0 / 0

هل يشرع له هجر إمام المسجد الذي لا يقبل النصح في ترك البدعة ؟

السؤال: 218771

صليت إماما في المسجد ، فتحدث رجل من أهل الحي : أننا لا نريد إماما مذهبيا .. ، وهي كلمة يراد بها كل من يلتزم … ؛ ولم يعقب أحد من المصلين على كلامه ، فلم أتقدم لإمامة المصلين في هذا المسجد منذ ذلك اليوم ، إلا إذا أمرني أحد المصلين بالإمامة خوفا من أن أكون ممن أم قوما وهم له كارهون ، وبعد فترة من الزمن أصبح صاحبنا الذي تحدث عني إماما لهذا المسجد ، إلا أنه كان يلحن كثيرا في قراءة القرآن ، ولم تكن صلاته على ما يرام ، حسب علمي بصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يترك يوما الدعاء الجماعي بعد أن يصلي بالناس ، ويؤمّن المصلون بعد دعائه ، بالرغم من أنني ذكرت له أن الدعاء بهذه الكيفية : حكمه البدعة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، فلم يقبل كلامي ، واعتبر ذلك من باب “التمذهب” ، كما يطلقها على أنصار السنة , لذلك لم أحتمل التعامل معه كالسابق ، فلم أستطع مصافحته منذ ذلك اليوم .
السؤال : هل يجوز هجري له من باب التعامل ، ليترك هذا التمسك الشديد ببدعته ؟ وإذا لم يجز هذا : كيف أتعامل معه ، مع العلم بأنه يجادل بغير علم ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الأصل تحريم هجر المسلم فوق ثلاث ، لكن هذا حيث يكون الهجر لحظ النفس ، أو حال الدنيا .

وأما الهجر لأجل الدين ، مثل هجر أهل البدع ، أو أهل الفسق والفجور : فهذا أمر ينظر فيه إلى المصلحة الشرعية ؛ فإن غلب على الظن حصول مصلحة شرعية من وراء هذا الهجر ، كأن يرتدع المبتدع عن بدعته ، أو ينفضّ الناس من حوله ، أو يقل عدد المغترين به ، أو يضعف انتشار بدعته ، أو نحو ذلك من المصالح الشرعية : فإن هجرَه حينئذ يكون مشروعا .
أما مع عدم حصول مصلحة من وراء هجره : فإنه لا يهجر .

ثم إن هجر المبتدع والعاصي ، في مثل ذلك ، مع أنه من مسائل الاجتهاد والنظر فيما يرجى من مصلحة الهجر ؛ فهو كذلك أمر يختلف باختلاف الزمان ، والمكان ، ونوع البدعة ، وقدرها في ميزان الشرع ، فليس الهجر في الأماكن التي تظهر فيها السنة ، ويكون لأهلها فيها شوكة وغلبة ، بحيث يرجى أن يرتدع المبتدع بمثل ذلك ، ويقطع أصل بدعته ، كأماكن الغربة ، وأزمانها ، واستضعاف أهل السنة ، وعدم مبالاة من هجر ، بهجر الهاجر ، بل ربما زاد بعضهم في بدعته ، ولج في أمره .

ثم ليست بدع الاعتقاد ، كبدع الأعمال ؛ بل الغالب أن يكون أمر الأولى أشد ، والتحذير منها أقوى ، والنهي عن مثلها أوجب .

ثم ليست بدع الاعتقاد والعلوم : سواء ، بل هي متفاوتة في ذلك تفاوتا عظيما ، فمنها البدع الكبار المخرجة من الملة ، ومنها دون ذلك .
وهكذا بدع العمل أيضا : ليست على مرتبة واحدة ، بل منها الكبار ، ومنها الصغار ، ومنها بين ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الواجب على من كان له قرناء فيهم بدعة أن ينصحهم ويبين لهم أن ما هم عليه بدعة لعل الله أن يهديهم على يديه حتى ينال أجرهم .
فإن أصروا على ما هم عليه من البدعة : فإن كانت البدعة مكفرة وجب عليه هجرهم والبعد عنهم .
وإن لم تكن مكفرة ، فلينظر : هل في هجرهم مصلحة ؟ إن كان في هجرهم مصلحة هجرهم ، وإن لم يكن في هجرهم مصلحة فلا يهجرهم ؛ وذلك لأن الهجر دواء ؛ إن كان يرجى نفعه فليفعل، وإن لم يرجَ نفعه فلا يفعل ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (4/ 2) بترقيم الشاملة .

وانظر جواب السؤال رقم : (171445) .

ثانيا :
إذا كان هذا الإمام يلحن في قراءة الفاتحة لحنا يحيل المعنى ، أو يسقط حرفا ، أو يبدل حرفا بحرف ، ونحو ذلك : فلا يجوز له أن يؤم الناس ، ولا يجوز للناس أن يقدموه للإمامة .
وإن كان يخطئ فيها خطأ لا يحيل المعنى، ولا يغير حروف الآيات أو يسقطها : فصلاته وصلاة من خلفه صحيحة ، إلا أن مثل هذا لا يقدم للصلاة ، وفي الناس من هو أفضل منه قراءة ، بل يؤم القوم : أقرؤهم لكتاب الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .

قال الشيخ صالح الفوزان حظه الله :
” إذا كان إخلاله بالفاتحة يخل بالمعنى؛ فهذا لا تجوز الصلاة خلفه ، إلا لمن هو مثله؛ لأن قراءة الفاتحة على الوجه الصحيح ركن من أركان الصلاة؛ فلا تصح الصلاة خلف من يلحن فيها لحنا يخل بالمعنى؛ كما لو كان يقرأ ( أنعمت عليهم ) : ( أنعمت ) ؛ بالضم، أو : ( العالمين ) : ( العالمين ) ؛ بكسر اللام؛ هذا يخل بالمعنى؛ فلا يجوز الصلاة خلف من هذه حاله .
أما إذا كان اللحن لا يحيل المعنى؛ فهذا أيضا لا يجعل إماما وهناك من هو أحسن منه قراءة ” انتهى من “المنتقى من فتاوى الفوزان” (49 /51) .
انظر جواب السؤال رقم : (70270) ، (146489) .

ثالثا :
يشرع الجهر بالأذكار التي تقال عقب الصلوات ، لثبوت السنة به ، لكن على وجه الانفراد ، دون الاجتماع عليه ، وبالقدر الذي لا يشوش على المصلين .
انظر جواب السؤال رقم : (154213) .
وأما الدعاء الجماعي بعد الصلاة المكتوبة : فهو من البدع المحدثة ، قال علماء اللجنة الدائمة :
” الدعاء الجماعي بعد الصلاة بدعة لا أصل له في الشرع، والمشروع الذكر، والدعاء بالوارد بعد السلام من كل مصل بمفرده ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (2/ 241)
وينظر جواب السؤال رقم : (105644) ، ورقم : (115781) ، ورقم : (93757).

على أن الذي يظهر أن مخالفة الإمام في الدعاء الجماعي بعد الصلوات : ليست مما يوجب هجرا بين المسلمين بذاتها ؛ بل ينبغي أن يناصح الإمام في ذلك ، ولو ناصحه غيرك : لعله أن يكون أولى وأنفع .
فإن وجدت مسجدا أفضل ، تقام فيه صلاة الجماعة ، وحاله أقرب للسنة ، وإمامه أقرأ من هذا الإمام : فصل معهم ، إن كان بمقدورك ذلك .
وإن لم يتيسر ذلك : فصل مع الناس ، ما دامت صلاة الإمام صحيحة في نفسها .
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله ، في كتاب الصلاة من صحيحه :
بَاب : إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : صَلِّ ؛ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ .
ثم روى فيه بإسناده (663) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ ، فَقَالَ : إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ ، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى ، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ ، وَنَتَحَرَّجُ ؟
فَقَالَ : الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ ؛ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (13766).

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android