تنزيل
0 / 0

يسأل : كيف يأمر الإسلام ببر الكفار ، وينهى عن ابتدائهم بالسلام ؟

السؤال: 219514

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبدأ الكفار بالسلام . وتعلمون أن كثيرا من الشركات في بلاد المسلمين فيها كفار ، ومنهم مدراء على المسلمين . فكيف نتعامل معهم . وكيف التوفيق بين الحديث ، وانتشار الإسلام عن طريق التجار وحسن خلقهم وتعاملهم . نرجو منكم تعليمنا كيف نتعامل معهم ، ومتى نتعامل معهم بالحسنى ، ومتى لا نتعامل معهم بالحسنى . وهل معاملتنا لهم تتوقف على معاملتهم لنا ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

مِن محاسن ديننا العظيم أنه جاء بالحسنى إلى العالم أجمع ، ونزل بالرحمة إلى الخلق كلهم ، دعانا إلى أن نكون رسل سلام وعدل لجميع البشر ، إلا من تلطخت أيديهم بدماء المسلمين واضطهاد المستضعفين .

قال سبحانه : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/8 .

ومن هذه المنطلقات يمكن للموظف المسلم معاملة مديره أو زميله غير المسلم بكل ما فيه خير وبر وإحسان لهم .

وأول ذلك : إتقان العمل وإنجاز المهام الموكولة إليه بصدق وأمانة ، كي تزول الصورة النمطية القائمة في أذهان الكثيرين ، أن غير المسلمين هم الأفضل دائما في الأداء والإتقان ، وأن المسلمين يتصفون بالتقصير والإهمال . هذا رغم ما ورد في الكتاب والسنة من الحث على حفظ الأمانة ، ولو اختلفت ديانة المؤتمِن ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ) رواه أبو داود (3534) ، وصححه الألباني في ” سنن صحيح أبي داود ” .

ومن صور الإحسان إليهم : تحيتهم بكل كلام يمكن أن تُحسن به إليهم ، كتحية الصباح والمساء والسؤال عن الحال والأهل والأبناء ، والدعاء بالتوفيق والسعادة والخير ، والثناء على خصال الخير في هذا الكافر ، ونحو ذلك من جميل الملاطفات ، ولطيف المجاملات .

فلا تظنن أن منع البدء بالسلام : يعني تحريم التحية بالصيغ الأخرى ؛ فالسلام اسم من أسماء الله تعالى ، له من الخصوصية الدينية ما يقتضي حصر البداءة به بين المسلمين ، أما غير السلام من كلمات التحية ، مثل : مرحبًا ، وصباحكم سعيد ، وأهلا وسهلا ، فلا تقاس على كلمة ” السلام عليكم ” .

جاء في ” المجموع ” (4/487) للإمام النووي : ” أن يقول : هداك الله ، أو أنعم الله صباحك ، هذا لا بأس به ، إن احتاج إلى تحيته لدفع شره أو نحوه . فيقول : صبحك الله بالخير ، أو بالسعادة ، أو بالعافية ، أو بالمسرة ، ونحوه ” انتهى .

ولا بأس أن يقول للكافر ابتداء : كيف حالك ، كيف أصبحت ، كيف أمسيت ، ونحو ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، صرح بذلك جمع من أهل العلم ، منهم أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ” انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

” بعض العلماء يقول : إنك إذا قلت : صباح الخير ، أو مرحباً بفلان ، فهذا ليس بسلام ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( لا تبدءوهم بالسلام ) والسلام دعاء ، بخلاف مرحباً بفلان ، أهلاً بفلان ، فهذا تحية ، ولكنه ليس سلاماً ” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح ” .

وبهذا تعلم أن لا تعارض بين منع البدء بالسلام ، وبين أخلاق المسلمين التي نشروا بها الإسلام في الأرض .

ومن صور الإحسان في المعاملة ، والبر بهم : مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم الدنيوية ، أما أفراحهم الدينية المتمثلة في أعيادهم فتجتنبها ، وما سوى ذلك فلا بأس عليك في مشاركتهم وزيارتهم والاتصال بهم للتهنئة أو التعزية ، كأحوال النجاح ، أو الرجوع من سفر ، أو الشفاء من مرض ، أو وفاة قريب أو عزيز ، فإن لمثل هذا التواصل الأثر النافذ في القلب ولا شك ، وبمثله تثبت لهم الجوانب الإنسانية الرحيمة في ديننا الكريم ، وتستغلها في الدعوة إلى الإسلام .

روى البخاري (1356) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ : ( أَسلِم ) ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ ، فَقَالَ لَه : أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ . فَأَسلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يَقُولُ : ( الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ ) .

ومن الإحسان إليهم : اجتناب الأخلاق السيئة التي تكثر بين الموظفين في الشركة الواحدة ، والحرص على أن تكون مثالا لخلق المسلم الذي يحب أن يدعو الناس إليه ، ويدلهم عليه ، ولا يكون فتنة لغيره ، يقولون : هذا هو الإسلام ، وهؤلاء هم أهله .

ومن صور المعاملة الحسنة : منحهم مكانتهم اللائقة بهم ، وتقدير منزلتهم في العمل أو في قومهم ، فالمدير منهم يخاطب بلقبه الوظيفي اللائق به ، والزميل منهم كذلك ، فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم هرقل في كتابه بأنه ( عظيم الروم ) رواه البخاري (7) ، ومسلم (1773) .

ومن ذلك : قبول شفاعة أهل الخير والإحسان والمنزلة فيهم ، فيما لا مضرة فيه على أحد ، فقبول شفاعة غير المسلم جائزة ، لاسيما إن كانت له هيئة ومكانة ومنزلة في قومه ، ولعل هذا أن يكون أرجى لإسلامه ، أو إسلام من وراءه ؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عن الأسرى والقتلى : ( لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِىٍّ حَيًّا ، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلاَءِ النَّتْنَى ، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ ) رواه البخاري (3139) ، لأنه كان أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف ، وهو الذي أمر بتمزيق الصحيفة التي حاصرت بني هاشم .

ومن ذلك التهادي بين المسلم والكافر ، فقد قبل عليه الصلاة والسلام الهدايا التي وردته من ملوك العرب والعجم ، وألبس ثوبه عبد الله بنَ أبي بن سلول ، وكفَّنه فيه حين مات ؛ لأنه قد كسى العباس بن عبد المطلب يوم بدر وهو أسير عريان ، فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .

وأهدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأخيه المشرك في مكة حلة أهداها إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه البخاري (2619) .

ومن أعظم الإحسان إلى الناس : العفو عنهم إذا أخطؤوا أو أساؤوا ، ما لم يكن على المسلم في ذلك غضاضة ولا مهانة ، بل كان في ذلك ظهور كرمه وإحسانه ، كما عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن أذى المشركين له ، وقد صبر عليهم طويلا ، ثم أمكنه الله منهم ، وفتح عليه مكة ، فما انتقم لنفسه قط ، صلى الله عليه وسلم .

قال الإمام القرافي رحمه الله :

” أما ما أمر به من برهم ، ومن غير مودة باطنية ، فالرفق بضعيفهم ، وسد خلة فقيرهم ، وإطعام جائعهم ، وإكساء عاريهم ، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة ، لا على سبيل الخوف والذلة ، واحتمال إذايتهم في الجوار ، مع القدرة على إزالته ، لطفا منا بهم ، لا خوفا وتعظيما ، والدعاء لهم بالهداية ، وأن يجعلوا من أهل السعادة ، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم ، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم ، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم ، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم ، وإيصالهم لجميع حقوقهم ، وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ، ومن العدو أن يفعله مع عدوه ، فإن ذلك من مكارم الأخلاق .

فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل ، لا على وجه العزة والجلالة منا ، ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم ” انتهى من ” الفروق ” (3/15) .

وجاء في ” فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى ” (2/94) :

” الطريقة المثلى في معاملة المسلمين للذمي : الوفاء له بذمته ؛ للآيات والأحاديث التي أمرت بالوفاء بالعهد ، وبره ومعاملته بالعدل ، بقوله تعالى : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) ولين القول معه ، والإحسان إليه عموما إلا فيما منع منه الشرع ، كبدئه بالسلام ، وتزويجه المسلمة ، وتوريثه من المسلم ، ونحو ذلك مما ورد النص بمنعه ، وارجع في تفصيل الموضوع إلى كتاب [ أحكام أهل الذمة ] للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله ، وكلام غيره من أهل العلم في ذلك ” انتهى .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android