حكم دفع الصدقات لمن عنده بدعة
السؤال: 21944
هل يجوز دفع الصدقات والمساعدات المالية لمن عنده بعض البدع ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا شك أن إعانة المسلم ، وتفريج كربته ، وسد خلته وعوزه ، وكف
ضيعته ، كل ذلك من مقتضيات موالاته التي وجبت له بأصل إيمانه ، كما قال الله تعالى
: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة/71 . وإلى ذلك يشير
قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ ، وَالْمُؤْمِنُ
أَخُو الْمُؤْمِنِ ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ )
رواه أبو داود (4918) وحسنه الألباني .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( يَكُفّ عَلَيْهِ ضَيْعَته ) : أَيْ
يَمْنَع تَلَفه وَخُسْرَانه . قال ابن الأثير : وَضَيْعَة الرَّجُل مَا يَكُون مِنْ
مَعَاشه كَالصَّنْعَةِ وَالتِّجَارَة وَالزِّرَاعَة وَغَيْر ذَلِكَ ، أَيْ يَجْمَع
إِلَيْهِ مَعِيشَته ، وَيَضُمّهَا لَهُ
وقوله : ( وَيَحُوطهُ مِنْ وَرَائِهِ ) : أَيْ يَحْفَظهُ
وَيَصُونَهُ وَيَذُبّ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَة . [ انظر : عون المعبود ]
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ
لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ـ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ـ )
رواه البخاري (481) ومسلم (2585) .
قال النووي : ” قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
الْمُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضه بَعْضًا ) صَرِيح فِي
تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَحَثّهمْ عَلَى
التَّرَاحُم وَالْمُلاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلا مَكْرُوه ) .
والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة كثيرة في هذا المعنى ،
وفي جميعها تعليق للموالاة والنصرة والحيطة بأسماء الإيمان والإسلام ، فالواجب أن
يكون ذلك هو أساس الحب والبغض ، والعطاء والمنع ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (
مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ تَعَالَى وَمَنَعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَحَبَّ لِلَّهِ
تَعَالَى وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَحَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ
اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ ) أحمد (1519) والترمذي (2521) وأبو داود (4681)
وحسنه الألباني .
وإذا كان الناس متفاوتين في معاني الإيمان والإسلام ، فبعضهم
أتقى لله ، وأعظم استكمالا لهذه المعاني من بعض ، فكذلك يتفاوت ما لكل واحد من حقوق
الموالاة ، بمقدار تحقيقه هذه المعاني ، وإن اشتركوا في أصل الموالاة الواجبة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ 28/ 209 ] :
( الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله ،
فيكون الحب لأوليائه ، والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه ، والإهانة لأعدائه ،
والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه . وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر ، وفجور
وطاعة ومعصية ، وسنة وبدعة ، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير ،
واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر ، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات
الإكرام والإهانة ، فيجتمع له من هذا وهذا ، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ، ويعطى
من بيت المال ما يكفيه لحاجته .
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة.. ) .
وعلى هذا الأصل العام ينبني الجواب عن هذا السؤال .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( البدعة منها ما يُعذر فيه الإنسان ، ومنها ما يصل إلى درجة
الفسق ، ومنها ما يصل إلى درجة الكفر ؛ فأصحاب البدعة المكفرة لا تجوز معونتهم
إطلاقا ، وإن تسموا بالإسلام ، لأن تسميهم بالإسلام مع الإقامة والإصرار على البدعة
المكفرة ، بعد البيان ، يُلحقهم بالمنافقين الذين قالوا نشهد إنك لرسول الله ، فقال
الله تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) المنافقون/1 .
أما البدع المفسقة ، أو التي يعذر فيها الإنسان بعذر سائغ ، فإن
بدعتهم لا تمنع معونتهم ، فيعاونون على أعدائهم الكفار ، لأنهم لا شك خير من هؤلاء
الكفار . ) الباب المفتوح ، اللقاء الثاني 1/66 .
لكن ينبغي أن يُمنعوا من صرف هذه الأموال في إقامة بدعتهم ، أو
نشرها ، فإن علم منهم ، أو غلب على ظن المعطي أنهم يستعينون بها على بدعتهم ، ولم
يمكن منعهم من ذلك ، ولا صرفها في حاجاتهم المباحة ، فإنهم لا يُعطون من هذه
الأموال ، لما فيه من إعانتهم على إثمهم ، وقد قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟