تنزيل
0 / 0
52,91316/11/2014

كيف نساعد والد المتوفى ليتوقف عن البكاء؟

السؤال: 219995

والدي بعد وفاة أخي لا يريد أن يتوقف عن البكاء ، بالرغم من أنه يوجد مدة علي الوفاة ، ويتحجج بأن البكاء رحمة ؛ فماذا نفعل معه حتي يتوقف عنه ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
مصيبة الموت ؛ مصيبة لا مفر منها ، وهي امتحان لنا لنعمل الصالحات ، ونحسن أعمالنا
؛ لننال جزاءنا ويرضى الله عنا .
والحزن والبكاء على موت قريب ، لا سيما إن كان ابناً : أمر جائز إذا كان على وجه
العادة ، ولم يكن مصحوبا بنياحة أو تسخط ، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على
موت ابنه إبراهيم ، وقال : ( إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ،
وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا
إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ) رواه البخاري (1220) ، ومسلم (4279) .
والبكاء على الميت رحمة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه عليه الصلاة
والسلام لما مات أحد أحفاده وهو في حجره صلى الله عليه وسلم ، بكى ودمعت عيناه ،
فقال له سعد بن عبادة رضي الله عنه وقد ظن أن أي بكاء على الميت ممنوع : ” مَا
هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي
قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ)
رواه البخاري (5223) ، ومسلم (1532) .

وهنا نحتاج أن نعرف متى يكون
البكاء على الميت رحمة ، فيكون ممدوحا ؟ ومتى يكون مذموما؟ ومتى يكون مباحا ؟

أما البكاء المباح : فهو
الذي يقع من الشخص نتيجة حزن القلب ، من غير تعمد ولا مبالغة . يكون الدافع عليه
رحمة ذلك الميت والشفقة عليه ، فقد عانى سكرات الموت ، وعاين الملائكة ، وانقطع
عمله ، وأقبل على أمر عظيم لا سبيل للفكاك منه ، نسأل الله تعالى السلامة والعافية
.
فيتفكر الإنسان في ذلك فتفيض عيناه رحمة وشفقة على ذلك الميت ، فهذا هو الذي عناه
الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : (هَذِهِ رَحْمَةٌ) .
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث المتقدم : ” قوله : (هَذِهِ رَحْمَةٌ) أَيْ :
الدَّمْعَة أَثَر رَحْمَة ، أَيْ أَنَّ الَّذِي يَفِيض مِنْ الدَّمْع مِنْ حُزْن
الْقَلْب ، بِغَيْرِ تَعَمُّد مِنْ صَاحِبه وَلَا اِسْتِدْعَاء : لَا مُؤَاخَذَة
عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا الْمَنْهِيّ عَنْهُ الْجَزَع وَعَدَم الصَّبْر” انتهى .
وقال النووي رحمه الله : ” مَعْنَاهُ أَنَّ سَعْدًا ظَنَّ أَنَّ جَمِيع أَنْوَاع
الْبُكَاء حَرَام ، وَأَنَّ دَمْع الْعَيْن حَرَام ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ فَذَكَرَهُ ، فَأَعْلَمَهُ النَّبِيّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُجَرَّد الْبُكَاء وَدَمَعَ العين :
لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوه ، بَلْ هُوَ رَحْمَة وَفَضِيلَة ، وَإِنَّمَا
الْمُحَرَّم النَّوْح وَالنَّدْب ، وَالْبُكَاء الْمَقْرُون بِهِمَا أَوْ
بِأَحَدِهِمَا ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَحَادِيث : ( أَنَّ اللَّه لَا يُعَذِّب
بِدَمْعِ الْعَيْن وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْب وَلَكِنْ يُعَذِّب بِهَذَا أَوْ يَرْحَم
وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه ) ، وَفِي الْحَدِيث الْآخَر : ( الْعَيْن تَدْمَع
وَالْقَلْب يَحْزَن وَلَا نَقُول مَا يُسْخِط اللَّه )” انتهى.

وأما البكاء المذموم فهو
الذي يكون فيه شيء من النياحة ، أو الندب ، أو يستدعيه الإنسان ويبالغ فيه ، فيدل
على جزعه وعدم صبره .
وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا جميعا قد مات جميع أولاده الذكور والإناث في
حياته إلا فاطمة رضي الله عنها ، فما سمعنا أنه بكى عليهم دهرا طويلا ، أو أنه كلما
تذكرهم بكى ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكر زوجته خديجة رضي الله عنها ،
وقد كان يحبها حبا عظيما ، فكان يثني عليها ، ويذكر مواقفها معه ، رضي الله عنها ،
ولم يكن يبكي كلما ذكرها ، مع شدة حبه لها .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا فعله ، وقد قال الله تعالى : ( لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب/21 .
قال ابن قاسم رحمه الله في “حاشيته على الروض المربع ” (3/153) :
“ويجوز البكاءُ على الميت إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة ، فإن أخبار النهي محمولة
على بكاء معه ندب أو نياحة ، أو أنه كثرة البكاء ، والدوام عليه أيامًا كثيرة ،
فالبكاء المباح ، والحزن الجائز هو ما كان بِدَمْع العين ، ورقة القلب، من غير سخط
لأمر الله …
والاعتدال في الأحوال ، هو المسلك الأقوم ، فمن أصيب بمصيبة عظيمة ، لا يفرط في
الحزن، حتى يقع في المحذور، من اللّطْمِ والشق ، ولا يفرط في التجلد ، حتى يفضي إلى
القسوة ، والاستخفاف بقدر المصاب …
فالبكاء على الميت على وجه الرَّحْمَةِ : حسن مستحب ، ولا ينافي الصبر ، بل ولا
الرضي، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه ” انتهى .
ثانيا :
مما يعين والدكم على الصبر : أن تذكروه بثواب الصابرين ، ( إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10، وروى الترمذي (942) عَنْ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ
لِمَلَائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ
: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : مَاذَا
قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ :
ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ) حسنه
الألباني في ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (1408) .
واقرأ على والدك هذا الحديث ، ليعلم أن ثوابه في الصبر والرضى عن الله : خير له من
بقاء ذلك الابن حيا ، وأن الله لا يقضي للمؤمن قضاء إلا وهو خير له .
مات ابن صغير لأحد الصحابة رضي الله عنه ، وقد كان ذلك الصحابي يكثر من مجالسة
النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب ذلك الطفل ، فلما
مات حزن عليه أبوه حزنا شديدا ، حتى منعه ذلك الحزن من حضور مجلس النبي صلى الله
عليه وسلم كما كان يفعل ، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم : فَقَالَ : ( مَالِي
لَا أَرَى فُلَانًا ؟ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بُنَيُّهُ الَّذِي
رَأَيْتَهُ هَلَكَ ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ) ،
ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم كلاما يحثه به على الصبر والتحمل ويبين له أن
ذلك القضاء خير له ، فماذا قال له ؟
قَالَ : ( يَا فُلَانُ ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ : أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ
عُمُرَكَ ؟ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا
وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ ؟ ، قَالَ : يَا نَبِيَّ
اللَّهِ ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ
أَحَبُّ إِلَيَّ ، قَالَ : فَذَاكَ لَكَ ) . رواه النسائي (2061) وصححه الألباني في
” أحكام الجنائز ” .

ثالثا :
عليكم أن تساعدوا والدكم في الخروج مما هو فيه ، فدائما تجلسون معه وتحادثونه ، ولا
تتركوه وحيدا ، فيذكره الشيطان بموت أخيك ليجعله دائما حزينا ، فإن حزن المسلم مما
يسعى إليه الشيطان ويفرح به : ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ
الَّذِينَ آَمَنُوا ) المجادلة/10.
اصحبوه إلى المسجد ، أو إلى زيارة قريب أو جار أو مريض ، حتى لا يكون عنده فراغ
يتسلل الشيطان من خلاله .

نسأل الله تعالى أن يلهمكم
الصبر والرضى ، وأن يعوضكم عما أصابكم خيرا .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android