تنزيل
0 / 0

هل من التكبر تلقيب المرء نفسه بالدكتور ؟

السؤال: 219578

أليس من التكبر أن يلقب المسلم نفسه بـ ” الدكتور ” ، ويضع كلمة ” الدكتور ” أمام اسمه عند الكتابة ، مثل الدكتور فلان بن فلان ، أليس من التكبر أن يفخر بشهادة الدكتوراة في أي سلك كان ، هندسة ، أو علوم ، أو طب ؟
أليس من التكبر أن يضيف إلى اسمه كلمة ” الدكتور ” ولو كان حاصلا على شهادة الدكتوراة في الهندسة مثلا أو أية علوم أخرى ؟
أم له الحق أن يلقب نفسه بالدكتور بعد عناء طويل وجهد لسنوات طوال في الدراسة ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

تلقيب الشخص نفسه بـ ” الدكتور ” يختلف حكمه بحسب السياق والمقام :
أولا :
إذا جاء في سياق التعريف بنفسه في مقام يحتاج فيه إلى التعريف ، كما هو الشأن في
تأليف الكتب مثلا ، وكتابة الأبحاث ، والمشاركة في المؤتمرات والندوات ، وتقديم
البرامج النافعة على الفضائيات ، ونحو ذلك من المقامات التي تقتضي التعريف بالنفس ،
حتى تكتمل صورة الاعتماد العلمي ، والاعتراف بالتخصص المراد الحديث عنه .
ففي هذه الحالة لا بأس بتقديم الشخص نفسه باسم ” الدكتور فلان “، ولا حرج أن يكتب
على جلدة مؤلفه حرف (الدال) يرمز به لشهادة ” الدكتوراة “. وذلك لأسباب عدة :
السبب الأول :
أن محذور التكبر والخيلاء ضعيف في هذا المقام ، وإن كان يرد في قلوب بعض الناس ،
لكن ملحظ ” التعريف المجرد ” ههنا قوي أيضا ، ويقصده كثير من العلماء في هذا الحال
ولا ضير .
السبب الثاني :
أن الفقهاء والعلماء في القديم والحديث ما زالوا يعرفون عن أنفسهم بذكر أسماء
بلدانهم أو قبائلهم ، وبذكر مذاهبهم التي ينتسبون إليها ، ولا يجدون حرجا في ذلك ،
رغم ما فيه من احتمال التعصب للمذهب ، أو التفاخر بالأصل والفصل ، ولكنهم غلبوا
الجانب التعريفي المحض في هذا السياق على الملحظ الممنوع . ولا فرق بين هذه الأوصاف
التي استعملها العلماء سابقا في التعريف عن أنفسهم ، وبين وصف ” الدكتور ” الذي يدل
على مرتبة علمية معينة .
السبب الثالث :
أن لقب ” الدكتور ” فقد كثيرا من دلالته العلمية لصالح دلالته التراتبية المحضة ،
بمعنى أن حامل هذا اللقب قد تسلسل في مراحل التعليم ، وقطع أشواطا منه إلى ما يسمى
بالدكتوراة ، ولا يعني أن حامل هذا اللقب عالم بتخصصه ، فهو وصف مجرد للمرحلة (
التعليمية ) ، وليس للمرحلة ( العالمية ) ، وفرق بين الوصفين .
بل نقول ـ أيضا ـ : إن هذا اللقب ، لشهرته ، وكثرته : قد فقد كثيرا من “بهجته” ،
ومكانته الاجتماعية ، بما يضعف جانب المحذور في ذكره ، جدا .
السبب الرابع :
أن أسماء العلماء والفقهاء والفضلاء الذين لقبوا أنفسهم بهذا اللقب في مؤلفاتهم
وأبحاثهم ومشاركاتهم كثيرة لا يمكن حصرها ، ولم يعد ذلك مستنكرا ولا مستغربا ، كما
لم يعد هذا المقام علامة على كبر أو خيلاء والحمد لله .
يقول الزمخشري رحمه الله :
” قل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب ، ولم تزل في الأمم كلها من
العرب والعجم تجري في المخاطبات والمكاتبات من غير نكير ، غير أنها كانت تطلق على
حسب استحقاق الموسومين بها ” انتهى من ” ربيع الأبرار ” (2/482) .
ثانيا :
أما إذا استعمل لقب ” الدكتور ” في سياق مبالغ فيه ، فيصير حامله لا يتحدث عن نفسه
إلا مقترنا بهذا اللقب ، ويسمي نفسه به في المقام الذي يحتاجه فيه والمقام الذي لا
يحتاجه ، ويطالب كل من حوله بالمحافظة عليه في ندائه أو خطابه ، أو يتسمى به على
وجه الفخر والخيلاء في قلبه ونفسه – وكل امرئ حجيج نفسه – ، فهذه بعض الأمارات على
كراهية هذا اللقب ، وظهور ملحظ الخيلاء فيه ، وإساءة استعمال من حامله ، وهنا لا بد
من التذكير بالتواضع ، ولين الجانب ، وهضم الجناح ، وترك كل أسباب أمراض القلوب
والنفوس .
يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
” إن مبدأ هضم النفس ، واللصوق إلى الأرض ، ونحوهما من مكارم الأخلاق ، من حلية
المسلمين عامة ، وأهل العلم والمعرفة منهم خاصة ، ليحس المسلم بانخفاض مستواها عند
من يأنف من أن يدعى باسمه مجردا من هذا اللقب ، ومن يلفظ به عندما يعرف بشخصه ، أو
يرمز به في محرراته.
وهذا مسلك مناهض لآداب أهل العلم والمعرفة كافة .
ويستطيع الناظر في كتب التراجم عندما ينعم النظر في السير والرجال أن يتجلى له
بوضوح مظهر الانطباع بروح التواضع والافتقار ، ونتيجة لهذا فلن يرى من يلقب نفسه
بما كان يستحقه من لقب علمي ، أو لقب تزكية في حياته وزمانه ، بل سيرى مواقف الأنفة
من ذلك ، وهذا منتشر في كتب النقلة للسير والرجال .
فهذا الإمام المحدث أبو إسحاق السبيعي لما قال له شخص : أأنت الشيخ أبو إسحاق ؟ قال
: لا أنا أبو إسحاق .
وفي ترجمة القاضي أبي البركات الحنبلي ، المتوفى سنة (886هـ) ، كما في ” ذيل رفع
الإصر ” للسخاوي قال : ” وألزم الموقعين بالمنع من مزيد الألقاب له ولأبيه ولجده ،
وأمرهم بالاقتصار على قاضي القضاة لكل منهم ، وقال : هذا وصف صحيح ” .
انتهى من ” تغريب الألقاب العلمية ” (ص/314 من المجموعة العلمية) .
هذا وقد شدد الشيخ بكر أبو زيد النكير على من يتلقب بـ ” الدكتور ” مطلقا، في صفحات
طويلة وأوجه عديدة ، (ص318-334 من الرسالة السابقة) .
ولكن الذي نراه أولى وأوفق للصواب هو التفصيل السابق .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android