حكم التقاط الصور خلسة ونشرها
السؤال: 21922
ما حكم التقاط الصور خلسة ، وخصوصاً صور النساء ثم القيام بنشرها في الجوالات أو عن طريق الإنترنت ، والمرأة المسكينة لا تدري ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الفعل لا شك أن محرم ، وقد اشتمل على عديد من المحظورات
الشرعية ، والتي منها :
1- التعدي على حدود الله ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) .
2- إطلاع على العورات محرم . وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ
الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ) رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح
الترمذي .
3- هتك حرمة المسلم : وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ
وَعِرْضُهُ ) رواه مسلم .
4- إذا كان المصوِّر مؤتمنا على رؤية العورة كالطبيب ، أو
صديقتها ونحو ذلك ، كان في تصويرها ونشر ذلك خيانة للأمانة . والنصوص في ذم الخيانة
كثيرة معروفة ، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا إِيمَانَ
لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ ) رواه أحمد .
وصححه الألباني في صحيح الجامع (7179) .
5- في هذا الفعل : أذية للمؤمنات ، وقد توعد الله تعالى من آذى
المؤمنين والمؤمنات بغير جرم منهم بقوله : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً
وَإِثْماً مُبِيناً ) الأحزاب/58.
(بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي بغير جناية منهم موجبة للأذى
(فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً) حيث آذوهم بغير سبب (وَإِثْماً مُبِيناً) حيث
تعدوا عليهم ، وانتهكوا حرمة أمر الله باحترامها .
انظر تفسير السعدي (ص 1120) .
ويزداد الفعل إثما إذا كان في ذلك أذية للجار .
روي مسلم (46) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ) .
( بَوَائِقَهُ ) أَيْ دَوَاهِيَهُ , وَالْمُرَادُ الشُّرُورُ
كَالظُّلْمِ وَالْغِشِّ وَالْإِيذَاءِ .
6- فيه شبه بالمنافقين الذين كانوا يتعرضون للمؤمنات ، فتوعدهم
الله عز وجل بقوله : ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ
ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا
أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا ) الأحزاب/60،61 .
(لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي نأمرك بعقوبتهم وقتالهم ، ونسلطك
عليهم .
ولم تذكر الآية الفعل الذي ينتهون عنه ، ليعم كل ما توحي به
أنفسهم إليهم ، وتوسوس له ، وتدعو إليه من الشر ، من التعريض بسبِّ الإسلام وأهله ،
والإرجاف بالمسلمين ، وتوهين قواهم ، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة ، وغير ذلك
من المعاصي الصادرة من أمثال هؤلاء .
انظر : “تفسير السعدي” (ص 1121) .
7- مخالفة الشرع الذي أوجب الاستئذان قبل دخول البيوت ، قال الله
تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ
حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا
حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى
لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) .
قال الإمام البخاري رحمه الله :
بَاب الِاسْتِئْذَان مِنْ أَجْل الْبَصَر .
قال الحافظ :
أَيْ شُرِعَ مِنْ أَجْله ; لأَنَّ الْمُسْتَأْذِن لَوْ دَخَلَ
بِغَيْرِ إِذْن لَرَأَى بَعْض مَا يَكْرَه مَنْ يَدْخُل إِلَيْهِ أَنْ يَطَّلِع
عَلَيْهِ , وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيح بِذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي
” الأَدَب الْمُفْرَد ” وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيث
ثَوْبَانَ رَفَعَهُ : ( لا يَحِلّ لامْرِئٍ مُسْلِم أَنْ يَنْظُر إِلَى جَوْف بَيْت
حَتَّى يَسْتَأْذِن فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ ) صححه الألباني في صحيح الأدب
المفرد . أَيْ : صَارَ فِي حُكْم الدَّاخِل , وَلِلأَوَّلَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي
هُرَيْرَة بِسَنَدٍ حَسَن رَفَعَهُ : ( إِذَا دَخَلَ الْبَصَر فَلا إِذْن ) اهـ .
ثم روى البخاري (6241) ومسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : ( لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ
لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ
الْبَصَرِ ) .
” مِنْ جُحْر فِي حُجَرٍ ” الأَوَّل هُوَ كُلّ ثَقْب مُسْتَدِير
فِي أَرْض أَوْ حَائِط , وَالثَّانِي جَمْع حُجْرَة وَهِيَ نَاحِيَة الْبَيْت .
وقال النووي :
( مِدَرَى يَحُكُّ بِهِ رَأْسه ) . الْمِدْرَى حَدِيدَة يُسَوَّى
بِهَا شَعْر الرَّأْس , وَقِيلَ : هُوَ شِبْه الْمِشْط .
( إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْن مِنْ أَجْل الْبَصَر ) مَعْنَاهُ
أَنَّ الاسْتِئْذَان مَشْرُوع وَمَأْمُور بِهِ , وَإِنَّمَا جُعِلَ لِئَلا يَقَع
الْبَصَر عَلَى الْحَرَام , فَلا يَحِلّ لأَحَدٍ أَنْ يَنْظُر فِي جُحْر بَاب وَلا
غَيْره مِمَّا هُوَ مُتَعَرِّض فِيهِ لِوُقُوعِ بَصَره عَلَى اِمْرَأَة
أَجْنَبِيَّة . وَاللَّه أَعْلَم .
وروى البخاري (6242) ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ
رَجُلا اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ أَوْ
بِمَشَاقِصَ ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ.
قال الحافظ :
” بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِص ” نَصْل السَّهْم إِذَا كَانَ
طَوِيلا غَيْر عَرِيض .
و قَوْله ” يَخْتِل ” أَيْ يَطْعَنهُ وَهُوَ غَافِل .
ويدل الحديث على جواز عقوبة من اطلع في البيت بغير إذن صاحبه
برميه بشيء ولو فقأ عينه .
وروى مسلم (2158) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ
إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ ) .
قال النووي :
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِنْ اِطَّلَعَ فِي
بَيْت قَوْم بِغَيْرِ إِذْنهمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنه ) قَالَ
الْعُلَمَاء مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا نَظَر فِي بَيْت الرَّجُل فَرَمَاهُ
بِحَصَاةِ فَفَقَأَ عَيْنه . وَهَلْ يَجُوز رَمْيه قَبْل إِنْذَاره ؟ فِيهِ
وَجْهَانِ لأَصْحَابِنَا : أَصَحّهمَا جَوَازه لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيث وَاللَّه
أَعْلَم .
8- في هذا الفعل إفساد للمجتمع ، و إشاعة للفاحشة والفساد ، قال
الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي
الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .
فإذا كان هذا الوعيد الشديد لمن أحب بقلبه أن تشيع الفاحشة وتظهر
، فكيف بمن يظهرها وينقلها ؟! لا شك أن عقوبته أشد ، وإثمه أعظم .
9- الاحتفاظ بالصورة إصرار على المعصية ، وانتهاك حرمات الله ،
فيبعد صاحبها عن التوبة . قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : لا صغيرة مع إصرار
.
10- نشره للصورة مجاهرة بالذنب الذي اقترفه ، فيكون بعيدا عن
رحمة الله وعفوه ومغفرته. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ
أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ
يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ ، فَيَقُولَ : يَا فُلانُ ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ! وَقَدْ
بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)
متفق عليه .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟