أنا فتاة عربية أعيش حالياً في بلد أجنبي، وعائلتي ليست مسلمة، لكني أسلمت سراً قبل حوالي سنتين والحمد لله. لا أستطيع إعلان إسلامي حالياً خوفاً على نفسي، وقد قرأت أسئلة في موقعكم من أناس في حالات مشابهة، ذكرتم فيها أنه لا مانع من إخفاء الإسلام خوفاً على النفس ، وأن الذي في مثل حالي مكلف فقط بما يستطيع من الواجبات.
مشكلتي أني حالياً أعاني من أفكار بأن الله سبحانه وتعالى لن يقبل إيماني وعباداتي ، لأني لا أستطيع لبس الحجاب ولا أستطيع صوم رمضان، فأنا أحاول جاهدة أن أستر نفسي في الملبس، لكني غير قادرة على لبس الحجاب خشية أن يظهر أمري، ولا أستطيع صوم رمضان لأني كما ذكرت من عائلة عربية غير مسلمة، فأهلي على دراية برمضان وسيعرفون فوراً إذا صمت، لذا فإني أقضي كل الشهر بعد فترة حين أتمكن على أيام متباعدة ، نظراً لظروفي، أحاول أن أكثر من قراءة القراّن وذكر الله و الدعاء، لكني الآن أعاني من التفكير، حيث إني أفكر بأن الله سبحانه وتعالى ربما لن يتقبل مني هذه النوافل ، لأني لا أقوم بتأدية واجبات أهم ، كصوم رمضان و الحجاب، وسيكون مصيري، والعياذ بالله، النار.
ساعدوني أرجوكم في أسرع وقت ممكن، فأنا خائفة على إيماني وديني.
لدي تساؤلات أخرى أيضاً، ولكني أخاف من تكرار الأسئلة مخافة إزعاجكم، أم إن لي أن أسأل ما شئت؟ معذرة منكم على هذا، لكني وحيدة هنا ولا أملك صديقات مسلمات أستطيع الاتكال عليهن، وأخشى من صنع علاقات مع أخواتي المسلمات هنا خوفاً من ظهور إسلامي .
مسلمة سراً وتضطر إلى ترك الحجاب وصوم رمضان .
السؤال: 220401
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نحمد الله تعالى أن يسرك للإسلام ، وهداك لهذه النعمة العظيمة والهبة الجليلة ، فاختارك من بين كثير من الناس ، فاحمدي الله على ذلك .
وليس هناك نعمة تضاهي هذه النعمة التي أكرمك الله تعالى بها، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعقدون المجالس يذكرون نعمة الله عليهم بهدايتهم للإسلام ، وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يباهي بمجلسهم الملائكة .
فعن معاوية رضي الله عنه قال : خَرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أصْحَابِهِ فَقَالَ: ( مَا أَجْلَسَكُمْ؟ ) قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله ، وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا للإسْلاَمِ؛ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: ( آللهِ مَا أجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟ ) قالوا : واللهِ مَا أجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ . قَالَ : ( أمَا إنِّي لَمْ أسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، ولكِنَّهُ أتَانِي جِبرِيلُ فَأخْبَرَنِي أنَّ الله يُبَاهِي بِكُمُ المَلاَئِكَةَ ) رواه مسلم (2701) .
ورأت أخت بِشْر بن الحارث أخاها ليلة من الليالي يتفكر… فتركته ، فلما أصبح قالت له : في ماذا تفكرت طول الليلة ؟ فقال: تفكرت في ” بِشْرٍ ” النصراني ، و “بشرٍ” اليهودي ، و”بشرٍ” المجوسي ، ونفسي واسمي : بِشْر !!
فقلت : ما الذي سبق منك حتى خصك ؟!
فتفكرت في تفضله عليّ ، وحمدته على أن جعلني من خاصته ، وألبسني لباس أحبائه . [ ينظر كتاب ” صفة الصفوة ” (2/331) ] .
فالحمد لله على نعمة الإسلام ، وكفى بها نعمة .
وأما ما ذكرته الأخت من أنها لا تستطيع لبس الحجاب ، ولا صيام رمضان في وقته ، لما تخشاه من الضرر عليها إن أظهرت إسلامها ، وأنها تقوم بقضاء الصيام في غير رمضان ، فلا حرج عليها في ذلك إن شاء الله ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على أحوال مشابهة لأحوالك ، وأجازوا لأصحاب تلك الأحوال أكثر من ذلك عند الضرورة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
من بلغته دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – في دار الكفر ، وعلم أنه رسول الله ، فآمن به ، وآمن بما أنزل عليه ، واتقى الله ما استطاع ، كما فعل النجاشي وغيره ، ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ، ولا التزام جميع شرائع الإسلام ، لكونه ممنوعا من الهجرة ، وممنوعا من إظهار دينه ، وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام ؛ فهذا مؤمن من أهل الجنة ، كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون ، وكما كانت امرأة فرعون ، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر ; فإنهم كانوا كفارا ، ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام ، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان ، فلم يجيبوه .
قال تعالى عن مؤمن آل فرعون : ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ) سورة غافر: 34 .
وكذلك النجاشي ، فهو وإن كان ملك النصارى ، فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام ، بل إنما دخل معه نفر منهم . ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه ، فصلى عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة : خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا ، وصلى عليه ، وأخبرهم بموته يوم مات ، وقال : ( إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات ) .
وكثير من شرائع الإسلام ، أو أكثرها ، لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك ، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت ، بل قد روي أنه لم يكن يصوم شهر رمضان ; لأن ذلك كان يظهر عند قومه ، فينكرونه عليه ، وهو لا يمكنه مخالفتهم . ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن .
فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه .
وبالجملة : لا خلاف بين المسلمين أن من كان في دار الكفر، وقد آمن وهو عاجز عن الهجرة، لا يجب عليه من الشرائع ما يعجز عنها، بل الوجوب بحسب الإمكان . ينظر كتاب ” منهاج السنة النبوية ” لشيخ الإسلام ابن تيمية ( المجلد الخامس من ص111-125) .
ولا مانع من إرسال الأسئلة التي تحتاجين إلى كشفها وإيضاحها ، بل نحن نسعد بك أختا لنا ، ونسعد بمساعدتك في معرفة دينك ، وهذا هو عملنا ، ووظيفتنا ، بحسب استطاعتنا .
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه ، وثبتنا على الإسلام حتى نلقاه ، وجعل لك فرجا ومخرجا إلى بلد أرحب ، ومكان أعظم أمنا لك ، تقيمين فيه شرائع دينك ، على أكمل ما تقدرين عليه .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب