسلم (202) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ : ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : ( اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ) ، وَبَكَى ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ ) فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللهُ : ( يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ، وَلَا نَسُوءُكَ ) .
فأزال عنه كربه بحصول النعمة فيهم .
فاكتراب الرجل واهتمامه بما يصيب زوجته أو أحدا من أولاده وذويه من أعظم ما يصيبه من الكرب ، فكربهم من كربه ، وهمهم من همه ، فلو أنه لزم الاستغفار وأكثر من فعل الطاعات ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لكشف هذا الكرب فلا بأس بذلك ، كما أنه لا بأس بأن يدعو الله لزوال الهم والغم ، وهو من التوسل المشروع لقضاء الحاجات وكشف الكربات .
وقد قال سعيد بن المسيب لابنه : ” لَأَزِيدَنَّ فِي صَلَاتِي مِنْ أَجْلِكَ ، رَجَاءَ أَنْ أُحْفَظَ فِيكَ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) الكهف/ 82 ” انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” (1/467) .
فمن أكثر من الصالحات ليكشف الله عنه كربه الذي أصابه بما أصاب زوجته أو ولده أو أخاه من البلاء فقد أحسن ، وإن الله عز وجل ليرضي العبد الصالح في زوجته وذريته بصلاحه وتقواه .
وإذا توسل العبد بالعمل الصالح لزوال كربه الذي أصابه بما أصاب ابنه أو زوجته من البلاء ، فقد يرفع الله هذا البلاء ، ويكشف هذا الضر ، فيرضي الله عبده الصالح في ذويه بفضله ورحمته .
وقد يكشف الله عن هذا العبد الهم والكرب بإلهامه الصبر والاحتساب ، فيصبر ويحتسب ، فيعظم أجره عند الله ، ويبدله سبحانه عن همه وكربه انشراح الصدر وراحة البال ، حتى وإن لم يرفع البلاء عن عمن يحب بالكلية .
فهذا التوسل بالعمل الصالح ، صالح لرفع الضر وزواله بالكلية ، وهو صالح أيضا لرفع الهم وكشف الكرب وإن لم يزل البلاء ، وفضل الله واسع .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (194733) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة